(1) القلب المريض
المرض دون القساوة، والقلب المريض هو المتذبذب بين السلامة والقساوة، فهو يعلو حينا ويهبط حينا، وهو القلب الذي تمده مادتان: مادة إيمان ومادة كفر، وهو إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي، وإن غلبت عليه صحته التحق بالقلب السليم، وخطورة هذا القلب وأهميته تتمثَّل في أن الشيطان لا يقرب القلب القاسي الميت فهذا لا مطمع له فيه، ولا يستطيع أن يقرب القلب الحي وإلا احترق، إنما يهاجم القلوب المريضة.
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
المرض دون القساوة، والقلب المريض هو المتذبذب بين السلامة والقساوة، فهو يعلو حينا ويهبط حينا، وهو القلب الذي تمده مادتان: مادة إيمان ومادة كفر، وهو إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي، وإن غلبت عليه صحته التحق بالقلب السليم، وخطورة هذا القلب وأهميته تتمثَّل في أن الشيطان لا يقرب القلب القاسي الميت فهذا لا مطمع له فيه، ولا يستطيع أن يقرب القلب الحي وإلا احترق، إنما يهاجم القلوب المريضة.
وخطورة هذا القلب كذلك في أن أمراض القلوب تفوق أمراض الأبدان كمّاً وكيفًا، بل تتفاوت تفاوتًا عظيمًا من حيث مدة المرض، فالأمراض لها أعمار، فمن مرض موسمي عارض إلى مرض مستحكم دائم، ومن مرض ساعة إلى مرض شهر إلى مرض لا يزول إلا بموت صاحبه، فكم سيطول مرضك، ومتى الشفاء من العناء؟! كما تتفاوت خطورة المرض الواحد تفاوتاً شديدًا، فمن إصابة حادة إلى إصابة مزمنة، ومن مرض مؤلم إلى آخر مميت، ومن مرض محدود الأثر لا يتعدَّى صاحبه إلى مرض مُعدي يضر بالمجتمع، لكن.. وقبل الدخول في التفاصيل..
ماهو المرض؟!
قال ابن القيِّم: "والمرض يدور على أربعة أشياء فساد وضعف ونقصان وظلمة، ومنه مَرِض الرجل في الأمر إذا ضعف فيه ولم يبالغ، وعين مريضة النظر أي فاترة ضعيفة، وريح مريضة إذا هَبَّ هبوبها كما قال: راحت لأربعك الرياح مريضة، أي لينة ضعيفة حتى لا يعفى أثرها، وقال ابن الأعرابي: أصل المرض النقصان ومنه بدن مريض أي ناقص القوة، وقلب مريض: ناقص الدين، ومَرِض في حاجتي إذا نقصت حركته، وقال الأزهري عن المنذري عن بعض أصحابه: المرض إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها. قال: والمرض الظلمة وأنشد:
وليلة مرضت من كل ناحية *** فما يُضيء لها شمس ولا قمر
هذا أصله في اللغة".
أما من حيث الواقع والمشاهد، فيكمل ابن القيِّم كلامه في موضع آخر فهو فارس هذا الميدان بلا جدال: "كل عضو من أعضاء البدن خُلِق لفعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه، ومرضه: أن يتعذر عليه الفعل الذي خلق له حتى لا يصدر منه أو يصدر مع نوع من الاضطراب، فمرض اليد: أن يتعذر عليها البطش، ومرض العين: أن يتعذر عليها النظر والرؤية، ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق، ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف عنها، ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة.
نوعا المرض
وأمراض القلوب نوعان: أمراض تتعلق بالجوارح وهي الشهوات، وأخرى تتعلق بالعقول وهي الشبهات، وقد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي برزة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ». ومضلات الهوى هي الشبهات. قال ابن القيم: "وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع والهوى على العقل، فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة، ففتنة الشبهات تُدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:17]، فدلَّ على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين".