كلّميني!

منذ 2015-09-08

إحساس رهيب لما تجدني بعيدة عنك؟ هل تصوّرت يوما أنك طيلة حياتك وأنت بعيد عنّي؛ مع أصدقائك وهاتفك وعالمك الافتراضي المزيف؟

عائدا إلى منزلي؛ أفتح الباب برفق واضعاً سلسلة المفاتيح علي الطاولة، متعلقا تماما بشاشة الهاتف، مشغولا تماما بالصفحة الزرقاء الخاصة بالفيس بوك؛ بعالم أزرق لغته الإعجاب والتعليق. أضحك بصوت مرتفع فتغيب الشاشة عن ناظري؛ لألحظها للمرة الأولي.

كانت جالسة في ركن الصالة تنظر إلي بدهشة شديدة؛ ثم قالت: أنا جالسة هنا منذ دخولك؛ وأنت مشغول عني، لوهلة ظننت أنك لن تلحظني أبدا، ما الذي دهاكم هذه الأيام؟ عيونكم معلقة بالشاشات؛ وقلوبكم غائبة عن الإدراك والوعي؛ تهتمون جدا بالتقاط الصور وأنتم تبتسمون ولا تعرفون للسعادة معناً.

أعدّت لنا عشاء دسما ساخنا، وقالت لي: اشرح لي؟ قلت ونصف دجاجة في فمي: أشرح ماذا؛ ماذا اشرح ؟

انتهي العشاء وطبقين من البسبوسة وقدح من الشاي؛ وانقضت ثلاثة ساعات كاملة شرحت فيها لأمي قيمة ما أفعله -لو أن له قيمة حقيقية- ثم أنشأت لها حسابا خاصا بها؛ وأضفتها لدي لتحادثني في كل وقت.

حياتها بدأت تتغير؛ في البداية انشغلت بي كثيرا؛ ثم بدأت تفهم هذا العالم وتغوص فيه، حين عودتي لم تعد تنتظرني. أصبح لديها عالمها الخاص، اشتركت في جروب عن الطعام والوصفات وأصبح لها جمهورها ومعجبيها. لم يعد هناك عشاء ساخن أو دسم؛ حين أفتح باب الشقة؛ أجد الضوء عند باب غرفتها وعيونها معلقة تماما بالشاشة؛ حتي أنني حين ناديتها لم تسمعني. اقتربت برفق وأمسكت بيدها؛ ونظرت في عينيها؛ يا أمي؛ كلميني. كنت قريبا جدا منها وأنظر في عينيها تماما، لكني شعرت أنها بعيدة تماما عني.

ابتسمت وقالت: إحساس رهيب لما تجدني بعيدة عنك؟ هل تصوّرت يوما أنك طيلة حياتك وأنت بعيد عنّي؛ مع أصدقائك وهاتفك وعالمك الافتراضي المزيف؟

ألقت بهاتفها بعيدا وأشارت لي أن أقترب، ألقيت بهاتفي مثلها ثم قلت: كلّميني.

_________________

محمد هيكل

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 10
  • 0
  • 1,765

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً