فوارق - بين التقلب والتطور

منذ 2015-08-23

و ‫‏فارق‬ بين التقلب والتطور.. 
وللأسف لا يدرك البعض هذا الفارق فيخلطون بين التطور الطبيعي للنظر الذي ينشأ عن الخبرة والممارسة والاحتكاك المستمر بمصادر التلقي وبموارد المعرفة؛ وبين التقلب الحاد في الأحكام والآراء
و رغم أن الفارق واضح فإن هناك من يصر إصرارا عجيبا على عدم التمييز بين الأمرين فيحاكم الخلق باستمرار إلى سابق فهمهم أو سالف آرائهم خصوصا تلك القابلة للصقل والتجويد المستمر بخلاف المبادئ والأخلاق والثوابت الواضحة المتفق عليها
ولتستطيع التمييز بين المتقلب الهوائي وبين المتطور الساعي للفهم والتعلم المستمر والتغير للأفضل عليك ملاحظة عدة أمور
الأمر الأول: السرعة التي انتقل بها وهل يتدرج في الفهم والنظر أم هو كل يوم في حال كريشة تتطاير في يوم عاصف
الأمر الثاني: هو الحدة وهل كان تقلبه بين الآراء والمواقف عنيفا قاسيا أم هادئا حكيما؟!
الأمر الثالث: الآليات والمعايير التي اتخذها ليغير رأيه أو فهمه
تلك الأمور بملاحظتها يتبين لك هل يتعلم المرء ويفهم ويطور فكره ووجهة نظره، أم أنه يتقافز ويتقلب بين الأهواء والعواطف وتلعب به وبثوابته الظروف والمتغيرات.
من دون تلك الأمور والنظر فيها فمن السهل أن تبرز التناقض بين المواقف والتصريحات لأي شخص في مرحلتين مختلفتين وذلك بسبب تغير الرؤية الناتج عن مزيد من المعطيات أو ظهور ما خفي عليه ابتداء أو حتى معرفة الخطأ والتوبة عنه
حينئذ لا يسمى هذا تناقضا بل يسمى عودة إلى الحق الذي ربما خفي عليه أولا ثم عرفه آخرا
ولا يعد ذلك مذموما إلا عند ضعاف العقول أو المتربصين
بل الحقيقة هو شىء طيب وضده هو التصلب والحماقة والكبر التي تجعل المرء يصر على قوله وموقفه حتى لو تبين له خطأه
ويظل الثبات على المبادىء التي دفعت المرء لاتخاذ مواقفه = هو الأصل الذي يقيم به الشخص ويُعلَم حقيقة كونه قد غيَّر تلك المواقف لهوىً في نفسه أم أنه غيَّرها تبعا لهذه المبادىء الأصلية التي يعتنقها ولأنه يبحث عن الحقيقة والحكمة حيث كانت فإن وجدها فإنه لا يتكبر عليها بل يقبلها ويرضى بها فإن الكبر بطر الحق كما ثبت عن رسولنا ﷺ
لا شك أن من أدرك طبيعة الأشياء منذ البداية ولم ينخدع بها أو يستخف بزيفها هو الأعمق رؤية والأصوب فهما ودراية والأجدر على التصدر لكن هذا لا ينفي حق الآخرين في التصويب والتصحيح
المهم أن نعترف بالأخطاء ونتعلم منها ونجعلها سبيلا لتطور نظرتنا وتصورات بدلا من تزيينها والإصرار على تعظيمها وتقديسها لا لشيء إلا لأنها فقط… آراؤنا

  • 0
  • 0
  • 1,036
المقال السابق
بين الموضوعية والتربص
المقال التالي
بين هدم أوثان النفس وبين هدم القيمة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً