فاتّبعوني يحببكم الله
منذ 2003-10-27
قال الله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } [آل عمران:31].
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قدوتنا محمّد صلى الله
عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعد: الاتباع في الأصل: اقتفاء أثر الماشي
وفي الاصطلاح: أن يتبع المسلم ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد في التابعين مخير كما قال الإمام أحمد، وفي الحقيقة أن كل ما أمر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد ألزمنا الله باتباعه، ورتب على ذلك الأجر العظيم وفي مخالفته الوزر والخسارة في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم.. لتعلم أن صدق محبتك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم يكون باتباع الأمر واجتناب النهي.. وإلا فادعاء المحبة سهل جداً ولا يحتاج أكثر من حروف يطلقها الإنسان وكفى.. لكن المحبة الحقيقية هي: الاتباع والطاعة. قال الله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } [آل عمران:31].
قال أبو سليمان الدارني: لما ادعت القلوب محبة الله عزّ وجلّ أنزل الله هذه الآية محنة .
نعم أخي الحبيب.. دليل محبتك لله ورسوله أن تتبع ما جاء في الشرع المطهر حتى في الأمر الذي تكرهه نفسك.
لذلك أطلق على هذه الآية: آية المحبة.
قال ابن القيم: فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبة بحاصلة، وقال أيضاً: وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عزّ وجلّ إلا باتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم.
كلنا نعلم أن الفلاح والسعادة والنجاة في الدارين يكون باتباعه محمد صلى الله عليه وسلم لكن من الذي يقتفي آثاره ويطبق سنته صلى الله عليه وسلم في واقع حياته؟ فالأوامر والنواهي تطرق سمعنا ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، ولكن من يستجيب؟! هل نحن فعلاً ( ندور مع السنة حيث دارت) كما قال الأوزاعي أم نحن ممن يدور مع هواه حيث دار وحيث ثار!!
وأحذرك أخي الكريم من اتباع الهوى فهو طريق الضلال.
أخي الحبيب.. ألا تريد أن تكون ممن قال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم « كل أمتي يدخلون الجنة » ؟! أعلم أنك تريد.. وبصدق أيضاً، ولكن لنقرأ الحديث من أوله..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى !! قالوا يا رسول الله : ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى » [رواه البخاري] سهل جداً..
فالجنة لمن أطاع واتبع.. ويأبى الجنة من عصى وأدبر!!
فهل من الطاعة سماع الأمر بغض البصر.. ثم تطلق سهام بصرك فيما حرم الله؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بترك الغيبة... ثم تسلط لسانك على إخوانك المسلمين؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر ببر الوالدين... وأنت تتفنن وتبتكر طرقاًَ للعقوق؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بالدعوة إلى الله.. وأنت تبادر إلى التخذيل والإرجاف؟!
والكثير الكثير من الأوامر والنواهي التي تطرق أسماعنا...فما نصيبنا من الامتثال والطاعة والاتباع؟؟ اعرض نفسك أخي الحبيب على الحديث المتقدم، وانظر هل أنت ممن أطاع الرسول أو ممن عصاه؟
عندها ستكون أنت حكماً على نفسك.. { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } [الإسراء: 14].
قال ابن القيم: (كان عمر رضي الله عنه يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله انتهى) ونحن وللأسف نتسابق في معصية الله والرسول.. فكيف نريد أن نكون من أهل السنة ونحن لم نفعل شيئاً منها؟ كيف نريد الابتعاد عن أهل الضلال ونحن سائرون في ركبهم؟
قال ابن عباس في قوله تعالى: { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } [آل عمران:106]، فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولوا العلم، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة.
كان الجيل الفريد (جيل الصحابة الكرام) هم المثل الرائع في التطبيق العملي لشرائع الدين وكذلك كانوا نماذج صادقة في محبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم واتباعه، قال عمر بن الخطاب عندما قيل الحجر الأسود: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" [رواه البخاري].
كانت أوامر الله ورسوله تأتي مخالفة تماماً لما تهواه النفوس.. بل لما تعودا عليه فتكون الاستجابة سريعة فما إن تخرج حروف الأمر والنهي ثم تلامس أسماعهم حتى تكون أداة المحبة (الفعلية) قد برزت.. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذٍ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: "ألا إن الخمر قد حُرمت"، قال أنس: فقال لي أبو طلحة: أخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة. [رواه البخاري].
وفي رواية: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. [رواه البخاري].
لم يكن الأمر بحاجة إلى التوعية بأضرار المخدرات، وإصدار النشرات التحذيرية، أو المرور عبر مستشفيات القضاء على الإدمان، وإنما كل ما هنالك أن الخمر (قد حُرِّمت) وكفى!!
وما إن تستقر النفوس حقيقة { وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يُوحى } [النجم: 3، 4] حتى ترى السرعة في الاتباع والطاعة، عندها لا تكون الأحكام الشرعية عرضة للنقاش.. وفاكهة مجالس السمر بين مؤيد ومعارض.. ومنصف!!
فمن قائل: لماذا حرم الإسلام هذا؟ ولماذا ترك هذا؟! والأحق بالتحريم ذاك؟!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس في الصبح بقباء جاء رجل فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل الليلة عليه قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه الناس إلى الشام فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة. [رواه البخاري] وفي رواية: فمالوا وهم ركوع. [رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي].
أخي الكريم.. أختي الكريمة.. ما جاء الإسلام ليكون لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، ولم يكن الخطاب لهم وحدهم فقط، بل لمن بعدهم من الأمة، وأنتم من الأمة، جاء الإسلام ليهيمن على حياتنا ويصلحها ويوصلها بر النجاة.
هب أن هناك قافلة تريد السفر من مكان إلى آخر.. والمسافة بعيدة وشاقة وفي صحراء قاحلة..
ولا يعرف الطريق السليمة إلا رجل واحد!! ومن حاد عنه وتركه فنهايته الهلاك لا محالة.. فما ظنك بمن يتعمد مخالفة الدليل؟! أهو عاقل أم (...) ؟!!
فنحن في هذه الدنيا نوقن أن سعادتنا وفلاحنا ونجاتنا لا تكون إلا باتباع محمّد صلى الله عليه وسلم ومنهجه.. فلِمَ المخالفة؟!
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع
لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه سنان الأسدي فقال: ابسط يدك أبايعك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علام تبايعني"؟ فقال أبو سفيان: على ما في نفسك!! [تفسير ابن كثير]
إنها استجابة كاملة.. ويقين أن ما يأمر به هذا النبي هو الخير بمعناه (الواسع) في كل شأن من شؤون الحياة. لذلك كانت الاستجابة واسعة.. "على ما في نفسك".
ولم يكن أمر الاتباع والطاعة مقتصراً على الرجال، فالنساء كان لهن دور في طاعة الأمر واجتناب النهي، وأحكام الشريعة لا تختص بالرجال فقط فهي للرجال والنساء إلا ما خُصص منها.
عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « استأخرن فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق » قال الراوي: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. [رواه أبو داود]
ولو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
أختي الكريمة.. لا نريدك تلتصقين بالجدار..
ولكن نريد البعد عن فتنة الرجال في مواقعهم!! وعدم إظهار الزينة... وعدم التطيب عند الخروج للأسواق..
وعدم تقديم التنازلات في الحجاب أو بعضه!! ولكن هذا لا يتأتى إلا بصدق محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم ومتابعته..
نماذج فريدة في الاتباع والمحبة
ورد في قصة صلح الحديبية عن المسور بن مخرمة ومروان: .... ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه فقال: (والله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك.. وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إني ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً) [رواه البخاري].
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وفي رواية أخرى أنه ابن مسعود رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يخطب فسمعه وهو يقول: « اجلسوا » ، فجلس رضي الله عنه فكان خارجاً عن المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: « زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله » [أخرجه أبن عساكر كما في كنز العمال وهو في الإصابة].
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » قال: فكان زيد يروح إلى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ما تقام الصلاة إلا استاك قبل أن يصلي. [رواه الترمذي وأبو داود وأحمد].
عن نافع قال: لو نظرت إلى ابن عمر رضي الله عنه إذا اتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم لقلت: هذا مجنون!! [واه أبو نعيم في الحلية والحاكم].
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو تركنا هذا الباب للنساء » قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات!! [ابن سعد في الطبقات، سير أعلام النبلاء].
· عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله مُرني بعمل قال صلى الله عليه وسلم : « عليك بالصوم فإنه لا مثل له » قال الراوي: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يُلْقون إلا صياماً [رواه أحمد والطبراني والنسائي].
(قال الذهبي في السير 268/ 4): أبو عبد الرحمن السلمي، مُقريء الكوفة، الإمام العلم، قرأ القرآن وجوده ومَهَر فيه كان يُقرأ الناس القرآن الكريم في المسجد 40 سنة. عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » [رواه البخاري]. قال أبو عبد الرحمن السلمي: فذلك الذي أقعدني هذا المقعد.
نسأل الله تعالى أن نكون من أتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ومن محبي سنته قولاً وعملاً، وأن يرزقنا شفاعته، والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين؛؛؛
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: [email protected]
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
أما بعد: الاتباع في الأصل: اقتفاء أثر الماشي
وفي الاصطلاح: أن يتبع المسلم ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد في التابعين مخير كما قال الإمام أحمد، وفي الحقيقة أن كل ما أمر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد ألزمنا الله باتباعه، ورتب على ذلك الأجر العظيم وفي مخالفته الوزر والخسارة في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم.. لتعلم أن صدق محبتك لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم يكون باتباع الأمر واجتناب النهي.. وإلا فادعاء المحبة سهل جداً ولا يحتاج أكثر من حروف يطلقها الإنسان وكفى.. لكن المحبة الحقيقية هي: الاتباع والطاعة. قال الله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } [آل عمران:31].
قال أبو سليمان الدارني: لما ادعت القلوب محبة الله عزّ وجلّ أنزل الله هذه الآية محنة .
نعم أخي الحبيب.. دليل محبتك لله ورسوله أن تتبع ما جاء في الشرع المطهر حتى في الأمر الذي تكرهه نفسك.
لذلك أطلق على هذه الآية: آية المحبة.
قال ابن القيم: فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبة بحاصلة، وقال أيضاً: وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عزّ وجلّ إلا باتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم.
كلنا نعلم أن الفلاح والسعادة والنجاة في الدارين يكون باتباعه محمد صلى الله عليه وسلم لكن من الذي يقتفي آثاره ويطبق سنته صلى الله عليه وسلم في واقع حياته؟ فالأوامر والنواهي تطرق سمعنا ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، ولكن من يستجيب؟! هل نحن فعلاً ( ندور مع السنة حيث دارت) كما قال الأوزاعي أم نحن ممن يدور مع هواه حيث دار وحيث ثار!!
وأحذرك أخي الكريم من اتباع الهوى فهو طريق الضلال.
أخي الحبيب.. ألا تريد أن تكون ممن قال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم « كل أمتي يدخلون الجنة » ؟! أعلم أنك تريد.. وبصدق أيضاً، ولكن لنقرأ الحديث من أوله..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى !! قالوا يا رسول الله : ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى » [رواه البخاري] سهل جداً..
فالجنة لمن أطاع واتبع.. ويأبى الجنة من عصى وأدبر!!
فهل من الطاعة سماع الأمر بغض البصر.. ثم تطلق سهام بصرك فيما حرم الله؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بترك الغيبة... ثم تسلط لسانك على إخوانك المسلمين؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر ببر الوالدين... وأنت تتفنن وتبتكر طرقاًَ للعقوق؟!
وهل من الطاعة سماع الأمر بالدعوة إلى الله.. وأنت تبادر إلى التخذيل والإرجاف؟!
والكثير الكثير من الأوامر والنواهي التي تطرق أسماعنا...فما نصيبنا من الامتثال والطاعة والاتباع؟؟ اعرض نفسك أخي الحبيب على الحديث المتقدم، وانظر هل أنت ممن أطاع الرسول أو ممن عصاه؟
عندها ستكون أنت حكماً على نفسك.. { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } [الإسراء: 14].
قال ابن القيم: (كان عمر رضي الله عنه يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله انتهى) ونحن وللأسف نتسابق في معصية الله والرسول.. فكيف نريد أن نكون من أهل السنة ونحن لم نفعل شيئاً منها؟ كيف نريد الابتعاد عن أهل الضلال ونحن سائرون في ركبهم؟
قال ابن عباس في قوله تعالى: { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } [آل عمران:106]، فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولوا العلم، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة.
كان الجيل الفريد (جيل الصحابة الكرام) هم المثل الرائع في التطبيق العملي لشرائع الدين وكذلك كانوا نماذج صادقة في محبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم واتباعه، قال عمر بن الخطاب عندما قيل الحجر الأسود: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" [رواه البخاري].
كانت أوامر الله ورسوله تأتي مخالفة تماماً لما تهواه النفوس.. بل لما تعودا عليه فتكون الاستجابة سريعة فما إن تخرج حروف الأمر والنهي ثم تلامس أسماعهم حتى تكون أداة المحبة (الفعلية) قد برزت.. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذٍ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: "ألا إن الخمر قد حُرمت"، قال أنس: فقال لي أبو طلحة: أخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة. [رواه البخاري].
وفي رواية: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. [رواه البخاري].
لم يكن الأمر بحاجة إلى التوعية بأضرار المخدرات، وإصدار النشرات التحذيرية، أو المرور عبر مستشفيات القضاء على الإدمان، وإنما كل ما هنالك أن الخمر (قد حُرِّمت) وكفى!!
وما إن تستقر النفوس حقيقة { وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يُوحى } [النجم: 3، 4] حتى ترى السرعة في الاتباع والطاعة، عندها لا تكون الأحكام الشرعية عرضة للنقاش.. وفاكهة مجالس السمر بين مؤيد ومعارض.. ومنصف!!
فمن قائل: لماذا حرم الإسلام هذا؟ ولماذا ترك هذا؟! والأحق بالتحريم ذاك؟!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس في الصبح بقباء جاء رجل فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل الليلة عليه قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه الناس إلى الشام فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة. [رواه البخاري] وفي رواية: فمالوا وهم ركوع. [رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي].
أخي الكريم.. أختي الكريمة.. ما جاء الإسلام ليكون لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، ولم يكن الخطاب لهم وحدهم فقط، بل لمن بعدهم من الأمة، وأنتم من الأمة، جاء الإسلام ليهيمن على حياتنا ويصلحها ويوصلها بر النجاة.
هب أن هناك قافلة تريد السفر من مكان إلى آخر.. والمسافة بعيدة وشاقة وفي صحراء قاحلة..
ولا يعرف الطريق السليمة إلا رجل واحد!! ومن حاد عنه وتركه فنهايته الهلاك لا محالة.. فما ظنك بمن يتعمد مخالفة الدليل؟! أهو عاقل أم (...) ؟!!
فنحن في هذه الدنيا نوقن أن سعادتنا وفلاحنا ونجاتنا لا تكون إلا باتباع محمّد صلى الله عليه وسلم ومنهجه.. فلِمَ المخالفة؟!
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع
لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه سنان الأسدي فقال: ابسط يدك أبايعك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علام تبايعني"؟ فقال أبو سفيان: على ما في نفسك!! [تفسير ابن كثير]
إنها استجابة كاملة.. ويقين أن ما يأمر به هذا النبي هو الخير بمعناه (الواسع) في كل شأن من شؤون الحياة. لذلك كانت الاستجابة واسعة.. "على ما في نفسك".
ولم يكن أمر الاتباع والطاعة مقتصراً على الرجال، فالنساء كان لهن دور في طاعة الأمر واجتناب النهي، وأحكام الشريعة لا تختص بالرجال فقط فهي للرجال والنساء إلا ما خُصص منها.
عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « استأخرن فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق » قال الراوي: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. [رواه أبو داود]
ولو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
أختي الكريمة.. لا نريدك تلتصقين بالجدار..
ولكن نريد البعد عن فتنة الرجال في مواقعهم!! وعدم إظهار الزينة... وعدم التطيب عند الخروج للأسواق..
وعدم تقديم التنازلات في الحجاب أو بعضه!! ولكن هذا لا يتأتى إلا بصدق محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم ومتابعته..
نماذج فريدة في الاتباع والمحبة
ورد في قصة صلح الحديبية عن المسور بن مخرمة ومروان: .... ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه فقال: (والله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك.. وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إني ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً) [رواه البخاري].
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وفي رواية أخرى أنه ابن مسعود رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يخطب فسمعه وهو يقول: « اجلسوا » ، فجلس رضي الله عنه فكان خارجاً عن المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: « زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله » [أخرجه أبن عساكر كما في كنز العمال وهو في الإصابة].
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » قال: فكان زيد يروح إلى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ما تقام الصلاة إلا استاك قبل أن يصلي. [رواه الترمذي وأبو داود وأحمد].
عن نافع قال: لو نظرت إلى ابن عمر رضي الله عنه إذا اتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم لقلت: هذا مجنون!! [واه أبو نعيم في الحلية والحاكم].
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو تركنا هذا الباب للنساء » قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات!! [ابن سعد في الطبقات، سير أعلام النبلاء].
· عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله مُرني بعمل قال صلى الله عليه وسلم : « عليك بالصوم فإنه لا مثل له » قال الراوي: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يُلْقون إلا صياماً [رواه أحمد والطبراني والنسائي].
(قال الذهبي في السير 268/ 4): أبو عبد الرحمن السلمي، مُقريء الكوفة، الإمام العلم، قرأ القرآن وجوده ومَهَر فيه كان يُقرأ الناس القرآن الكريم في المسجد 40 سنة. عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » [رواه البخاري]. قال أبو عبد الرحمن السلمي: فذلك الذي أقعدني هذا المقعد.
نسأل الله تعالى أن نكون من أتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ومن محبي سنته قولاً وعملاً، وأن يرزقنا شفاعته، والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين؛؛؛
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: [email protected]
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
- التصنيف:
أمة الله
منذأمة الرحمن
منذ