مطلوبات العلمانية والعلمانيين من الإسلام والمسلمين

منذ 2015-09-07

الحرب الفكرية والسلوكية الدائرة اليوم وقبله بين الإسلام وأضداده من الملل والنحل ومنتحليها هي حرب لن تضع أوزارها ولن يهدأ لأصحابها بال حتى تقضي هي على الإسلام أو يقضي هو عليها

في سردنا الطويل آنفًا لمطلوبات العلمانية منا كي نكون في مستوى الحداثة والتقدم والنهضة المادية والثورة العلمية، وتتحصل لنا حسب الزعم ميزة التدثر بمسلاخ المعاصرة الذي نصير به أحرارًا تقدميين لنا وزننا في كفة التوازن الكوني، يترضى علينا صناع الفرجة الدولية بالمحافل الأممية الكبرى، ونذكر عند أرباب سبابات الفيتو بكل خير وإحسان.

إنها مطلوبات على كثرتها من جهة التفصيل يمكن أن نجملها في مطلوب تسفلنا إلى الدركة التي تكون فيها ومعها علاقتنا بالله قد لامست عتبة الصفر وتنزلت دونه، حيث يحصل الانسلاخ الذي ما فتئ سدنة العلمانية ينادون به وينافحون عن تجلياته ويدافعون من أجل ترسيم وجوده في قلة وذلة بالنفس والنفيس وجلد الروح والجسد، وهي القلة المنفوخ في عددها وعدتها؛ والذلة المتزملة بثوب العزة والمروءة ومحبة الأوطان.

ولا شك أنها قلة وذلة وجدنا حقيقتها يوم أن احتكم الكل بالقسر والخيار -في مناخ شذ عن أصل الهيمنة المزيفة وأخذ جرعات مستوفية من الحرية في ظل ما بات يعرف بالربيع العربي- إلى أسلوب ديمقراطيتها، ليتم الوقوف على أن وجودها في وجدان الشعوب وإحساس الأمة هو وجود زيف ومداهنة إكراه وطيف سراب حسبناه ماء حتى إذا جئناه لم نجده شيئًا.

ولا شك أنها حقيقة تحاشتها السخائم في ذلة وكامل مسكنة وهي تعيش وتتذوق المغلوبية والتهميش وتشكو وطأة الإقصاء العفوي والخسارة المنصفة التي أنبأت بها صناديق لعبتها الزجاجية الشفافة، فلقد رأينا كما رأى الكل كيف عملت على تغيير مفاهيمها التأسيسية القديمة، وكيف تخلت عن أسس فلسفتها وقواعد نظريتها لتحلّ محلها مفاهيم التوافق والترافق والتحاذق في لؤم وخديعة كبديل صارخ عن لب فلسفتها، ونعني بها قاعدة (الحكم للأغلبية).

فوجدناها تدلي بدلوها وهي القلة القليلة في صياغة الدساتير أو ما اصطلح عليه في بعض بؤر مغلوبيتها (مصر نموذجًا) بالدستور المكمل، بل نجدها مع مرور الوقت وذهاب ريح أملها انحنت في استصراخ وتصدية لانقلاب عسكري أتى على حطام ما عاشت تتبناه وترعاه وتصلي في محرابه وإلى قبلته سنين عددًا؛ وتُشقي الناس في رمضاء فساده الذي أهلك الزرع والضرع وأنتج ذهنية مخنثة منبطحة، وعقلية ذكورية أنثوية، وأنثوية ذكورية، تسمعنا همسها وصدعها عند همّنا بالكلام عن شعيرة التعدد والحجاب، أو تناول أي مظهر من مظاهر العفة وسوي الفطرة السليمة، ولا تتواني بالمطالبة بإخراجنا من سوقها وقرية فنونها بتهمة قديمة متجددة فإننا قوم وأناس متطهرون.

كما يعلو صراخها وعويلها وتترادف جولاتها وصولاتها دفاعًا عن العري واسترقاق الخنا، وثقافة الماخورات، وفلسفة تقنين ممارسة الزنا، وجعل لحوم بناتنا إلى جنب أنهارنا وجبالنا وغاباتنا تتزين بها ملفوفات الاستشهار لسياحتنا الوطنية، وكذا الدفاع عن كبيرة المثلية الجنسية ونقيصة الأمهات العازبات... وهلم جرا من أدران هذا الانحطاط الخلقي الذي لم تُعرف له أصول ولا استثناءات حتى في صف قطعان البهيمة ولا معاشر الجن وطرائقه القددا.

وهي قبل هذا وبعده تتعمد أن تضع بين يديها ومن خلفها وعن شمائلها وأيمانها -ولا أيمان لها- مشروع النفخ في رماد ما عرفه التدين ويعرفه من بعض الشذوذ والغلو الذي جاء لصيقًا بطوائف لا تمثل نسبتها في الكل العابد المنيب السالم المسالم إلا النزر القليل، ومع هذا فهي لا تتوانى كلما سنحت لها الفرص المترادفة أن تعزف لحنها المنغوم لحن تهمة الإرهاب، وتاريخية نصوص الدين الحاملة على الكراهية وإشعال فتيل الهرج أو كثرة القتل، كما ترمي وتزعم في غير إنصاف ولا تجرد، بله في إيقاد وإشعال العداوة للدين وللمنتسبين لعراه، الملتزمين في غربة وإغراب إلى شعيرته وشريعته ودعوة صريحة فصيحة إلى تحييد وصايته وإلغاء نظامه الأخلاقي الذي يرفض الظلم الذي حرمه الله على نفسه وجعله محرما على عباده.

وهي إن سمحت بوجوده فهي في أحسن الأحوال لا تجعله ولا تهادنه إلا في إطار محض كونه علاقة بين العبد وربه محلها القلب والوجدان ولا شأن له ولا تصرف في واقع الناس ودروب حياتهم، مع واجب التنبيه أن هذا الحصن هو الآخر قد تم تسوّر محرابه عقيدة وفقهًا وسلوكًا ولا ينبئك بهذا مثل خبير وصايا وتوصيات المؤسسات الغربية للدراسات الإستراتيجية وما راكمته في هذا الخصوص من غيض وفيض مشفوع بعلامات أحكام القضاء الاستعجالي والتنفيذ الفوري.

ومن قبل هذا كله فهي بكل عمد انبهار وقصد افتتان تضع أمامها على طول: وَهْم النجاح والتمكين المادي الذي حققته في خط تصاعدي الأمم التي جافت الدين واعتبرته أفيون الشعوب وتحررت على أدق تعبير من سطوة الكنيسة وجبروت رجالاتها، وألقت بٍصحيحه وسقيمه في جبانة الترك والمعاداة، ناسية أو متناسية في غمرة الانبهار والافتتان أن من سنن الله الكونية أن يمد ويعطي الدنيا للمؤمن كما للكافر وللمصلح كما للمفسد، كما أن هذا النجاح والتمكين المادي قد يكون من جنس الإملاء والفتح الذي تشرع أبوابه في وجه من نسوا ما ذكروا به ليزدادوا إثمًا وتسفلًا وانحدارًا إلى دركات الهلاك المبين، سيما أن هذا النجاح وهذا التمكين لم يكن في حد ذاته علامة على صلاح أصحابه من جهة القدوة كما لم يكن ضمانًا على استمرار حالة هذا النجاح وهذا التمكين على طول خط الاطراد والأيام دولة كما قيل ويقال.

ويبقى أن ننبه على حقيقة أن الحرب الفكرية والسلوكية الدائرة اليوم وقبله بين الإسلام وأضداده من الملل والنحل ومنتحليها هي حرب لن تضع أوزارها ولن يهدأ لأصحابها بال حتى تقضي هي على الإسلام أو يقضي هو عليها، وهيهات أن تقضي هي وهم عليه فإن حسن المعتقد وصحيحه ينبئ في غير خطأ بهذه الغلبة واستشرافها المبارك إلى صفه، وإن كنا نحب أن نستدرك بأن هذا الحق الذي تبنانا قبل أن نتبناه، ودافع عنا قبل مدافعتنا عنه تجوزًا، لا يمكنه أن ينتصر أو أن يعيد التمكين إلى اسمه ورسمه وأهله إلا في حالة وجود قوة فكرية نخبوية مؤسساتية تقوده وأخرى مادية رسمية تسند ظهره وتضبط سيره وكرّه مصداقًا لقول من قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

ولقد آن الأوان أن نقذف في روع الخصم المناوئ بعدما استنزف كل قواه دفاعًا على توطين باطله، وأنفق أمواله وأيام دهره ليصد عن سبيل الله، حقيقة أن إنفاقه سيكون عليه حسرة وأن باطله سيذهب جفاء، وأن إسلامنا العظيم ماكث في الأرض ولو بعد حين، فهو ولا شك آخر الأديان والمرسل به خاتم الأنبياء والمرسلين قد نزل بعقيدته وشريعته ليبقى في الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها.

وليس هذا من باب التهديد ولا الوعيد وإنما ذاك حكم الله الحاسم المقرر بقوله جل جلاله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]، وحتى على التسليم بأن القرآن حمّال أوجه فهل يستسيغ عاقل بله بالغ سوي الفطرة اعتبار العري والسفور والخنا والمثلية والإلحاد وتعطيل شريعة الله ومشاقة الرسول ومعاداة الدين وأهله وجهًا يُحمل على كون هذه الموبقات المهلكات منافع للناس والحكم لها لازمًا بالمكث في الأرض؟!

نعوذ بالله ومن وعثاء سفر الجهل، وسوء منقلب الخدلان، والله غالب على أمره سبحانه وتعالى.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد بوقنطار

محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.

  • 3
  • 0
  • 2,368

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً