على ما تبقى من جدران غزة..!!
عبد الكريم بكار
إذا ملك شبابنا فضيلة الصبر والاهتمام بالقضية الفلسطينية، فإنهم
سيقدمون لها الكثير والكثير، بل إنهم سوف يُفاجَؤُون بحجم ما قدموه..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
توقف قصف الطائرات، وهدأت أصوات
المدافع، وفتح أهل غزة الأبية الصامدة عيونهم على هول المأساة التي
خلّفها الجيش الصهيوني، حيث يشعر الناس وكأن زلزالاً أصاب بعض الأحياء
إلى جانب عشرات الألوف من المشردين الذين أضحوا من غير مأوى...
إنها مأساة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا يحق للذين لم يكتووا بنارها التهوين من شأنها، أو تحويلها إلى نصر حاسم لا لبس فيه، فالصحيح أن ما جرى في غزة كان صعباً وقاسياً للغاية، وسيترك تأثيره السلبي لسنوات عديدة، لكن بما أن الشر المحض نادر، فإن لتلك المأساة بعض الجوانب التي لا تخلو من شيء من الخير، والمهم الآن هو استخلاص العبر، ومداواة الجراح، والاستعداد المبكر لمنع تكرار ما حدث.
وهذه بعض الملاحظات في هذا الشأن:
1ـ في مأساة غزة أمور واضحة لا تقبل الجدل، ومن تلك الأمور أولاً:
القسوة والوحشية التي أبداها جيش العدو في قصف المنازل وقتل الأبرياء، وصمود المقاومة وتماسكها واستبسالها وروحها المعنوية ثانياً، والدور الذي قام به الإعلام في وضع جرائم اليهود تحت سمع العالم وبصره ثالثاً؛ وأعتقد في هذا السياق أنه كان بالإمكان أن يكون حجم القتل والدمار في غزة أضعاف الحجم الحالي لولا فضل الله أولاً ولولا التغطية الإعلامية العظيمة والمباشرة والتي وفَّرتها الكثير من القنوات الفضائية.
2ـ السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي على الجماهير الإسلامية أن تقوم به حتى تجعل من هبّتها نحو غزة شرياناً طويلاً ممتداً وحياً وفاعلاً، تجدّده وتقويه الأجيال؟
أنا شخصياً أعتقد أن هناك ثلاثة محاور أساسية لاستقطاب جهود الأفراد العاديين من أبناء هذه الأمة، وهذه المحاور هي:
أ ـ المحور التطوعي و الخيري والإغاثي:
فالفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال والحصار والتهديد المستمر بالقتل والاعتقال، والجدار العنصري الذي أقامه الصهاينة، ومئات الحواجز التي وضعوها في الضفة الغربية قطّعت أوصال البلد، وجعلت الحياة في منتهى الصعوبة، وهذا كله يعني أنهم يعيشون حياة أقل من عادية، ولهذا فإنهم بحاجة إلى العون الدائم حتى يجعل الله ـ تعالى ـ لهم من أمرهم فَرَجاً ومخرجاً.
وهذا يتطلب في الحقيقة إنشاء عشرات ـ إن لم أقل مئات ـ المؤسسات الطوعية والخيرية في أنحاء العالم الإسلامي، وحيث وُجد مسلمون في أنحاء الأرض، وإذا كنا غير قادرين أن نتعلم من تاريخنا، فلنتعلم من أعدائنا كيف يخدمون قضاياهم، وفي هذا الإطار نجد أن في الولايات المتحدة الأميركية وحدها نحواً من واحد وثلاثين ألف منظمة خيرية تقدم الدعم لليهود في فلسطين، وهذا غير المنظمات الإسرائيلية التي لها فروع كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن كل شأن من شؤون إخواننا في فلسطين على مستوى الاقتصاد والتعليم والاجتماع والبنية التحتية والتنمية يحتاج إلى دعم من المسلمين، وإن ذلك الدعم يجب أن يكون مستمراً ومنظماً، وأقترح بهذا الشأن، بل أطالب بإنشاء وقف إسلامي عالمي باسم (الأقصى) على غرار الأوقاف التي كانت منتشرة في أنحاء العالم الإسلامي للحرمين الشريفين والأزهر في مصر، وينبغي أن تتولى إدارة ذلك الوقف هيئة إسلامية مستقلة وذات صبغة عالمية، وأعتقد أن بإمكاننا أن ننشئ وقفاً بقيمة عشرة مليارات دولار، ويكون ريعه سنوياً في حدود مليار دولار، وهذا كافٍ لإحداث نهضة جيدة في فلسطين إذا استخدم بتدبير وكفاءة عالية.
ب ـ المحور الإعلامي: وهذا المحور في نظري لا يقل أهمية عما سبق، وقد كان اليهود يقولون في يوم من الأيام: من يملك الذهب يملك العالم، والآن يقولون: من يملك الإعلام يملك العالم، وإن شواهد الأحوال تثبت صحة هذه المقولة. أنا هنا أدعو ملايين الشباب المسلم إلى أن يخصصوا جزءاً من وقتهم في الأسبوع للتعريف بحقوق الفلسطينيين في أرضهم، وللتعريف بالمجازر التي تعرضوا لها والمعاناة اليومية التي يجدونها، وكشف القناع الإنساني والديموقراطي والأخلاقي الذي تتقنّع به إسرائيل أمام العالم، والذي شهد هذه الأيام شيئاً من الثقوب، مما أثار سخط العالم في أنحاء المعمورة.
إن (الإنترنت) تشكل اليوم وسيلة شبه مجانية للشرح والتوضيح والفهم، وهي في الوقت نفسه الوسيلة الأكثر فعالية على مستوى العالم. إذا ملك شبابنا فضيلة الصبر والاهتمام بالقضية الفلسطينية، فإنهم سيقدمون لها الكثير والكثير، بل إنهم سوف يُفاجَؤُون بحجم ما قدموه.
ج ـ المحور الحقوقي والأخلاقي: فاليهود استطاعوا أن يقدموا أنفسهم للعالم على أنهم مضطهدون ومظلومون، وأنهم ضحية للتطهير العرقي، كما استطاعوا إقناع العالم بأنهم الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، ولهذا فإن على العالم أن يناصرها بوصفها الدولة النموذج لمحيطها...
وفي ظل هذا كله ترتكب كل جرائمها دون أن تنال أي عقوبة، وقد جاء دور الحقوقيين المسلمين ليرفعوا عليها دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية والأوروبية على عمليات الإبادة التي ارتكبتها في غزة، وقد بدأ ذلك، ونرجو أن يستمر... إن مجرد إقامة الدعوة القضائية ضد شخص أو دولة يتيح فرصة لتوقف الوعي العالمي عند شيء سيئ أو مشبوه، وهذا ما يجب أن نفعله ضد اليهود المعتدين.
3ـ إن ما ندعو إليه ليس مستحيلاً، إنه ممكن فعلاً، وإن مباشرتنا له سوف تفتح لنا آفاقاً جديدة لم نكن نراها، ومن المهم دائماً ألاّ ننظر إلى إمكاناتنا الناجزة، ولكن الإمكانات الهائلة التي تولّدها الإرادة الحرة والعمل الدؤوب.
إنها مأساة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا يحق للذين لم يكتووا بنارها التهوين من شأنها، أو تحويلها إلى نصر حاسم لا لبس فيه، فالصحيح أن ما جرى في غزة كان صعباً وقاسياً للغاية، وسيترك تأثيره السلبي لسنوات عديدة، لكن بما أن الشر المحض نادر، فإن لتلك المأساة بعض الجوانب التي لا تخلو من شيء من الخير، والمهم الآن هو استخلاص العبر، ومداواة الجراح، والاستعداد المبكر لمنع تكرار ما حدث.
وهذه بعض الملاحظات في هذا الشأن:
1ـ في مأساة غزة أمور واضحة لا تقبل الجدل، ومن تلك الأمور أولاً:
القسوة والوحشية التي أبداها جيش العدو في قصف المنازل وقتل الأبرياء، وصمود المقاومة وتماسكها واستبسالها وروحها المعنوية ثانياً، والدور الذي قام به الإعلام في وضع جرائم اليهود تحت سمع العالم وبصره ثالثاً؛ وأعتقد في هذا السياق أنه كان بالإمكان أن يكون حجم القتل والدمار في غزة أضعاف الحجم الحالي لولا فضل الله أولاً ولولا التغطية الإعلامية العظيمة والمباشرة والتي وفَّرتها الكثير من القنوات الفضائية.
2ـ السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي على الجماهير الإسلامية أن تقوم به حتى تجعل من هبّتها نحو غزة شرياناً طويلاً ممتداً وحياً وفاعلاً، تجدّده وتقويه الأجيال؟
أنا شخصياً أعتقد أن هناك ثلاثة محاور أساسية لاستقطاب جهود الأفراد العاديين من أبناء هذه الأمة، وهذه المحاور هي:
أ ـ المحور التطوعي و الخيري والإغاثي:
فالفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال والحصار والتهديد المستمر بالقتل والاعتقال، والجدار العنصري الذي أقامه الصهاينة، ومئات الحواجز التي وضعوها في الضفة الغربية قطّعت أوصال البلد، وجعلت الحياة في منتهى الصعوبة، وهذا كله يعني أنهم يعيشون حياة أقل من عادية، ولهذا فإنهم بحاجة إلى العون الدائم حتى يجعل الله ـ تعالى ـ لهم من أمرهم فَرَجاً ومخرجاً.
وهذا يتطلب في الحقيقة إنشاء عشرات ـ إن لم أقل مئات ـ المؤسسات الطوعية والخيرية في أنحاء العالم الإسلامي، وحيث وُجد مسلمون في أنحاء الأرض، وإذا كنا غير قادرين أن نتعلم من تاريخنا، فلنتعلم من أعدائنا كيف يخدمون قضاياهم، وفي هذا الإطار نجد أن في الولايات المتحدة الأميركية وحدها نحواً من واحد وثلاثين ألف منظمة خيرية تقدم الدعم لليهود في فلسطين، وهذا غير المنظمات الإسرائيلية التي لها فروع كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن كل شأن من شؤون إخواننا في فلسطين على مستوى الاقتصاد والتعليم والاجتماع والبنية التحتية والتنمية يحتاج إلى دعم من المسلمين، وإن ذلك الدعم يجب أن يكون مستمراً ومنظماً، وأقترح بهذا الشأن، بل أطالب بإنشاء وقف إسلامي عالمي باسم (الأقصى) على غرار الأوقاف التي كانت منتشرة في أنحاء العالم الإسلامي للحرمين الشريفين والأزهر في مصر، وينبغي أن تتولى إدارة ذلك الوقف هيئة إسلامية مستقلة وذات صبغة عالمية، وأعتقد أن بإمكاننا أن ننشئ وقفاً بقيمة عشرة مليارات دولار، ويكون ريعه سنوياً في حدود مليار دولار، وهذا كافٍ لإحداث نهضة جيدة في فلسطين إذا استخدم بتدبير وكفاءة عالية.
ب ـ المحور الإعلامي: وهذا المحور في نظري لا يقل أهمية عما سبق، وقد كان اليهود يقولون في يوم من الأيام: من يملك الذهب يملك العالم، والآن يقولون: من يملك الإعلام يملك العالم، وإن شواهد الأحوال تثبت صحة هذه المقولة. أنا هنا أدعو ملايين الشباب المسلم إلى أن يخصصوا جزءاً من وقتهم في الأسبوع للتعريف بحقوق الفلسطينيين في أرضهم، وللتعريف بالمجازر التي تعرضوا لها والمعاناة اليومية التي يجدونها، وكشف القناع الإنساني والديموقراطي والأخلاقي الذي تتقنّع به إسرائيل أمام العالم، والذي شهد هذه الأيام شيئاً من الثقوب، مما أثار سخط العالم في أنحاء المعمورة.
إن (الإنترنت) تشكل اليوم وسيلة شبه مجانية للشرح والتوضيح والفهم، وهي في الوقت نفسه الوسيلة الأكثر فعالية على مستوى العالم. إذا ملك شبابنا فضيلة الصبر والاهتمام بالقضية الفلسطينية، فإنهم سيقدمون لها الكثير والكثير، بل إنهم سوف يُفاجَؤُون بحجم ما قدموه.
ج ـ المحور الحقوقي والأخلاقي: فاليهود استطاعوا أن يقدموا أنفسهم للعالم على أنهم مضطهدون ومظلومون، وأنهم ضحية للتطهير العرقي، كما استطاعوا إقناع العالم بأنهم الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، ولهذا فإن على العالم أن يناصرها بوصفها الدولة النموذج لمحيطها...
وفي ظل هذا كله ترتكب كل جرائمها دون أن تنال أي عقوبة، وقد جاء دور الحقوقيين المسلمين ليرفعوا عليها دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية والأوروبية على عمليات الإبادة التي ارتكبتها في غزة، وقد بدأ ذلك، ونرجو أن يستمر... إن مجرد إقامة الدعوة القضائية ضد شخص أو دولة يتيح فرصة لتوقف الوعي العالمي عند شيء سيئ أو مشبوه، وهذا ما يجب أن نفعله ضد اليهود المعتدين.
3ـ إن ما ندعو إليه ليس مستحيلاً، إنه ممكن فعلاً، وإن مباشرتنا له سوف تفتح لنا آفاقاً جديدة لم نكن نراها، ومن المهم دائماً ألاّ ننظر إلى إمكاناتنا الناجزة، ولكن الإمكانات الهائلة التي تولّدها الإرادة الحرة والعمل الدؤوب.
المصدر: منقول