الأمر بالمعروف.. عمارة في الأرض ونجاة يوم العرض
لا تستقيم حياة الناس في الدنيا، ولا أمل لنجاتهم يوم القيامة، إلا إذا صار الأمر بالمعروف سلوكًا ثابتًا بين أفرادهم، ونهجًا معتمدُا من رأس الأمة وجسدها معًا.
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمدٍ وآله والصحب الكرام
فإن المتأمل في حكمة الله من اختتام الرسالات برسالة الإسلام، وأنه لا رسول بعد محمدٍ صلّى الله عليه وسلم، بشيرًا للناس ونذيرًا لهم، يدرك أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة البشرية عامة منذ انقطاع الوحي.
والأرض التي خلَق الله الناس عليها ليعمُروها بالخير والبناء، لا يتحقق لأهلها ما أرادوا إذا خلت ممن يُقوّم اعوجاجهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حيث إن شأن الإنسان أن يزيغ عن الجادة وتنجرف به الأهواء إلى ما ينكس الفطرة ويفسد أحوال الناس، فيحتاجون حينئذٍ إلى من يعيد الأمور إلى نصابها ويحمل تبعة توجيه الخلق إلى مراد الله، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:251]
لذا، فليس غريبًا أن تُوصف أمة الإسلام بالخيرية على كل الأمم، بسبب قيامها بواجب الأمر بالمعروف؛ حيث إنها المهمة الرئيسية المطلوبة لتحقيق مراد الله في خلقه، وتعبيد الناس له سبحانه، إضافة إلى أن من ينهض بهذه المسؤولية، يناله من الأذى ما لا يناله غيره، وقد بين الله ذلك حين قال: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]
فما كان إخراجهم من ديارهم وإيذاؤهم إلا لأنهم تصدّروا للقيام بواجب نُصح الناس وتوجيههم إلى الاستقامة على أمر الله، فكان حريًّا أن يختص الآمر بالمعروف، بالخيرية وعلوّ المنزلة عند الله تعالى، وكيف لا؟، وهو الذي يعلم تبعات ما هو مُقدِمٌ عليه قبل الشروع فيه، ومع ذلك امتثل لأمر خالقه في خلافة الأنبياء والرسل بهداية الناس.
والأمر بالمعروف ليس نافلة يختارها صاحبها أو يتركها إن شاء، إنما هو تكليف وأمر من الخالق جلّ وعلا، لا يسعُ المؤمنَ تركُه أو التقاعسُ عنه، وبه امتاز المؤمنون عن المنافقين؛ حيث بين الله تبارك وتعالى أنه من لوازم الإيمان والمؤمنين، فقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
بينما فضح الله المنافقين حين أفسدوا في الأرض بالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف؛ حيث قال جل شأنه: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:67]، ومن هنا، ينبغي على الناس أن يدركوا أن جماعتهم لا تستقيم في الدنيا إلا بالأمر بالمعروف، وأن أفرادهم لا ينجون في الآخرة إلا به كذلك.