البيت المسلم وقضية الدعوة
محمد حسين يعقوب
إن القضية لم تنته، ويوم يخرج آخر يهودي من أرضنا لعل مرحلة جديدة
حينها تبدأ. أما اليوم فمازلنا نراوح مكاننا؛ فلا تفتر، ولا تغفل، ولا
تنشغل، ولا تسكت، ولا تكف عن العمل...
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمدَ لله، أحمدُه تعالى وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهم بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوتي في الله...
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبكم في الله، وأسأل الله جل جلاله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. اللهم اجعل عملنا كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئًا.
أحبتي في الله...
إن الإنسان يحتاج دائمًا إلى أن يراجع دينه، وأن يحاسب نفسه، وأن يصلح أحواله، وأن يستعد لما بعد الموت. قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].
وتفعيلا لهذه المراجعة؛ نقول بعد الحماس الذي كان طاغيًا إبان أحداث غزة (وهو شيء جميل ومبشر ومطمْئن على الأمة):
وماذا بعد؟!
أين أنت اليوم؟
ماذا تصنع؟، فيمَ أنت مشغول؟
هل عدت إلى حياتك العادية، وانشغلت بهموم الدنيا والأمور الشخصية، وانتهت بالنسبة إليك القضية؟!
إن القضية لم تنته، ويوم يخرج آخر يهودي من أرضنا لعل مرحلة جديدة حينها تبدأ. أما اليوم فمازلنا نراوح مكاننا؛ فلا تفتر، ولا تغفل، ولا تنشغل، ولا تسكت، ولا تكف عن العمل.
من لي بمثلهن؟؟
إخوتي...
إذا استحضرنا تركيبة الستين الأوائل السابقين إلى الإسلام في فترة الدعوة السرية بمكة، سنجد أن ربع ذلك المجتمع كان من النساء, فقد كان من الستين ست عشرة امرأة. والملاحظ أن الشباب الذين سبقوا إلى الإسلام، أسلمت معهم زوجاتهم، وعاشت تلك الزوجات مع أزواجهن المرحلة السرية، ولم يُسمع عنهن أنهن أفشين سرًا عن الإسلام.
من لي -الآن- بمثل امرأة تثبّت زوجها في لحظات التحول كما فعلت خديجة رضي الله عنها؟ من لي بمثل فقيهة علمت الرجال كبنت الصديق رضي الله عنها وعنه؟
من لي بمثل من يعود إليها زوجها ملقيا في وجهها خبر تخليه عن أحلى بستان، فتقول متهللة: "ربح البيع أبا الدحداح"؟
من لي بمثل من كان مهرها إسلام زوجها كأم سليم؟ ...؟
من لي بمثلهن؟؟
يؤسفني الآن أن أقول بأن نساء الزمن الماضي انتهين، ولم يعد لهن أثر. إذ إنما هو جيل وانقضى. والدفعة الجديدة من النساء صار التعامل معهن في غاية الصعوبة، وأنا هنا لا أعمم، ولا أطلق الحكم بالمطلق، لكن أكثرهن والأعم الأغلب فيهن من فتيات هذه الأيام أصبحت أحوالهن صعبة جدًا، بل أحيانا لا تُطاق، وهن يحتجن إلى ترويض يبدأ من البيت.
لذلك دعونا نتحدث قليلا عن: البيت المسلم.. وقضية الدعوة
إخوتي...
كلما استرجعت صورة أطفال غزة الجرحى والقتلى -ممن تهدمت فوقهم البيوت، وأخرجوهم من تحت الأنقاض- أتألم وأحزن، بل إن كلمتي "أتألم وأحزن" أقل من أن تصفا ما يعتمل في دواخلي وما أشعر به الآن.
في هذه اللحظة بالذات أتخيل..
أتخيل إحساسي ومشاعري وأنا أحمل بنتي زينب وأخرجها بيدي من ركام البيت المهدم..
أتخيل إحساسي بابني الطفل موسى وأنا أخرجه من تحت الأنقاض..
أتخيل صورتي وأنا أحملهما معا وأركض بهما إلى المستشفى الفارغ الذي ربما حوى أطباء، لكنه لا يحتوي على إمكانيات ولا أدوية ولا.. ولا..!!
ما هو إحساسك لو تصورت أولادك في هذا المشهد؟
إنني أريد أن أقول للمسلمين في كل أرض الله؛ إننا معرضون لمثل هذا الموقف! فاليهود (عليهم لعنة الله) أهل غدر ونذالة وخسة وجبن وفجور.. ليس لأنني أقول ذلك، بل لأن الله جل جلاله قال: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 10].
كيف نستدفع البلاء؟
الوضع المتخيَّل ليس مستبعدًا أن يحصل لنا واقعيًا.. وارد أن يبكي أطفالك غدًا في مثل ذاك الموقف، فإذا ثبت هذا التصور عندك، وجب نقل الأسرة إلى مجال الصراع بأن يأخذ البيت موقعه في نصرة الدين؛ ولابد أن تدخل الغرائز والمشاعر في طاقة التحرك، وإليهما تنضم الزوجة كدافع للعمل، وبكل ما سبق تتحول الذرية إلى وقود حيّ محرّك للطاقة الإيمانية؛ أي إن مشاعري حيال أطفالي وغريزة الأبوة نفسها تبدأ بالتحرك بالعداء لهؤلاء المجرمين وبالإحساس بالخطر طالما أنهم موجودون، فأنت تشعر بالخطر مادام اليهود موجودين على سطح الأرض، فتحتاط لنفسك ولزوجاتك ولأولادك..
