وقفات تدبرية في سورة السجدة 24

منذ 2015-08-19

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} هداة مهتدين، كيف كانوا أئمة في الدين؟ قال: {لَمَّا صَبَرُوا} هذا فيه تكميل القوة العملية، ثم قال: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} تكميل القوة العلمية.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة24].

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} هداة مهتدين، كيف كانوا أئمة في الدين؟ قال: {لَمَّا صَبَرُوا} هذا فيه تكميل القوة العملية، ثم قال: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} تكميل القوة العلمية.

يقول ابن تيمية: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين".

يقول سفيان الثوري: "لا ينبغي للرجل أن يكون إماماً يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا".

{لَمَّا صَبَرُوا} عن الدنيا وعلى الحق وعلى الأذى والابتلاء.

لَمَّا صَبَرُوا على مشاق تعليم العلم والعمل به. أو: على طاعة الله وترك معصيته.

وفيه دليل على أنَّ الصبر ثمرته إمامة الناس والتقدم في الخير، وَكانُوا بِآياتِنا التوراة يُوقِنُونَ (تفسير ابن عجيبة).

وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْبِشَارَةِ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَئمَّةً لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاةً لِلْمُسْلِمِينَ إِذْ صَبَرُوا عَلَى مَا لَحِقَهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ مِنْ أَذَى قَوْمِهِمْ وَصَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ وَمُعَادَاةِ أَهْلِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَظُلْمِهِمْ إِيَّاهُمْ.

وَتَقْدِيمُ بِآياتِنا عَلَى يُوقِنُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِالْآيَاتِ (ابن عاشور).

من هداية الآية:
هنالك تلازم كبير في الآية، بين القدوة والقيادة والرمز، وبين تحقيق الصبر واليقين، فمن صبر وأيقن صار إماماً، ومن يطلب مرتبة الأئمة والريادة، لابد من الصبر عن الدنيا ومشاقها، واليقين بآيات الله والعمل بمقتضاها.

الآية فيها بشرى وتفاؤل، إذ تشير بأنه سيأتي من أتباع موسى من يصبح قدوة لمن بعده، لأنهم اهتدوا بالكتاب الذي نزل على موسى، فمن باب أولى تحقق ذلك لدى أتباع محمد عليه الصلاة والسلام فتأمل!

هذا توجيه رباني ورسالة مستعجلة، إلى كل قدوة ورمز ورائد في العمل الدعوي والخيري، إذا أردت التميز والتفوق والنجاح فعليك بالصبر واليقين.

أهمية الدعوة على علم وبصيرة والاستفادة من وسائل وطرق الأنبياء والسلف الصالح {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}.

كل نجاح دعوي تحققه فهو بتوفيق من الله سبحانه {بِأَمْرِنَا}.

عدم الاستعجال وقطف الثمار بسرعة، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه!

الداعية والقدوة الحق الذي لا يربط الناس بشخصه ولا بنفسه ولا جماعته ومؤسسته، بل يدعونهم إلى الله والاستقامة على طريقه.

من يريد الإمامة من أهل العلم وأن يكون قدوة يقتدي به الناس في ترك المعاصي والمنكرات، والزهد والإيمان والورع، فعليه بالصبر واليقين.

أهمية الصبر في حياة الداعية خصوصاً والمسلم عموماً.

يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَنْ محارم الله" (تفسير ابن كثير).

يقول علي رضي الله عنه: "ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له".

وعن ميمون بن مهران قال: "ما نال عبد شيئًا من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر".

ولأهمية الصبر في الدنيا والآخرة أنهم يوفون أجورهم دون حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].

أهمية الرسوخ في الإيمان والثبات في الصدق والاستقامة على أوامر الله.

اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 1
  • 0
  • 10,809

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً