وقفات تدبرية في سورة السجدة (27)
أيمن الشعبان
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة:27]
- التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة:27]
واختير المضارع في قوله نسوق لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة.
والسَّوق يكون تارة للسحاب كما في قوله سبحانه: {والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ}[فاطر:9]، إذ تسوق الرياح السحاب فتنقله إلى حيث يأمرها الله، ثم يسوق الماء من السحاب بإنزاله إلى الأرض، ثم يساق إلى الأنهار، ويسلكه ينابيع في الأرض.
وكلمة {جُرز} فيها قوة، تتناسب مع مادة السورة وموضوعها اليقين والخضوع. قَدَّمَ الْأَنْعَامَ عَلَى الْأَنْفُسِ فِي الْأَكْلِ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الزَّرْعَ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ يَصْلُحُ لِلدَّوَابِّ وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِنْسَانِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الزَّرْعَ غِذَاءُ الدَّوَابِّ وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَأَمَّا غِذَاءُ الْإِنْسَانِ فَقَدْ يَحْصُلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَكَأَنَّ الْحَيَوَانَ يَأْكُلُ الزَّرْعَ، ثُمَّ الْإِنْسَانُ يَأْكُلُ مِنَ الْحَيَوَانِ.
الثَّالِثُ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ ذَوَاتِ الدَّوَابِّ وَالْإِنْسَانُ يَأْكُلُ بِحَيَوَانِيَّتِهِ أَوْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَكَمَالُهُ بِالْعِبَادَةِ.
وَجَاءَتِ الْفَاصِلَةُ: {أَفَلا يُبْصِرُونَ} لِأَنَّ مَا سَبَقَ مَرْئِيٌّ، وَفِي الْآيَةِ قَبْلَهُ مَسْمُوعٌ، فَنَاسَبَ: {أَفَلا يَسْمَعُونَ}.
في الآية السابقة والتي معنا تذكرة بليغة في الموت والحياة، فكما أن الأرض تموت ثم تحيا بالماء، كذلك أنت يا إنسان ستموت وتفارق الدنيا، ثم يبعثك الله مرة أخرى لتقف بين يدي الله سبحانه في مشهد عظيم للحساب.
يصور لنا ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآية مشهد عجيب لكمال قدرته وتمام تدبيره، فكأن الرياح تسوق السحاب كالسائق للدابة، ثم ينزل الماء منها إلى الأرض الجُرز!
نِعم الله ومِننه علينا كثيرة وعظيمة، وهنا يذكرنا؛ منها إحياء الأرض التي مات نباتها أو يبس، لننتفع من ثمرها وحبها.
في الآية إشارة وتشبيه القلوب القاسية التي لا تنتفع بالمواعظ والآيات، بالأرض الجُرز التي لا نبات فيها؛ فهي ميتة كالقلب القاسي ميت.
قال ابن عطاء فى الآية نوصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية المعرضة عن الحق فتتعظ بتلك المواعظ.