حوارات أهل القراءات - (2) المقرئ د. عبد السلام مقبل المجيدي

منذ 2015-10-02

هذه هي الحلقة الثانية من هذه السلسلة مع ثلة من أهل القراءات في العالم الإسلامي، ضيف هذه الحلقة هو الشيخ المقرئ الباحث الدكتور عبد السلام مقبل المجيدي –حفظه الله ورعاه- من بلاد الإيمان والحكمة، اليمن المحروسة، من أوائل المقرئين بتلك البلاد لاسيما في القراءات العشر الكبرى، عمل أستاذاً في التفسير وعلوم القرآن- جامعة ذمار/ اليمن، ثم في جامعة قطر، وهو المشرف الأكاديمي على معهد الدعوة والعلوم الإسلامية في الدوحة، وعضو لجنة مراجعة مصحف البحرين، تخرَّج على يديه عدد من الطلبة في مجال القرآن الكريم والقراءات.

* نرحب بكم ضيفاً على قسم القراءات بملتقى أهل التفسير.
الشيخ: بارك الله فيكم ورفعكم مكانا علياً، وجعل هذا الملتقى المبارك مما ينير العالمين بنور القرآن المبين، ويوصل الحائرين إلى الشفاء والهدى والموعظة في كلام ذي القوة المتين.

س1: فضيلتكم شخصية معروفة بجهودها في مجال الإقراء في أرض الإيمان والحكمة، لكنَّ متابعي ملتقى أهل التفسير بحاجة إلى مزيد معرفة عن شخصكم الكريم؟
الشيخ: الاسم: عبد السلام مقبل المجيدي. 

الميلاد: تعز اليمن 1393 الموافق 1973م.

الحالة الاجتماعية: متزوج وله خمسة أولاد.

أهم الوظائف التي شغلها: 
- أستاذ في التفسير وعلوم القرآن- جامعة ذمار/ اليمن.
- أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم في جامعة قطر/ المشرف الأكاديمي على معهد الدعوة والعلوم الإسلامية في الدوحة.
- عضو لجنة مراجعة مصحف البحرين.
- قام ومازال بالتدريس لمرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا، وقد أشرف على العديد من الدراسات العليا في جامعتي ذمار وحضرموت، وناقش العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. 
- نائب رئيس معهد الدعوة والعلوم الإسلامية للشؤون الأكاديمية في الدوحة.
- درَّس بنظام الانتداب في كلية الشريعة/ جامعة قطر مواد: أصول التفسير، والثقافة الإسلامية.
عميد ومؤسس لكلية القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في صنعاء، -رئيس قسم الدراسات الإسلامية سابقاً-جامعة ذمار، مستشار وزير الأوقاف، إمام وخطيب، عضو لجنة مراجعة المصحف والإشراف على طباعته-وزارة الأوقاف.

المؤهلات العلمية (الأكاديمية):
· أستاذ في التفسير وعلوم القرآن 2013م.
· أستاذ مشارك في الدراسات القرآنية (القراءات والتفسير وعلوم القرآن)2007م.
· حاز على شهادة العالمية العليا (الدكتوراه) من جامعة القرآن الكريم في مجال التفسير وعلوم القرآن الكريم بتقدير (ممتاز) مع التوصية بطباعة الرسالة في 5جمادى الأولى 1422هـ الموافق 25/7/ 2001م، وكان عنوان أطروحته: تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ألفاظ القرآن الكريم.
· حاز على شهادة التخصص الأولى (الماجستير) من جامعة القرآن الكريم في مجال التفسير وعلوم القرآن الكريم بتقدير (ممتاز) مع التوصية بطباعة الرسالة في عام 1999م، وكان عنوان الأطروحة: تلقي النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ القرآن الكريم.
· أكمل الدراسة الجامعية (البكالوريوس) في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في السودان، وتخرج بتقدير ممتاز حاصلاً على الترتيب الأول على مستوى الجامعة.
· أكمل الثانوية في صنعاء، وتخرج من القسم العلمي الثانوي حاصلاً على الترتيب الأول على مستوى المعاهد العلمية في اليمن.

س2: متى كانت بدايتكم مع القرآن الكريم وقراءاته؟ وما دور والديكم في ذلك؟
الشيخ: أنعم الله علي بالارتباط بالقرآن الكريم في المرحلة الابتدائية حيث كنت أسكن مع الوالد -جعله الله في الفردوس الأعلى- في الرياض، وكان والدي المبارك زاده توفيقًا، وجعله في الفردوس الأعلى يحثني مذ كنت في الثالث الابتدائي على الالتحاق بالتحفيظ في أحد مساجد الرياض العامرة بالقرآن وكنت أتفلسف عليه وأقول له: "يا أبي كيف يمكن أن أجمع بين حفظ القرآن والتفوق في المدرسة؟" (كنت بحمد الله من أول ابتدائي إلى ثالث ثانوي الأول على المدرسة، وفي الثانوية كنت الأول على مستوى جمهورية اليمن حيث درست الثانوية فيها بعد عودتي من الرياض).. فكان والدي بإخباته ورفقه لا يجبرني على الذهاب إلى التحفيظ، وفي الصف الخامس الابتدائي صليت الجمعة في أحد المساجد وتكلم الخطيب جزاه الله خيرًا عن القرآن الكريم وبركة حفظه وأجر الحافظ، ومكانته وكيف يرتقي يوم القيامة حتى تكون منزلته عند آخر آية يقرؤها، فـ:

أتاني الهوى قبل أن أعرف الهوى *** فصادف قلباً خالياً فتمكنا

فلما جاء السبت تعجلت الذهاب إلى المسجد القريب في (الديرة-أظن المعيقلية حالياً) والتحقت بالتحفيظ ورزقني الله بشيخ مبارك هو فضيلة الشيخ الدكتور علي حسان (من اليمنيين المقيمين في الرياض) فحفظت القرآن على يديه، وكان المسجد تابعاً للجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، واحتبرت على إثر ذلك في جامع الفريان أمام الشيخ الجليل المبارك محمد ذاكر رحمه الله تعالى، وأكرمني الله بحضور جملة من دروس الشيخ ابن باز رحمه الله في الجامع الكبير قبل تجديد بنائه، ثم سافرت إلى اليمن في أول ثانوي، فالتحقت بدار القرآن الكريم في صنعاء كقسم داخلي أدرس فيها القراءات والعلوم الشرعي في الفترة المسائية بينما بقيت على تخصصي في القسم العلمي في المرحلة الثانوية في الصباح، وأكرمني الله تعالى حينها فالتقيت بفضيلة الشيخ الإمام العابد المقرئ إسماعيل عبد العال أحمد الشرقاوي جعله الله في الفردوس الأعلى، وكان كما وصف ابن العربي شيخه الغزالي في كتاب قانون التأويل (دانشمند) أي شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتيذ، وقد يظن الناس أنه غلو من مثلي أن يقول في شيخه في القراءات ما قاله مسلم في البخاري: "دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ" وقد كان الشيخ إسماعيل رحمه الله ورفعه مكانًا عليًا مثل ذلك في القراءات إماماً صبوراً للقرآن مرتلاً، فدرست على يديه القراءات العشر الصغرى ثم الكبرى وختمتها عام 94م، وكنت أول من أنعم الله عليه بدراسة العشر الكبرى من اليمنيين حيث اندثرت قبل نحو سبعين سنة فيما ذكر لنا بعض الشيوخ، ومن المواقف التي لا تنسى لشيخنا المبارك موقفان: 
الأول: لما دلفت إلى الثالث الثانوي وتخصصي هو في القسم العلمي مسني طيف من الشيطان كما مس زميلاً لي لترك دراسة القراءات والتفرغ للثانوية العلمية التي هي حصاد اثني عشر عاماً، وأشار المشيرون بذلك إلا اثنين جزاهما الله عني خيراً أولهما شيخنا المبارك أعلى الله مقامه في الفردوس حيث قال لي باللغة الصافية العذبة: "يا ابني ما تترك القرآن فيتركك الله"، نقلت هذا الرأي إلى بعض الأساتذة الآخرين فقالوا: "هذه عاطفة محضة"، وأشاروا بالاهتمام بالثانوية فعدت إلى الشيخ إسماعيل وأخبرته فقال لي: "يا عبد السلام أكمل دراسة القرآن وأنا ضامن المركز الأول إن شاء الله" وانهال يدعو لي، فقطع قوله قول كل خطيب، ولزمته وفوجئت بأن الله بر قسمه وحقق ظنه، فكنت الأول على القسم العلمي في اليمن على مستوى المعاهد العلمية، وفهمت منه واقعاً معنى (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية)، ومعنى (الظانين بالله ظن السوء) وكان لهذا أثر بالغ في ارتباطي بالقرآن والتدرب على تطبيق معانيه مع تلاوة مبانيه. 