والأهم مما ذُكر، أنك إذا أحسست بعنف هذا الخطر، فسوف تحتاج أن تستدفع البلاء قبل وقوعه، فلا يكون كل فكرنا فقط في الجهاد وقتل اليهود، وإن كان هذا واردًا، لكن جهدنا ينبغي أن ينحو نحو طلب دفع الله هذا البلاءَ عنّا بما يشاء، فلا تتمنَّ لقاء العدو، وإذا لقيته فاثبت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45].
وإذا سألتني: "كيف نستدفع البلاء؟"، قلت: "الله وحده هو القادر جل جلاله".
{وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ}...
أريد أن يحصل الانطلاق الحقيقي من الأسرة لنتخلص من الاحتياج المعشي إلى الواجب الشرعي. وسأشرح الفكرة، لكن ادفع.. صلّ على رسولنا الكريم.
(اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين)
نحن بحاجة إلى التجرد والإخلاص لله في حياتنا. قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {الأنعام: 162].
أخي.. أنا أحبك في الله...
تعال معي لنستعرض صورة حياتك اليوم:
في الصورة: من الصباح إلى قرب العصر عمل ووظيفة..
في الصورة: زوجة وأولاد في الشقة..
في الصورة: أم وأب في مكان آخر..
في الصورة: إخوة وأخوات وعمات وخالات..
في الصورة: جيران..
في الصورة: مشاكل صحية ومادية..
في الصورة: هموم وعداوات..
أريد كل شخص منكم أن يتصور صورة حياته، وبعدها فليجبني عن سؤال واضح محدد وصريح: تلك صورة حياتك؛ فهل كلها لله؟
هذا السؤال لكل واحد منّا، والجميع مطالب بأن يبين إن كانت هذه الصورة المرسومة للبيت، ومع الزوجة، والأولاد، والزملاء، والمديرين، والأبوين، والعلاقات، والهواتف، والأجهزة، والأقساط.. لله أم لا!!
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
{وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ} هذا أمر من الله تعالى. وكي نستطيع جعل الحياة لله لابد أن نتخلص من كونها للاحتياج المعيشي، فنخرج من كون الغاية من العمل هي تحصيل المال، ومن كون الحاجة إلى الزوجة هي الشهوة والأولاد وكي لا يقال إن فلانا لا ينجب، ومن كون الحاجة للأب والأم هي الخوف من اليتم.. نريد أن نتخلص من الكينونة الحاجية للحياة إلى تجريدها لله.
ينبغي أن نعيش لله؛ فيكون العمل لله، والدراسة لله، والأكل والشرب لله، والنوم لله، والزواج لله، والإنجاب لله، وبر الوالدين لله، وإصلاح المجتمع لله، نحن بحاجة إلى التجرد، وذلك بأن نعيش الواجب الشرعي.
يقول فقهاؤنا عن الواجب الشرعي؛ لو أنك تصلي ركعتين في جوف الله وأمك من الغرفة تنادي: "يا فلان" ينبغي أن تخرج من الصلاة وتجيبها، فإن لم تفعل تأثم وأنت تصلي (والأمر هنا يخص كل صلاة غير مفروضة).
هذا ما يُسمى (واجب الوقت). فمن الممكن أن تكون أمك مريضة، وتحتاج شربة ماء، ومن الممكن أن تخرج روحها في هذه اللحظة وتبوء بإثمها، فلابد أن تخرج من صلاة السنة. هذا هو الواجب الشرعي؛ وعندما أعيش الواجب الشرعي، هنا يكون التجرد.
كيف السبيل إلى هداية القلب؟؟
أخي...
إن صلاح القلب يحتاج إلى هداية خاصة بعد الهداية العامة (اللهم أصلح قلوبنا يا رب):
- الهداية العامة: أن تهدَى إلى الإسلام.. إلى الإيمان.. إلى الالتزام.. وإلى ترك المعاصي والذنوب.
- الهداية الخاصة: هي هداية القلب، وهي إلى عناية خاصة تحتاج.
كيف ذلك؟
الأمر يحتاج منك صدق التوجه إلى الله جل جلاله، والاستعانة به، وسؤاله أن يهدي قلبك لتكون من المخلصين.. لتكون من المتقين.. لتكون من المخبتين.. لتكون من الصادقين..
هذه المعاني هي معانٍ قلبية تحتاج إلى هدايات قلبية خاصة، ولا يأتي ذلك إلا بالتوجه إلى الله تعالى.
حدود فاصلة..
كم أود.. -وكثر ما أود فعله- أن أكتب كتابا يحمل اسم "حدود فاصلة". وقد كان الدافع للتفكير في هذا الكتاب قول الله عز وجل: {وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]. في هذه اللحظة قلت: ما هو الحد الفاصل بين الحزن المباح على فقد الولد والضجر والسخط وعدم الرضا؟
فسيدنا يعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من الحزن، وبالطبع هو نبي ولا يذنب، فبياض عينيه أو ذهاب بصره من شدة الحزن لا يُنافي الصبر والرضا.
الشاهد؛ أننا نريد اليوم داخل الأسرة أن تنشأ حدود فاصلة واضحة تماماً، ويُحسم الخطأ والصواب بمقياس الشرع في كل تفاصيل حياتنا..
نريد حدودا فاصلة بين التنعم المباح والترف المحرم.
فلنرسم حدودا ين زينة الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، وبين الترف المحظور والمذموم: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].
نريد حدودا فاصلة بين السكن إلى الزوجة وبين الركون إليها والتعلق بها وعبادتها.
أنت تحب زوجتك، ولا مشكل في ذلك.. ولكن احذر الانشغال بها عن الواجب الشرعي أو إقرار مخالفتها للشرع رعايةً لمشاعرها ورغباتها.
نريد حدودا فاصلة بين السعي المشروع لكسب الرزق من حلال وبين الانشغال الملهي بالدنيا وطلب التكاثر والعلو في الأرض.
لابد أن يكون هناك حد فاصل بين كسب الرزق والسعي للحلال وكفاية الأهل ورعاية الفقراء.. وبين حب الاستكثار من الدنيا، وحب الغنى والعلو في الأرض، وحب المال، والتلهي بالدنيا والانشغال بها عن الآخرة.
نريد حدودا فاصلة بين الحب الفطري للأولاد والعناية الشرعية بالذرية، وبين الفتنة بهم والانشغال القلبي بتدبير معايشهم وبذل الجهد المفرط في إرضائهم.
نريد حدودا فاصلة بين الحياة لله كما يحب ويرضى، وبين أن تتحول العبادات في البيوت إلى هواية من الهوايات لا تتعدى الميول الشخصية.
إنك قد تجد شخصا يحب القرآن، وآخر يحب الإنشاد، وثالثا يحب الصلاة، ورابعا يحب حضور الدروس في المساجد.. وتجد البعض يحب الشيخ "فلان" والبعض الآخر يحب الشيخ "علان".. وتكتشف بعد التمحيص أن تلك العبادات صارت هوايات وميولات شخصية، ولم تعد واجبات شرعية يُنكبّ عليها وفق مقتضى الشرع .
أنا لم أقل إن هذه النماذج التي ذكرتها سيئة، لكن ينبغي أن تكون بداية يُمحّص خلالها الإخلاص (الإخلاص للدين والإخلاص للشرع).
خط الدفاع الأول.. وتحديات الثبات في زمن المتغيرات
إخوتي...
إن الأسرة في البيت المسلم اليوم تقف بالتزامها على خط الدفاع الأول عن الإسلام، وإن موقع الأسرة الملتزمة من دين الله يمثل نقطة الارتكاز في دائرة الامتداد.
الأسرة المسلمة اليوم تتعرض للخطر بل إلى محاولة المحو كما حدث في غزة.
إن قتل اليهود للأطفال متعمد. ألم يقل فرعون قبلهم: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127]؟!، فلتتفطن إلى كون أكثر القتلى هذه المرة من النساء والأطفال العزل الذين لا يُقاتلون!
الأسرة المسلمة اليوم هي نقطة الارتكاز لدائرة الامتداد الإسلامي؛ لذلك أقول إن نسيج ثيابها الشرعي هو نسيج الراية الإسلامية في الصراع بين الحق والباطل. فالاستهانة بالنقاب خطر، والاستهانة بالقميص خطر.
النقاب اليوم راية، والقميص كذلك، فلا تُسقِط الراية فتقعد ملوما محسورا.
لابد أن تتمحور دعوتنا حول هذه المعاني.. لابد أن نعطي المرأة حقها من الاهتمام في مسيرة الدعوة، فتكون بجانب الرجل أختاً وزوجاً وأما وبنتا.
إننا نريد أمثال فاطمة بنت الخطاب؛ يضربها عمر، فيُسلم عمر.
نعم؛ هذه هي المرأة التي نريد.
وإذا قلنا إن كثيراً من الشباب السابقين للإسلام قد أسلمت معهم زوجاتهم، فهذا دليل على أن الزوجة التي أنصحك بها وألزمك أن تبحث عنها هي الطيبة الموافقة اللينة، وإن كان خلق اللين اليوم قد ضاع من كثير. والرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: «المؤمنون هيّنون لينون» [قال الألباني حسن لغيره].
وإذا ذكرت فاطمة بنت الخطاب، فلا يفوتني أن أذكر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها؛ فقد كانت في بداية الدعوة السرية طفلة في حدود ثمان إلى تسع سنوات، وكانت بطلة!
اليوم بناتنا في عمر تسع سنوات؛ ماذا يفعلن؟!، ما دورهن في نصرة الدين وخدمته؟!، إنهن يجلسن للعب أمام شاشة الحاسب الآلي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إخوتي في الله...
إننا بحاجة إلى إقامة الأسرة.. فالأسرة المسلمة اليوم هي على خط الدفاع الأول على قمة التحديات. وما يحاك ضد الأسرة المسلمة من قبيل ما يُسمى بحقوق المرأة.. ومؤتمرات السكان.. ومحاولات التغريب.. والمساواة.. كل هذه خطط لتدمير الأسرة المسلمة، وبمنتهى الصراحة والوضوح نقول إننا إذا أردنا البيت المسلم حقا، فالذي ينبغي أن يحكم هذا البيت هو الله.
← قال جل جلاله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
- قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]. قال ابن عباس: "أي أدبوهم وعلموهم".
- قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].
هكذا؛ ينبغي أن يحكم البيتَ المسلم دين وشرع، ولا يصح أن نقول: "ننتظر أن تقتنع البنت"!، إذ هي حينما تسمع: "قال الله" ينبغي أن تقول:"على العين والرأس، سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير".
من لشباب المسلمين؟؟
يحصل في كثير من الأحيان أن يأتيني بعض الشباب حديثي العهد بالالتزام، ويقولون: "نحن التزمنا يا شيخ؛ فماذا علينا بعد؟" والشيخ لا حول له ولا قوة.إذ ماذا يستطيع الواحد منا أن يفعل؟؟
يا ليت الشيوخ يستطيعون التفرغ للشباب، فيتكفل كل منهم بعشرة أو عشرين شابا أو أقل أو أكثر لتربيتهم بشكل صحيح بدءًا من ألف باء الالتزام.
ولعلك إن طالعت السيرة النبوية ستكتشف كيف ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في البداية على العقيدة وما يتعلق بها من توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.. كما ركز على وصف الجنة والنار لتقوية جناحي الرجاء والخوف، وحث على الزهد في الدنيا، وأمر بالولاء للدين ...
هذه المعاني، الكثير من شبابنا لم يسمعوها قبل الآن، ولا يعرفون عنها شيئا، ولا تعلّموها. لذلك؛ أنا شخصيا أعذر الشباب لأنهم لم يحظوا بحقهم في التربية الإيمانية الراسخة.
في مرحلة الدعوة السرية، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجالس كل صحابي لوحده، ويهدم جاهليته. وأنا أتمزق ألما حين يقول لي أي شباب: "وددت أن أحادثك قليلا يا شيخنا" وأرد قائلا: "وأنا أيضا أرجو ذلك؛ لكن.. من أين لي بوقت يسمح بإرضاء كل قاصديّ؟"
وليس هذا الكلام متعلقا بي فحسب، بل هو يخص حال كل شيوخك الذي تحبهم، وترجو لقاءهم والنهل منهم. لكن؛ كما أننا نعذرك، فلتلتمس بدورك للدعاة عذرا.
وفي كل الأحوال؛ لابد من إيجاد طائفة من المربين والمعلمين الذين عليهم واجب تربية شباب الأمة وطرد شبح الجهل عنهم، وهذا إلى جانب تفعيل دور الأسرة هو المخرج والعلاج بتوفيق الله.
لا تحترف صنع المشاكل...
لي كتاب اسمه "إلى الهدى ائتنا" أنصح فيه كل حديث عهد بالتزام أن يتجنب المشاكل والجدل ولو كان صاحب دليل.
فمن أعفى لحيته مثلا؛ ليس عليه أن يجادل أقاربه وكل الناس في حكم إعفاء اللحية (رغم أن إعفاءها واجب). بل عليه بدلا من ذلك أن يفاخر -مثلا- بأثر اللحية في كفه عن النظر إلى النسوة في الشوارع، وعن الوقوف أمام شباك التذاكر لولوج السينما، وعن التدخين ووو..
ومن ارتدت النقاب ليس عليها لزاما توضيح حكمه لمحيطها (والنقابُ فرض)، بل عليها أن تتجنب الخوض في الحكم الشرعي، في مقابل تركيزها على إظهار الراحة النفسية التي تستشعرها وهي في خلوة مع الله حيثما حلت، فتقول مثلا: "هل تعلمون؟ منذ لبست النقاب وأنا أحس بهدوء نفسي عجيب.." وما شاكل ذلك من معانٍ.
المطلوب إذن من ذوي الالتزام الحديث أن يتكلموا عن المعاني الإيمانية دون مجادلة ودون إثارة مشاكل.
إن المتأمل في تسلسل دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومراحلها، سيتفطن إلى وجه من أوجه حكمة الإسرار بالدعوة في مكة، فقد بدأ الإسلام غريبا ضعيفا، وكان من المجانب للصواب إشهاره ولمّا تترسخ عقائد المسلمين ولم يتقووا. ومن أوجه الحكمة في الإسرار كذلك تجنب الفتن، وبه ننصح شبابنا.
وبما أن الناس ليسوا في مستوى واحد من القدرة على تحمل الفتن والابتلاءات أتى الإسلام في البداية بفكرة الاستخفاء ليتيح للضعفاء الهدوء النفسي والأمان القلبي ولو إلى حين، فلتستفد من السيرة النبوية إذن، وتجنب المشاكل.
وماذا بعد؟؟
إخوتي...
فليتحمل كلٌّ مسؤوليته في إدارة البيت كي يسير وفق مراد الله منه، ولا يفكّرنّ أحدكم في ألا جدوى من صلاح أمة بصلاح مجرد أسرة صغيرة، إذ لو أحجمت قطرات السما ء عن النزول (والأمر بيد الله وحده) وفكّرن في عدم جدواهن فرادى ما نزلن.
فاتقوا الله فيمن تعولون، وقوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها النار والحجارة، وتذكروا أن مسيرة الخيرية تبدأ بأسرة.
أحبكم في الله
أستودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمدَ لله، أحمدُه تعالى وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهم بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوتي في الله...
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبكم في الله، وأسأل الله جل جلاله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. اللهم اجعل عملنا كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئًا.
أحبتي في الله...
إن الإنسان يحتاج دائمًا إلى أن يراجع دينه، وأن يحاسب نفسه، وأن يصلح أحواله، وأن يستعد لما بعد الموت. قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].
وتفعيلا لهذه المراجعة؛ نقول بعد الحماس الذي كان طاغيًا إبان أحداث غزة (وهو شيء جميل ومبشر ومطمْئن على الأمة):
وماذا بعد؟!
أين أنت اليوم؟
ماذا تصنع؟، فيمَ أنت مشغول؟
هل عدت إلى حياتك العادية، وانشغلت بهموم الدنيا والأمور الشخصية، وانتهت بالنسبة إليك القضية؟!
إن القضية لم تنته، ويوم يخرج آخر يهودي من أرضنا لعل مرحلة جديدة حينها تبدأ. أما اليوم فمازلنا نراوح مكاننا؛ فلا تفتر، ولا تغفل، ولا تنشغل، ولا تسكت، ولا تكف عن العمل.
من لي بمثلهن؟؟
إخوتي...
إذا استحضرنا تركيبة الستين الأوائل السابقين إلى الإسلام في فترة الدعوة السرية بمكة، سنجد أن ربع ذلك المجتمع كان من النساء, فقد كان من الستين ست عشرة امرأة. والملاحظ أن الشباب الذين سبقوا إلى الإسلام، أسلمت معهم زوجاتهم، وعاشت تلك الزوجات مع أزواجهن المرحلة السرية، ولم يُسمع عنهن أنهن أفشين سرًا عن الإسلام.
من لي -الآن- بمثل امرأة تثبّت زوجها في لحظات التحول كما فعلت خديجة رضي الله عنها؟ من لي بمثل فقيهة علمت الرجال كبنت الصديق رضي الله عنها وعنه؟
من لي بمثل من يعود إليها زوجها ملقيا في وجهها خبر تخليه عن أحلى بستان، فتقول متهللة: "ربح البيع أبا الدحداح"؟
من لي بمثل من كان مهرها إسلام زوجها كأم سليم؟ ...؟
من لي بمثلهن؟؟
يؤسفني الآن أن أقول بأن نساء الزمن الماضي انتهين، ولم يعد لهن أثر. إذ إنما هو جيل وانقضى. والدفعة الجديدة من النساء صار التعامل معهن في غاية الصعوبة، وأنا هنا لا أعمم، ولا أطلق الحكم بالمطلق، لكن أكثرهن والأعم الأغلب فيهن من فتيات هذه الأيام أصبحت أحوالهن صعبة جدًا، بل أحيانا لا تُطاق، وهن يحتجن إلى ترويض يبدأ من البيت.
لذلك دعونا نتحدث قليلا عن: البيت المسلم.. وقضية الدعوة
إخوتي...
كلما استرجعت صورة أطفال غزة الجرحى والقتلى -ممن تهدمت فوقهم البيوت، وأخرجوهم من تحت الأنقاض- أتألم وأحزن، بل إن كلمتي "أتألم وأحزن" أقل من أن تصفا ما يعتمل في دواخلي وما أشعر به الآن.
في هذه اللحظة بالذات أتخيل..
أتخيل إحساسي ومشاعري وأنا أحمل بنتي زينب وأخرجها بيدي من ركام البيت المهدم..
أتخيل إحساسي بابني الطفل موسى وأنا أخرجه من تحت الأنقاض..
أتخيل صورتي وأنا أحملهما معا وأركض بهما إلى المستشفى الفارغ الذي ربما حوى أطباء، لكنه لا يحتوي على إمكانيات ولا أدوية ولا.. ولا..!!
ما هو إحساسك لو تصورت أولادك في هذا المشهد؟
إنني أريد أن أقول للمسلمين في كل أرض الله؛ إننا معرضون لمثل هذا الموقف! فاليهود (عليهم لعنة الله) أهل غدر ونذالة وخسة وجبن وفجور.. ليس لأنني أقول ذلك، بل لأن الله جل جلاله قال: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 10].
كيف نستدفع البلاء؟
الوضع المتخيَّل ليس مستبعدًا أن يحصل لنا واقعيًا.. وارد أن يبكي أطفالك غدًا في مثل ذاك الموقف، فإذا ثبت هذا التصور عندك، وجب نقل الأسرة إلى مجال الصراع بأن يأخذ البيت موقعه في نصرة الدين؛ ولابد أن تدخل الغرائز والمشاعر في طاقة التحرك، وإليهما تنضم الزوجة كدافع للعمل، وبكل ما سبق تتحول الذرية إلى وقود حيّ محرّك للطاقة الإيمانية؛ أي إن مشاعري حيال أطفالي وغريزة الأبوة نفسها تبدأ بالتحرك بالعداء لهؤلاء المجرمين وبالإحساس بالخطر طالما أنهم موجودون، فأنت تشعر بالخطر مادام اليهود موجودين على سطح الأرض، فتحتاط لنفسك ولزوجاتك ولأولادك..
والأهم مما ذُكر، أنك إذا أحسست بعنف هذا الخطر، فسوف تحتاج أن تستدفع البلاء قبل وقوعه، فلا يكون كل فكرنا فقط في الجهاد وقتل اليهود، وإن كان هذا واردًا، لكن جهدنا ينبغي أن ينحو نحو طلب دفع الله هذا البلاءَ عنّا بما يشاء، فلا تتمنَّ لقاء العدو، وإذا لقيته فاثبت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45].
وإذا سألتني: "كيف نستدفع البلاء؟"، قلت: "الله وحده هو القادر جل جلاله".
{وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ}...
أريد أن يحصل الانطلاق الحقيقي من الأسرة لنتخلص من الاحتياج المعشي إلى الواجب الشرعي. وسأشرح الفكرة، لكن ادفع.. صلّ على رسولنا الكريم.
(اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين)
نحن بحاجة إلى التجرد والإخلاص لله في حياتنا. قال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {الأنعام: 162].
أخي.. أنا أحبك في الله...
تعال معي لنستعرض صورة حياتك اليوم:
في الصورة: من الصباح إلى قرب العصر عمل ووظيفة..
في الصورة: زوجة وأولاد في الشقة..
في الصورة: أم وأب في مكان آخر..
في الصورة: إخوة وأخوات وعمات وخالات..
في الصورة: جيران..
في الصورة: مشاكل صحية ومادية..
في الصورة: هموم وعداوات..
أريد كل شخص منكم أن يتصور صورة حياته، وبعدها فليجبني عن سؤال واضح محدد وصريح: تلك صورة حياتك؛ فهل كلها لله؟
هذا السؤال لكل واحد منّا، والجميع مطالب بأن يبين إن كانت هذه الصورة المرسومة للبيت، ومع الزوجة، والأولاد، والزملاء، والمديرين، والأبوين، والعلاقات، والهواتف، والأجهزة، والأقساط.. لله أم لا!!
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
{وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ} هذا أمر من الله تعالى. وكي نستطيع جعل الحياة لله لابد أن نتخلص من كونها للاحتياج المعيشي، فنخرج من كون الغاية من العمل هي تحصيل المال، ومن كون الحاجة إلى الزوجة هي الشهوة والأولاد وكي لا يقال إن فلانا لا ينجب، ومن كون الحاجة للأب والأم هي الخوف من اليتم.. نريد أن نتخلص من الكينونة الحاجية للحياة إلى تجريدها لله.
ينبغي أن نعيش لله؛ فيكون العمل لله، والدراسة لله، والأكل والشرب لله، والنوم لله، والزواج لله، والإنجاب لله، وبر الوالدين لله، وإصلاح المجتمع لله، نحن بحاجة إلى التجرد، وذلك بأن نعيش الواجب الشرعي.
يقول فقهاؤنا عن الواجب الشرعي؛ لو أنك تصلي ركعتين في جوف الله وأمك من الغرفة تنادي: "يا فلان" ينبغي أن تخرج من الصلاة وتجيبها، فإن لم تفعل تأثم وأنت تصلي (والأمر هنا يخص كل صلاة غير مفروضة).
هذا ما يُسمى (واجب الوقت). فمن الممكن أن تكون أمك مريضة، وتحتاج شربة ماء، ومن الممكن أن تخرج روحها في هذه اللحظة وتبوء بإثمها، فلابد أن تخرج من صلاة السنة. هذا هو الواجب الشرعي؛ وعندما أعيش الواجب الشرعي، هنا يكون التجرد.
كيف السبيل إلى هداية القلب؟؟
أخي...
إن صلاح القلب يحتاج إلى هداية خاصة بعد الهداية العامة (اللهم أصلح قلوبنا يا رب):
- الهداية العامة: أن تهدَى إلى الإسلام.. إلى الإيمان.. إلى الالتزام.. وإلى ترك المعاصي والذنوب.
- الهداية الخاصة: هي هداية القلب، وهي إلى عناية خاصة تحتاج.
كيف ذلك؟
الأمر يحتاج منك صدق التوجه إلى الله جل جلاله، والاستعانة به، وسؤاله أن يهدي قلبك لتكون من المخلصين.. لتكون من المتقين.. لتكون من المخبتين.. لتكون من الصادقين..
هذه المعاني هي معانٍ قلبية تحتاج إلى هدايات قلبية خاصة، ولا يأتي ذلك إلا بالتوجه إلى الله تعالى.
حدود فاصلة..
كم أود.. -وكثر ما أود فعله- أن أكتب كتابا يحمل اسم "حدود فاصلة". وقد كان الدافع للتفكير في هذا الكتاب قول الله عز وجل: {وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]. في هذه اللحظة قلت: ما هو الحد الفاصل بين الحزن المباح على فقد الولد والضجر والسخط وعدم الرضا؟
فسيدنا يعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من الحزن، وبالطبع هو نبي ولا يذنب، فبياض عينيه أو ذهاب بصره من شدة الحزن لا يُنافي الصبر والرضا.
الشاهد؛ أننا نريد اليوم داخل الأسرة أن تنشأ حدود فاصلة واضحة تماماً، ويُحسم الخطأ والصواب بمقياس الشرع في كل تفاصيل حياتنا..
نريد حدودا فاصلة بين التنعم المباح والترف المحرم.
فلنرسم حدودا ين زينة الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، وبين الترف المحظور والمذموم: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].
نريد حدودا فاصلة بين السكن إلى الزوجة وبين الركون إليها والتعلق بها وعبادتها.
أنت تحب زوجتك، ولا مشكل في ذلك.. ولكن احذر الانشغال بها عن الواجب الشرعي أو إقرار مخالفتها للشرع رعايةً لمشاعرها ورغباتها.
نريد حدودا فاصلة بين السعي المشروع لكسب الرزق من حلال وبين الانشغال الملهي بالدنيا وطلب التكاثر والعلو في الأرض.
لابد أن يكون هناك حد فاصل بين كسب الرزق والسعي للحلال وكفاية الأهل ورعاية الفقراء.. وبين حب الاستكثار من الدنيا، وحب الغنى والعلو في الأرض، وحب المال، والتلهي بالدنيا والانشغال بها عن الآخرة.
نريد حدودا فاصلة بين الحب الفطري للأولاد والعناية الشرعية بالذرية، وبين الفتنة بهم والانشغال القلبي بتدبير معايشهم وبذل الجهد المفرط في إرضائهم.
نريد حدودا فاصلة بين الحياة لله كما يحب ويرضى، وبين أن تتحول العبادات في البيوت إلى هواية من الهوايات لا تتعدى الميول الشخصية.
إنك قد تجد شخصا يحب القرآن، وآخر يحب الإنشاد، وثالثا يحب الصلاة، ورابعا يحب حضور الدروس في المساجد.. وتجد البعض يحب الشيخ "فلان" والبعض الآخر يحب الشيخ "علان".. وتكتشف بعد التمحيص أن تلك العبادات صارت هوايات وميولات شخصية، ولم تعد واجبات شرعية يُنكبّ عليها وفق مقتضى الشرع .
أنا لم أقل إن هذه النماذج التي ذكرتها سيئة، لكن ينبغي أن تكون بداية يُمحّص خلالها الإخلاص (الإخلاص للدين والإخلاص للشرع).
خط الدفاع الأول.. وتحديات الثبات في زمن المتغيرات
إخوتي...
إن الأسرة في البيت المسلم اليوم تقف بالتزامها على خط الدفاع الأول عن الإسلام، وإن موقع الأسرة الملتزمة من دين الله يمثل نقطة الارتكاز في دائرة الامتداد.
الأسرة المسلمة اليوم تتعرض للخطر بل إلى محاولة المحو كما حدث في غزة.
إن قتل اليهود للأطفال متعمد. ألم يقل فرعون قبلهم: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127]؟!، فلتتفطن إلى كون أكثر القتلى هذه المرة من النساء والأطفال العزل الذين لا يُقاتلون!
الأسرة المسلمة اليوم هي نقطة الارتكاز لدائرة الامتداد الإسلامي؛ لذلك أقول إن نسيج ثيابها الشرعي هو نسيج الراية الإسلامية في الصراع بين الحق والباطل. فالاستهانة بالنقاب خطر، والاستهانة بالقميص خطر.
النقاب اليوم راية، والقميص كذلك، فلا تُسقِط الراية فتقعد ملوما محسورا.
لابد أن تتمحور دعوتنا حول هذه المعاني.. لابد أن نعطي المرأة حقها من الاهتمام في مسيرة الدعوة، فتكون بجانب الرجل أختاً وزوجاً وأما وبنتا.
إننا نريد أمثال فاطمة بنت الخطاب؛ يضربها عمر، فيُسلم عمر.
نعم؛ هذه هي المرأة التي نريد.
وإذا قلنا إن كثيراً من الشباب السابقين للإسلام قد أسلمت معهم زوجاتهم، فهذا دليل على أن الزوجة التي أنصحك بها وألزمك أن تبحث عنها هي الطيبة الموافقة اللينة، وإن كان خلق اللين اليوم قد ضاع من كثير. والرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: «المؤمنون هيّنون لينون» [قال الألباني حسن لغيره].
وإذا ذكرت فاطمة بنت الخطاب، فلا يفوتني أن أذكر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها؛ فقد كانت في بداية الدعوة السرية طفلة في حدود ثمان إلى تسع سنوات، وكانت بطلة!
اليوم بناتنا في عمر تسع سنوات؛ ماذا يفعلن؟!، ما دورهن في نصرة الدين وخدمته؟!، إنهن يجلسن للعب أمام شاشة الحاسب الآلي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إخوتي في الله...
إننا بحاجة إلى إقامة الأسرة.. فالأسرة المسلمة اليوم هي على خط الدفاع الأول على قمة التحديات. وما يحاك ضد الأسرة المسلمة من قبيل ما يُسمى بحقوق المرأة.. ومؤتمرات السكان.. ومحاولات التغريب.. والمساواة.. كل هذه خطط لتدمير الأسرة المسلمة، وبمنتهى الصراحة والوضوح نقول إننا إذا أردنا البيت المسلم حقا، فالذي ينبغي أن يحكم هذا البيت هو الله.
← قال جل جلاله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
- قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]. قال ابن عباس: "أي أدبوهم وعلموهم".
- قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].
هكذا؛ ينبغي أن يحكم البيتَ المسلم دين وشرع، ولا يصح أن نقول: "ننتظر أن تقتنع البنت"!، إذ هي حينما تسمع: "قال الله" ينبغي أن تقول:"على العين والرأس، سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير".
من لشباب المسلمين؟؟
يحصل في كثير من الأحيان أن يأتيني بعض الشباب حديثي العهد بالالتزام، ويقولون: "نحن التزمنا يا شيخ؛ فماذا علينا بعد؟" والشيخ لا حول له ولا قوة.إذ ماذا يستطيع الواحد منا أن يفعل؟؟
يا ليت الشيوخ يستطيعون التفرغ للشباب، فيتكفل كل منهم بعشرة أو عشرين شابا أو أقل أو أكثر لتربيتهم بشكل صحيح بدءًا من ألف باء الالتزام.
ولعلك إن طالعت السيرة النبوية ستكتشف كيف ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في البداية على العقيدة وما يتعلق بها من توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.. كما ركز على وصف الجنة والنار لتقوية جناحي الرجاء والخوف، وحث على الزهد في الدنيا، وأمر بالولاء للدين ...
هذه المعاني، الكثير من شبابنا لم يسمعوها قبل الآن، ولا يعرفون عنها شيئا، ولا تعلّموها. لذلك؛ أنا شخصيا أعذر الشباب لأنهم لم يحظوا بحقهم في التربية الإيمانية الراسخة.
في مرحلة الدعوة السرية، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجالس كل صحابي لوحده، ويهدم جاهليته. وأنا أتمزق ألما حين يقول لي أي شباب: "وددت أن أحادثك قليلا يا شيخنا" وأرد قائلا: "وأنا أيضا أرجو ذلك؛ لكن.. من أين لي بوقت يسمح بإرضاء كل قاصديّ؟"
وليس هذا الكلام متعلقا بي فحسب، بل هو يخص حال كل شيوخك الذي تحبهم، وترجو لقاءهم والنهل منهم. لكن؛ كما أننا نعذرك، فلتلتمس بدورك للدعاة عذرا.
وفي كل الأحوال؛ لابد من إيجاد طائفة من المربين والمعلمين الذين عليهم واجب تربية شباب الأمة وطرد شبح الجهل عنهم، وهذا إلى جانب تفعيل دور الأسرة هو المخرج والعلاج بتوفيق الله.
لا تحترف صنع المشاكل...
لي كتاب اسمه "إلى الهدى ائتنا" أنصح فيه كل حديث عهد بالتزام أن يتجنب المشاكل والجدل ولو كان صاحب دليل.
فمن أعفى لحيته مثلا؛ ليس عليه أن يجادل أقاربه وكل الناس في حكم إعفاء اللحية (رغم أن إعفاءها واجب). بل عليه بدلا من ذلك أن يفاخر -مثلا- بأثر اللحية في كفه عن النظر إلى النسوة في الشوارع، وعن الوقوف أمام شباك التذاكر لولوج السينما، وعن التدخين ووو..
ومن ارتدت النقاب ليس عليها لزاما توضيح حكمه لمحيطها (والنقابُ فرض)، بل عليها أن تتجنب الخوض في الحكم الشرعي، في مقابل تركيزها على إظهار الراحة النفسية التي تستشعرها وهي في خلوة مع الله حيثما حلت، فتقول مثلا: "هل تعلمون؟ منذ لبست النقاب وأنا أحس بهدوء نفسي عجيب.." وما شاكل ذلك من معانٍ.
المطلوب إذن من ذوي الالتزام الحديث أن يتكلموا عن المعاني الإيمانية دون مجادلة ودون إثارة مشاكل.
إن المتأمل في تسلسل دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومراحلها، سيتفطن إلى وجه من أوجه حكمة الإسرار بالدعوة في مكة، فقد بدأ الإسلام غريبا ضعيفا، وكان من المجانب للصواب إشهاره ولمّا تترسخ عقائد المسلمين ولم يتقووا. ومن أوجه الحكمة في الإسرار كذلك تجنب الفتن، وبه ننصح شبابنا.
وبما أن الناس ليسوا في مستوى واحد من القدرة على تحمل الفتن والابتلاءات أتى الإسلام في البداية بفكرة الاستخفاء ليتيح للضعفاء الهدوء النفسي والأمان القلبي ولو إلى حين، فلتستفد من السيرة النبوية إذن، وتجنب المشاكل.
وماذا بعد؟؟
إخوتي...
فليتحمل كلٌّ مسؤوليته في إدارة البيت كي يسير وفق مراد الله منه، ولا يفكّرنّ أحدكم في ألا جدوى من صلاح أمة بصلاح مجرد أسرة صغيرة، إذ لو أحجمت قطرات السما ء عن النزول (والأمر بيد الله وحده) وفكّرن في عدم جدواهن فرادى ما نزلن.
فاتقوا الله فيمن تعولون، وقوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها النار والحجارة، وتذكروا أن مسيرة الخيرية تبدأ بأسرة.
أحبكم في الله
أستودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: موقع الشيخ يعقوب