حكايات الرصاص

ملفات متنوعة

وقد بين الدكتور عابدين أن هناك نوعاً آخر من القنابل استعملها العدو
تعمل على بتر الأرجل فقط - كالسيقان من فوق أو تحت الركبة- وتؤدي إلى
إعاقات، ونزف ، وشهادة المصاب بها.....

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

يرويها طبيبٌ شاهد
إن كانت الحرب قد وضعت أوزارها، فإن الشواهد على جرح غزة بدأت تروي حكاياتها لتكشف عن صورة أخرى لوجه العدو . كثيرة هي تلك الحكايات التي سطرها الحجر والبشر، وروايات أخرى كُتبت بنزف الرصاص من خلف الشاشات، يروي لنا بعضاً منها الطبيب عابدين فايز بني شمسي، المختص في أقسام العمليات الجراحية، والمزاول لمهنة التخدير والإنعاش، على مدى عشرين عاماً ، سبعة منها قضاها في لندن حيث يقيم الآن.

تلبية النداء
يقول الدكتور عابدين أن ما شاهده بحق الأمهات والأطفال عبر شاشات التلفزة قد دفعه لتبية نداء العقيدة والأهل والقرابة، مشيراً أن حاله في ذلك حال العديد من الأطباء الذين قدم معهم ضمن تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، وكذا الإخوة الأطباء القادمون من اتحاد الأطباء العرب ونقابة الأطباء الأردنيين وغيرهم.

طريق الرحلة
يتساءل الدكتور عابدين - متهكماً- في رحلته مع الأطباء والتي بدأت من لندن إلى القاهرة ومنها إلى العريش، ومن ثم إلى رفح، عن سبب بقائهم سبعة أيام عند معبر رفح رغم أنهم طواقم طبية، مشيراً أن كل تأخر في تقديم المساعدة كان يعني زيادة في فقد الأرواح، حيث إن تسعة بالعشرة من المصابين كانوا يموتون؛ لأن الإسعاف الأولي لم يكن يقدم لهم خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى.

صورة الواقع
فداحة ما ارتكبه الجيش المهزوم بحق الحجر والمدنيين العزل، كان كفيلاً بتحقيق الصدمة لكل من يرى ذلك كما قال الطبيب عابدين، إلا أن الصدمة الأكبر على حد تعبيره والتي فاقت حدود التخيل كانت ثبات وصمود أهل غزة ثباتاً حقيقياً عظيماً يعبّر عن مدى يقينهم وإيمانهم، مدللاً على ذلك بقوله:" هم أشدّاء ذهبوا ليحصلوا على الجنة ، وجميع إصاباتهم تدل على أنهم كانوا مقبلين غير مدبرين إذ كان يأتي المصاب مبتور القدمين مكبراً وحامداً لله قائلاً:" الحمدلله..الحمدلله.. لم نجعلهم يتقدمون شبراً واحداً" ".

قصص الصمود
لقد رأى الطبيب و رفقته النصر مذ اليوم الثاني لوجودهم في غزة إذ يقول: " من اليوم الثاني لوجودنا في غزة أيقنا بأن غزة لن تهزم - بإذن الله- بثبات رجالها ونسائها ، أطفالها وشيوخها،الذين ترجموا مفردات العقيدة الصلبة من طيات الكتب إلى الواقع."
ومن القصص التي يرويها الدكتور عابدين في ذلك، قصة رجل استشهد اثنان من أبنائه في مستشفى الشفاء واستقبل هذا الخبر بقوله: " بقيت وأبنائي الأربعة وبعدها فليدخل اليهود إلى غزة ولكن قبل ذلك لن يحلموا بالدخول".

الحكاية التي أبكت الطبيب
يروي الدكتور عابدين الحكاية بقوله:" جاء أحد المجاهدين مصاباً وأمام مشهد بتر ساقيه لم يتمالك أحد الإخوة الأطباء نفسه وبكى، فأتى صديق هذا المجاهد وبدأ يصبّر الطبيب ويقول له " إن للجنة ثمن" ، ويعلق الطبيب عابدين بقوله: " يقيناً هم قوم باعوا أنفسهم وما يملكون لله تعالى".

يرفع السبابة
وحول صورة الشهيد وقد رفع سبابته عقّب الدكتور بأن كل المصابين بلا استثناء كانوا يصلون المشفى وهم رافعين أصبع السبابة قائلين: " حسبنا الله ونعم الوكيل،، الله مولانا ولا مولى لهم".
مشيراً أن كل صورة التقطها من قلب الحدث لها معنى وهدف بالنسبة له، قد يكون إنسانياً أو مهنياً أو إغاثياً.

أسلحة محرمة
كثير من النساء والأطفال تعرّض جلدهم لبقع حارقة نتيجة أسلحة الفسفور الأبيض التي استخدمها العدو في قصفه، وقد تحدث الدكتور عابدين عن ذلك مضيفاً أنه كان يجد قنابل تخرج شظايا من الإصابات التي تعرّض لها الأطفال، ويصفها بأنها صغيرة جداً تشبه الدُّمدُم وتخترق الجلد إلى داخل الأوعية الدموية، ليصبح جسد المصاب كالمنخل، وتسيل الدماء من جميع النواحي فيه، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم لعدم استطاعة الأطباء إيقاف هذا الشلال النازف من الدم.

وقد بين الدكتور عابدين أن هناك نوعاً آخر من القنابل استعملها العدو تعمل على بتر الأرجل فقط - كالسيقان من فوق أو تحت الركبة- وتؤدي إلى إعاقات، ونزف ، وشهادة المصاب بها.

وصف الإصابات
معظم الإصابات - بنسبة لا تقل عن 95%- يصفها عابدين ضمن النوع الذي يعمل على بتر الأرجل، وإصابات في الجمجمة وفي الصدر والبطن، وهنا فإن دور الأطباء العلاجي يتلخص بتقديم الإسعاف الأولي في قسم الطوارئ والعناية المركزة، ومن ثم المباشرة لإيقاف النزف في غرف العمليات، والعمل على بتر هذه الأعضاء كعلاج أولي، يبقى بعدها دور المتابعات الطبية من المتخصصين في الجراحة التجميلية.

واقع المستشفيات في غزة
الحديث عن إمكانيات المستشفيات من حيث المعدات والأدوية تجعلنا نتكلم عن عشرين سنة ماضية حسب ما يراه الدكتور عابدين، مؤكداً إلى ضرورة إيجاد أدوية ومعدات أكثر تطوراً وإعادة تأهيل بعض الكوادر الطبية .
ويتساءل هنا عن دور السلطة الفلسطينية خلال خمس عشر سنة مضت عن تقديم الخدمات الإنسانية للمواطن الفلسطيني.

واجب المرحلة
يبين الدكتور عابدين أن المرحلة الثانية الآن تتلخص في إرسال ذوي الاختصاصات النفسية إلى غزة ، إذ إن الإصابات النفسية أكثر عمقاً.

وكخطوة إجرائية للأطباء تم أخذ عينات من الإصابات وإرسالها لمختبرات خاصة ومنها إلى جنيف ليكون هناك مقاضاة لهذا العدو الغادر في المحاكم الدولية، لاستخدامه أسلحة محرمة دولياً بعضها غير معروف ما هيته .

هذه رواية الرصاص التي وجدت في أجساد الغزيين مستقراً لها، في حين انشغل آخرون بصمّ الرصاص عن الرواية .


عبير الكالوتي - الجزيرة توك - عمان


المصدر: الجزيرة توك