بين العدو والمدعو!
محمد علي يوسف
ثمة فارق بين العدو والمدعو. لم تزل الدعوة قائمة ولم تزل الأمة مبتعثة ولم يزل التكليف قائمًا
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
هل تتذكر هذه الكلمة العتيقة؛ ذلك المعنى القديم وتلك القيمة العظيمة التي تصدعت في نفوس الكثيرين بعد أن كانت يومًا تتردد على ألسنتهم ويستقر معناها في قلوبهم ولها مكانها بين همومهم.
فقط أولئك الذين يحملون هم الأمة ويعنون بشأن المسلمين ويحيون بقيمة حمل الرسالة يدركون وقع تلك الكلمة جيدًا. يدركون ذلك الهم الذي كانوا يحملونه تجاه إخوانهم ورغبتهم الصادقة في أن يذوقوا مما ذاقوا ويغترفوا مما اغترفوا ليس استعلاءً أو تفضلًا؛ ولكن إيمانًا من علاماته أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه. والمرء يحب لنفسه مرضاة الله والجنة، وكذلك كان يومًا يحبهما لإخوانه وإن جفوه وأنكروه وآذوه فمعذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون.
اليوم تصدعت في نفسه تلك القيمة واستبدلت بعداوة عامة شملت الفاسد والمفسد وعمت الرأس والذيل وغمرت التابع والمتبوع وأطلقت على الضال والمضل والجاهل ومن جَهَّلَه. صار تمني الهداية وصلاح الحال وتبدل المآل مندثرًا في غياهب نفس قررت تعميم الانتقام.
نعم بلا شك هناك أعداء؛ هناك من يستحق الدعاء عليه؛ هناك من يستحق عقوبة وقصاصًا يشفي صدور قوم مؤمنين. وهناك من لا بد من مفاصلته مفاصلة تستبين على إثرها سبيل المجرمين. لكن هل هذا يشمل الجميع؟! هل رُفع التكليف بالبلاغ وبطُل أمر هداية الناس الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في أعجب مقام يتصور فيه أن تصدَّر هذه القيمة؛ إنه مقام مقارعة يهود خيبر: أعلنها رسولنا قائلا لقائد جيشه سيدنا علي رضي الله: « ». هل زال كل ذلك ونُسخت كل تلك القيم؟!
الجواب: لا، ليس كل مخالف عدوًا. ثمة فارق بين العدو والمدعو. لم تزل الدعوة قائمة ولم تزل الأمة مبتعثة ولم يزل التكليف قائمًا: « ». وهذا التكليف لا بد أن يقوم على شعور بالحرص والرغبة الصادقة في هداية الخلق قبل معاداتهم، أو على الأقل جزء من الخلق.
ابحث في نفسك عن تلك القيمة وسلها عن ذلك المعنى القديم وارأب ما لحق بها من تصدع فليس الكل أعداءً ولكن بعضهم أحوج ما يكون إلى حق يعرفونه ونور يستهدون به ربما لن يجدوه طالما لم يظهر هذا الفارق جليًا؛ الفارق بين العدو والمدعو.