أما الموقف الثاني فهو عندما استفتحت طيبة النشر على يد شيخنا رفعه الله مكانًا علياً قال -وكان قد انقطع عن تدريسها بعد مجيئه إلى اليمن نحو أربع سنوات لأن من يدرس عليه كان يدرس العشر الصغرى- فقال لي: "دعني حتى أنظر هل ما زلت أستذكرها" وطلب مني أن أمسك الكتاب ليختبر حفظه فهو هو يسرد أبياتها كالسهم كانه راجعه لتوه، وكان رحمه الله يقرأ يومياً ما لا يقل عن ثلاثة أجزاء في كل مرة يختم لراو، وعلى كبر سنه وأكل الدهر من جسده فقد كان يصلي بالناس في رمضان في مصر عندما يسافر في إجازته بثلاثة أجزاء يومياً، ويخص ليلة سبع وعشرين بخمسة أجزاء رحمه الله ورفعه مكانا علياً.

س3: علم القراءات قائم على التلقي والمشافهة، فما هو تخصصكم الجامعي الأكاديمي؟ وأين كانت دراستكم لهذا العلم؟ ومن هم أبرز مشايخكم فيه؟ ومن تراه أثَّر فيكم من مشايخكم وانتفعتم به أكثر من غيره؟
الشيخ: أما تخصصي الجامعي فهو التفسير وعلوم القرآن في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وأما دراستي لعلم القراءات فقد بدأت في المرحلة الثانوية، وأبرز من تلقيت عنه هذا العلم كان شيخنا الجليل الشيخ إسماعيل عبد العال أحمد رحمه الله وأعلى مكانته في الفردوس، وقد قرأت ختمة برواية حفص عن عاصم بقصر المنفصل أمام فضيلة الشيخ الدكتور أيمن سويد سيد محققي أهل الأداء المعاصرين فيما أحسبه ولا أزكي على الله أحداً، وقد قرأت أمامه -جزاه الله خيراً- المقدمة والعقيلة والناظمة، كما قرأت ثلاثتها إضافة إلى رائية الخاقاني ونونية السخاوي ومنظومة الإمام الطيبي في التجويد أمام الشيخ المسند الفقيه المحدث النظار الدكتور عبد الله العبيد وفقه الله وجزاه الله خيراً، ومن أبرز المشايخ القراء الذين كان لهم أثرهم البالغ في حياتي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الإمام المقرئ بالعشر الصغرى والكبرى رحمه الله تعالى وأعلى في الفردوس مقامه على الرغم من انشغاله بأعمال مستشارية رئيس السودان لشؤون التأصيل، وهؤلاء من أبرز المشايخ في علوم القراءات، وأما شيوخي في علوم الحديث والفقه وأصوله وعلوم الآلة فكثير كفضيلة الشيخ السيد محمد يوسف حربة رحمة الله وأعلى في الفردوس مقامه، وفضيلة الشيخ القاضي السيد محمد بن علي المنصور، وفضيلة الشيخ القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، وفضيلة الشيخ عبد الحميد معياد، وفضيلة الشيخ قاسم عقيل، وفضيلة الشيخ قاسم بحر، والمسندين الأجلاء الذين سمعت عنهم الكتب الستة ومسند أحمد كالشيخ عبد الرحمن الكتاني، والشيخ عبد الوكيل الهاشمي، والشيخ محمد إسرائيل الندوي، والشيخ صبحي السامرائي.. ولعل السؤال لم يطلب تفصيل هذا.

س4: الناس مع التأليف أصناف وأنواع، وبدأت تظهر لكم بعض المؤلفات والتحقيقات، فما هي مؤلفاتكم في هذا العلم؟ وما أحب كتبكم إليكم؟
الشيخ: إليكم قائمة بأسماء أهم الكتب والبحوث وفقكم الله:
أولاً: كتب مطبوعة عامة:
1) تلقي النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ القرآن الكريم: وقد طُبِع في مؤسسة الرسالة-بيروت، وهو عبارة عن رسالة الماجستير .
2) المنهج النبوي في التعليم القرآني-طبع مرتين في الأردن بإشراف جمعية المحافظة على القرآن الكريم -وطبع في الإسكندرية باسم (إذهاب الحزن وشفاء الصدر السقيم).
3) التنوير في أصول التفسير: كتاب مقرر في مادة أصول التفسير في جامعة ذمار.
4) فقه الاختلاف صراط الأخوة والائتلاف.

ثانياً:كتب وأبحاث محكمة:
1) التعامل مع الآخر في القرآن الكريم بين الغلو والجفاء: وأصل الكتاب بحث فائز بجائزة البحث العلمي -دراسات إسلامية- لوزارة التعليم العالي في اليمن لعام2010م.
2) الأساس في أصول التفسير.
3) مراجعات في الجمع العثماني للقرآن المجيد (الدوافع، الأهداف، الإجراءات): بحث محكم طبع في مجلة كلية دار العلوم-القاهرة.
4) لجنة نسخ المصاحف العثمانية-بحث محكم منشور في مجلة جامعة حضرموت.
5) فن التوجيه عند المفسرين: بحث محكم منشور في مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية-الخرطوم.
6) التربية الدينية في المناهج الدراسية: بحث محكم مقدم لوزارة الشباب، ومنشور في مجلة كلية التربية جامعة ذمار.
7) منهج ابن مجاهد في كتابه السبعة، والقراءات التي ذكرها ولم يذكرها الإمام الشاطبي. بحث محكم في الأزهر.
8) الاستخلاف في الأرض (رؤية قرآنية): بحث محكم مقدم للمعهد العالي الإرشاد ضمن كتاب التربية السكانية، وقد نشر محكماً في مجلة جامعة ذمار.
9) لا إنكار في مسائل الخلاف: طبع ضمن سلسلة كتاب الأمة وصدر في ربيع الأول 1424هـ –طبعه مركز الدراسات-وزارة الأوقاف القطرية العدد 94.
10) إدارة الاختلاف في الرؤية القرآنية: بحث محكم مقدم لمؤتمر الإرشاد الأول في الجمهورية اليمنية تحت عنوان: منهج الدعوة في فقه الخلاف، وطبع في مجلة كلية دار العلوم المحكمة-القاهرة.
11) دراسة لمخطوطة مصحف تعود إلى القرن الثامن الهجري: بحث محكم منشور في مجلة كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء. 
12)السلسبيل المورود قصة رحلة الخلود: (منهجية جديدة في التفسير الموضوعي) -طبع الإمارات- وطبعة أخرى في السعودية بتقديم مجموعة من كبار الشيوخ: كعلامة اليمن القاضي محمد إسماعيل العمراني- والأستاذ الدكتور: حسن الأهدل.
13) العبقرية والنبوغ عند الإمام الشافعي في التفسير: بحث منشور في مجلة كلية الشريعة في جامعة قطر في الدوحة، وقد قدم البحث لمؤتمر الإمام الشافعي في بروناي بناء على طلب من منظمي المؤتمر.
14) منارات في فقه الدعوة: محاضرة ضمن فعاليات مؤتمر الهدي النبوي المقام في أبو ظبي -منشورة ضمن فعاليات المؤتمر.
15)مقدمة في فقه الأولويات: محاضرة منشورة ضمن سلسلة محاضرات الدورات التأهيلية لدورات الإرشاد التي تقيمها وزارة الأوقاف اليمنية.

س5: نرى في عصرنا هذا حرص كثير من الطلبة في الحصول على الإجازة غير مبال بالضبط والإتقان، فما نصيحتكم لأمثال هؤلاء؟
الشيخ: أما أولاً فإني أقول للمستكثرين من الإجازات غير مبالين بالتحقيق والإتقان: (أليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) والعبرة بالمعاني لا بالمباني، وقد جلست مع بعض شيوخ ليبيا أناقشهم في دعم اعتمادهم الأسانيد فذكروا أن المقصود هو الإتقان وليس التزين بالسند عن فلان وفلان مع خلو الدعوى من التحقيق والبرهان.

وأما ثانياً فأذكر نفسي وإخواني هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أكثر منافقي أمتي قراؤها»، فيا له من وصف موجع ، ومصير مفظع -اللهم لا تخزنا في الدنيا ولا في الآخرة- وقد وصف الحسن البصري بعض أهل هذا الصنف فقال: "قَرَأَ الْقُرْآنَ ثَلاثَةٌ، رَجُلٌ اتَّخَذَهُ بِضَاعَةً يَنْقُلُهُ مِنْ مِصْرٍ إِلَى مِصْرٍ، يَطْلُبُ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ، وَقَوْمٌ قَرَؤوا الْقُرْآنَ حَفِظُوا حُرُوفَهُ وَضَيَّعُوا حُدُودَهُ، وَاسْتَدَرُّوا بِهِ الْوُلاةَ وَاسْتَطَالُوا بِهِ عَلَى أَهْلِ بِلادِهِمْ فَقَدْ كَثُرَ هَؤُلاءِ الضَّرْبُ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، لا كَثَّرَهُمُ اللَّهُ، وَرَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَبَدَأَ بَدَوَاءِ الْقُرْآنِ فَوَضَعَهُ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ فَسَهِرَ لَيْلَهُ وَهَمَلَتْ عَيْنَاهُ، تَسَرْبَلُوا بِالْحُزْنِ وَابْتدَوْا بِالْخُشُوعِ ذَكَرُوا فِي مَحَارِيبِهِمْ، وَجَثَوْا بَرَانِسَهُمْ، فَبِهِمْ يَسْقِي اللَّهُ الْغَيْثَ، وَيُنَزِّلُ النَّصْرَ وَيَدْفَعُ الْبَلاءَ، وَاللَّهُ لِهَذَا الضَّرْبِ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الأَحْمَرِ". 

وأما ثالثاً: فإن الإجازة آلة وفضيلة لا تغني عن الغاية والفريضة بل إذا وجدت الفريضة فإن النافلة والفضيلة ازدياد من خير {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} [البقرة من الآية:184] وإلا إذا ذهبت الفريضة وبقيت النافلة فهو خيال أزلل وخبال ..نسأل الله المغفرة والمعافاة 

وأما رابعاً فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيما رواه البخاري: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» وقد قال هذا صلى الله عليه وآله وسلم في امرأة تريد المزايدة على صرتها فكيف بمن يتلعب بكلام الله تعالى.

س 6: يقولون: أنَّ الشيخ قد يستفيد من بعض تلاميذه ما ليس عنده، فهل حصل معكم شيء مع تلاميذكم من هذا الأمر؟
الشيخ: مر بي بعض النبغاء المخبتين، والعلماء الشباب العاملين، والأذكياء النابهين ومنهم: فضيلة الشيخ عبد الإله هازع، وفضيلة الشيخ محمد الوائلي، وفضيلة الشيخ محمد منصر، وفضيلة الشيخ مجدي العسكري، وفضيلة الشيخ مبارك الضبيبي، وفضيلة الشيخ وضاح الجبزي، وفضيلة الشيخ محمد نعمان ثابت، وفضيلة الشيخ ماهر الذبحاني، وفضيلة الشيخ أسامة منتظر المخلافي رحمه الله، ومنهم الحبيب الصفي والنقي التقي عبدالله الحرازي البكري رحمه الله رحمة واسعة، ومنهم المهندس الرفيع الشان المسابق إلى رضا الرحمن نبيل الصلوي، واستمع مني في بريطانيا بعض أجلة العلماء السادة النبلاء بعض المطارحات العلمية في شرح الخاقانية والسخاوية ومنهم الشيخ الجليل والعالم النبيل أبو عبد الله محمد السعيدي، والبحاثة المقرئ أبو حمزة المغربي، وغيرهم وهؤلاء يصدق فيهم ما ذكرته، بل إن قراءة بعضهم أو مذاكرته لي هو تواضع منهم هضماً للنفس، وتزكية للقلب.

س 7: لُوحظ إعراض كثير من طلبة العلم الإعراض عن تعلُّم علم القراءات والتجويد، بحجة أنَّ مشاهير علماء الأمة سلفاً وخلفاً لم يُعرف عنه اشتغال به. فما توجيهكم لذلك؟
الشيخ: أما أولاً:

فهذا زمان الصبر من لك بالتي *** كقبض على جمرٍ فتنجو من البلا

لما قسم الغزالي رحمه الله العلوم إلى أصول وفروع ومقدمات ومتممات جعل علم القراءات –ومن وجه علم التفسير- في المتممات، مع أنه جعل الأصول علم الكتاب والسنة، ووافقه الطاهر بن عاشور بتحفظ على هذا التقسيم، ولعل الغزالي  ما عرف قيمة القراءات، وكيف يمكن أن يعرف المعنى إن لم يحرس اللفظ، وهذه وظيفة علم القراءات الأصلية دون الإيغال المخترع أو المضاف في هذا الفن، وعلى هذا ينبغي أن يكون القراءات في أصله من الأصول. 

وأما ثانياً: فإن علم القراءات هو علم لكيفية الأداء للفظ القرآني باختلاف النقلة، وحسبك أن يكون المرء منشغلاً بكلام الله تعالى الذي قال الله فيه: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل من الآية:4] وقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائد من الآية:67] وقال: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام من الآية:19] وإذا كان هذا متحققاً فيمن يؤدي القرآن برواية واحدة، فإن من يعرف قراءاته يكون أقرأ فيكون أولى بالاتصاف بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، ولذا قال الداني: الأرجوزة المنبهة لأبي عمرو الأندلسي 

واعلم هديت الرشد والتوفيقا *** وكنت ممن يسلك الطريقا
بأن درس المرء للقرءان *** من أفضل الأعمال للرحمن
لأنه كلامه عز وجل *** سبحانه سبحانه الرب الأجل

قد جاء مرويا عن الأكابر *** في حامل القرءان شيء ظاهر
خرجه الأشياخ في الصحيح *** عن الرسول الصادق النصيح
أفضلكم معلم القرءان *** و ماهر بجملة الفرقان

ومثل ذاك صحة وصدقا *** بأنهم أهل الإله حقا
وقال أيضا فيهم مقاله *** شافية والصدق ما قد قاله
يقال يوم البعث للقراء *** بعد الورود احظوا بالارتقاء
في الدرجات واقرءوا القرءانا *** ورتلوه واسكنوا الجنانا

وأما ثالثاً: فإن كبار أهل العلم اعتنوا بعلم القراءات خلاف ما جاء في السؤال لكنهم ربما عرفوا بغيره لأنه لا يستقل وهذا صحيح، وذلك الأكابر من جهابذة أهل العلم فإن ابن تيمية على سبيل المثال ممن قرأ القراءات لكنها اشتهر بمجالات أخرى لعدم استقلال علم القراءات، ويراجع المجلد الثالث عشر في تحقيقاته النفيسة لمسائل تتعلق بهذا العلم، ومثل ذلك ابن حجر العسقلاني وقد تتملذ على ابن الجزري.

نعم مبدأ الاقتصار على علم القراءات أمر عرفه المتأخرون لا المتقدمون، ومعلوم أن الشاطبي كان فقيهاً محدثاً، ومثله السخاوي، وأبو شامة وأبو حيان، وابن الجزري.

وأما رابعاً: فحسبك فضلاً أن يسمع المرء الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:17-19]، ثم يسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبين أنه أخذ هذا الجمع والقرآن والبيان على جبريل بأحرفه فيما رواه مسلم في قوله: «أَقْرَأَنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِى حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فينبري من يأخذ هذا الجمع والبيان وأحرف القرآن ويتولى مهمة نقله بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهل غربة الحق تصيره زاهقاً؟ وهل تأخر المتأخر عن حمل كلام الله تصيره ببهرج تأخره سابقاً؟

س 8: من المعروف في التاريخ: دخول الإمام ابن الجزري إلى اليمن، وكان لدخوله الأثر الحسن في انتعاش علم القراءات إلى ما بعد عصره، وكثرت المصنفات اليمنية في القراءات من بعد دخوله. هل توجد هناك جهود لإخراج التراث اليمني في القراءات من المخطوط إلى المطبوع؟
الشيخ: مع الاضطراب السياسي الذي تمر به اليمن منذ نحو خمسين عاماً وهجرة العقول اليمنية خارج البلدة الطيبة ضعف الجهد في هذا الباب إلافي حدود الرسائل العلمية التي تحقق ما تيسر من المخطوطات إلا أن التراث اليمني في مجال المخطوطات يتعرض لعملية سرقة ونهب منظمين منذ ستينات القرن الماضي من قبل بعض الدول العربية والغربية للأسف الشديد.

س 9: اليمن من الحواضر الإسلامية العلمية، ولا تكاد تُعرف في عصرنا باشتغال أهلها بالقراءات إلا يسيراً. فما هي أبرز دور الإقراء المعاصرة في اليمن ؟ وما تقييمك لمسيرة علم القراءات في الديار اليمنية؟
الشيخ: أما في العشر السنوات الأخيرة فقد اتسعت دور القرآن ومراكز الإقراء وكليات القرآن الكريم بل وجدت بحمد الله جامعة للقرآن الكريم وهي ظاهرة منعدمة الوجود في أكبر الدول العربية، إلا أن المحتوى بحاجة إلى تطوير وتسديد، وتفتقر اليمن إلى الإبراز الإعلامي مع ما وصف به أهلا من رقة القلوب وهضم الذات، وأنا أرى واقعاً مشرقاً في انتشار القرآن الكريم بقراءاته وأضرب لك مثالاً لما قرأت العشر الكبرى على شيخنا الشيخ إسماعيل رفع الله لواءه يوم القيامة بقيت أربع سنوات لا أعرف احداً يهتم بدراستها واليوم هناك عشرات المقرئين بها والحمد لله.

س 10: يقولون: أنَّ المشهور في اليمن القراءات السبع، ولم تعرف القراءات العشر في عصرنا هذا إلا بعد دخول المقرئ إسماعيل عبد العال رحمه الله. فما رأيكم بهذا القول؟
الشيخ: الكلام له وجاهته وليس هذا خاصاً باليمن ولكن بلاد الجزيرة العربية بلاد الحرمين الشريفين لم ينتشر فيها علم القراءات العشر في الأعصر المتأخرة إلا في حدود الخمس والعشرين الأخيرة، فجزى الله شيخنا الشيخ إسماعيل خير الجزاء وأطيبه.

س 11: ملتقى أهل التفسير من الملتقيات العلمية المتخصصة على الشبكة العنكبوتية، فهل لكم متابعة له مباشرة أو عن طريق تلاميذكم؟ وكلمة أخيرة لأعضاء الملتقى ومتابعيه؟
الشيخ: أرجو أن يكون الملتقى مجمع البحرين، ومكمن القمرين حيث وفق الله تعالى من أنشأه فجمع بين المشرق والمغرب في علوم القرآن الكريم تلاوة وأداء وقراءات وتفسيراً ورسماً وضبطاً وإعجازاً، ولي متابعة محبة له مباشرة أو عن طريق الأصحاب الذين أشرت لهم بوسم التلاميذ حيث يجمع الفوائد والفرائد، ويقرر القواعد، ويناقش الأوابد، وعساه أن يكون مغتسلاً بارداً وشراباً لمحبي العلم والطلاب، وأما الكلمة التي أرغب في قولها لأعضائه ومتابعيه: 

العلم يورث العمل فإن أجابه وإلا ارتحل، وأعظم العمل للمشتغلين بالقرآن وعلومه ثلاثة أمور: 
1) التخلق بأخلاق القرآن، ورأس ذلك المحبة والرفق بالمسلمين والرحمة للعالمين، وإن لم يكن المشتغل بالقرآن كذلك فمن؟

إلى الماء يسعى من يغص بلقمة *** إلى أين يسعى من يغص بماء

وقد أورث سوء خلق بعض المنتسبين إلى العلم وشدة شقاقهم جراحاً انتقلت آثارها السيئة من الطور الفردي إلى جسد الأمة الممزق المكلوم:

وكنا نستطب إذا مرضنا *** فصار هلاكنا بيد الطبيب

2) العلم يزيد المشتغل به خفضاً للجناح، وخشية للملك الجليل الكريم الفتاح، وإلا فإن فتل العضلات، والطلب للانتصار في المناظرات يوشك أن يجر إلى الغرور، فيكون صاحبه ممن لجوا في عتو ونفور، ويخشى عليه أن يدخل في الحديث الذي رواه الطبراني وحسنه لغيره بعض المحققين عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  «يظهر الإسلام حتى يختلف التجار في البحر وحتى تخوض الخيل في سبيل الله ثم يظهر قوم يقرؤون القرآن يقولون: من أقرأ منا؟ من أعلم منا؟ من أفقه منا؟» ثم قال لأصحابه: «هل في أولئك من خير؟» قالوا: "الله ورسوله أعلم" قال: «أولئك منكم من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار».
3) الصدع بحقائقه إنقاذاً للعالمين، ورحمة بهم، وحفظاً للدين من التغيير لمعالمه الذي يقوم به علماء السوء أو يقوم به كتمان الكاتمين مما قال الله فيه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174]، وقد قال بعض مشايخنا جزاه الله خيراً:

إذا حامل القرآن مال مداهناً *** فمن بعده للبغي والظلم قامع
إذا القدوة العلياء لان حسامها *** فأنى يهب المقتدي ويدافع 
إذا العلم قد أمسى مطية ظالمٍ *** يلذ ويلهو والمخازي تتابع
فلا خير في هيمٍ تنوء ظهورها *** وقد حملوا لأسفار جمعاً وما وعوا

أسأل الله أن يجعل الملتقى وأعضاءه منارات يهدون بالحق وبه يعدلون، ويُمْسِكون بالكتاب، ويُمَسِّكون به، وبه في الآخرة يُرفعون. 

 

حاوره:
محمد بن سعيد بكران
ذو الحجة 1434 هـ

المصدر: ملتقى أهل التفسير
  • 6
  • 0
  • 10,140
المقال السابق
(1) المقرئ عدنان العُرْضي
المقال التالي
(3) المقرئ د. وليد بن إدريس المنيسي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً