حكم السعي بالزلَّاجة

منذ 2015-12-28

الأصل في العبادات التوقيف، والأفضل الإتيان بها على الوصف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله:" صلوا كما رأيتموني أصلي"، ولقوله: "خذوا عني مناسككم"..

السؤال: ما حكم السعي بالزلَّاجة؟

الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإن الأصل في العبادات التوقيف، والأفضل الإتيان بها على الوصف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله:" صلوا كما رأيتموني أصلي"، ولقوله: "خذوا عني مناسككم".

أما مسألة السعي على الزلَّاجة فنفترض براءة فاعلها من اللعب والتهاون وترك الجدية في أداء العبادة، فإن برئ من هذه فإن سعيه عليها إما لحاجة مشروعة داعية لذلك، أو لغيرة حاجة، وإنما يعتقد جوازها أو لم يخطر بباله الحكم أصلا..

وهي تشبه الركوب على الراحلة من وجوه، فتأخذ حكمها:

وقد اختلف العلماء في جواز السعي راكبا، بعد أن اتفقوا على أنه هو السنة، وأنه هو الأفضل.

وذهب إلى عدم جوازه الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وأجازها الشافعية بلا كراهة، ولكنها عندهم خلاف الأولى.

فأما عند الحنفية والمالكية فالمشي على الأقدام واجب في السعي، وتركه يوجب الإعادة عن كان بمكة، وإلا فعليه دم، وهذه بعض أقوالهم:

الحنفية: قال علاء الدين الكاساني في بدائع الصنائع: (وأما ركنه فكينونته بين الصفا، والمروة، سواء كان بفعل نفسه أو بفعل غيره عند عجزه عن السعي بنفسه بأن كان مغمى عليه أو مريضا فسعى به محمولا أو سعى راكبا لحصوله كائنا بين الصفا، والمروة، وإن كان قادرا على المشي بنفسه فحمل أو ركب يلزمه الدم؛ لأن السعي بنفسه عند القدرة على المشي واجب فإذا تركه فقد ترك الواجب من غير عذر فيلزمه الدم كما لو ترك المشي في الطواف من غير عذر.)[2/ 134].

وعند المالكية: جاء في المدونة: (قال ابن القاسم: وإنما تقف النساء في الزحام في أصل الصفا والمروة، ولو كن في أيام لا زحام فيها كان الصعود لهن على الصفا والمروة أفضل. قلت: هل كان مالك يكره أن يسعى أحد بين الصفا والمروة راكبا من رجل أو امرأة؟

قال: قال مالك: لا يسعى أحد بين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر، قال وكان ينهى عن ذلك أشد النهي. قلت لابن القاسم: فإن طاف راكبا هل كان يأمره مالك بالإعادة؟ قال: أرى إن لم يفت ذلك أن يعيد، قلت لابن القاسم: فإن تطاول ذلك هل ترى عليه دما؟ قال: نعم.)[1/ 428]

وعند الحنابلة: جاء في مسائل الإمام أحمد: (قال سألت أبي عن الركوب بَين الصفا والمروة من غير علة أو من عِلّة والطواف بِالْبَيْتِ من علة، قال أكرهه من غير علة إذا كان عليلا يركب وَيحمل حول البيت واحتج بحديث أم سلمَة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)[1/ 227]

وقال القاضي أبو يعلى: (إذا طاف راكبًا لغير عذر لم يجزئه في إحدى الروايتين: نص عليه في وراية محمد بن أبي حرب الجرجرائي: وقد سئل عن الرجل يطوف حول البيت على بعيره، وهو صحيح، فقال: لا، إنما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلّم لكي يراه الناس. وكذلك قال في رواية حنبل: ولا يطوف راكبًا، إنما طاف النبي صلى الله عليه وسلّم لكي يراه الناس.)[ التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف علي مذهب أحمد: 2/ 25].

ولكن في المغني لابن قدامة: (فأما السعي راكبا، فيجزئه لعذر ولغير عذر؛ لأن المعنى الذي منع الطواف راكبا غير موجود فيه) [3/ 359].

وعند الشافعية: قال النووي: (الأفضل أن لا يركب في سعيه إلا لعذر كما سبق في الطواف لأنه أشبه بالتواضع لكنه سبق هناك خلاف في تسمية ان الطواف راكبا مكروه واتفقوا على أن السعي راكبا ليس بمكروه لكنه خلاف الأفضل لأن سبب الكراهة هناك عند من أثبتها خوف تنجس المسجد بالدابة وصيانته امتهانه بها هذا المعنى منتصف في السعي وهذا معنى قول صاحب الحاوي الركوب في السعي أخف من الركوب في الطواف)[المجموع شرح المهذب: 8/ 75].

وعند الظاهرية: قال ابن حزم: (والطواف والسعي راكبا جائز، وكذلك رمي الجمرة -: لعذر ولغير عذر )[المحلى: 5/ 190].

ومنعه هو الأكثر وراية عن السلف: قال ابن المنذر: (واختلفوا في السعي بين الصفا والمروة راكبًا، فكره السعي بينهما راكبًا عائشة، وعروة بن الزبير، وأحمد، وإسحاق، وقال أبو ثور: لا يجزيه وعليه أن يعيد، وقال مجاهد: لا يركب إلا من ضرورة.

وقال أصحاب الرأي: إن كان بمكة أعاد ولا دم عليه، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم، وكان أنس بن مالك يطوف بينهما على حمار، وقد روينا عن عطاء، ومجاهد أنهما سعيا على دابتين، وقال الشافعي: يجزيه إن فعل ذلك.)[الإشراف على مذاهب العلماء:3/ 295].

والأظهر والأقرب والأحوط -والله تعالى أعلم- أنه لا ينبغي السعيُ راكبًا إلا مِن عذر، وأن الصحيح ما ذهب إليه الجمهور مِن أنه لا يجوز للصحيح القادر أن يسعى أو يطوف راكبًا، وذلك لعدة أمور، منها:

1- أن هذه عبادة توقيفية ينبغي أخذ مناسكها عن النبي صلى الله عليه وسلم. والسعي ماشيًا هو الموافق للسعي من جهة المعنى في اللغة، وقد كانت أمّ إسماعيل تسعى ماشية غير راكبة.

2- أنه لم يثب أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبًا إلا مرة واحدة، فثبت أن هَدْيَه المعتاد المشي في الطواف والسعي.

3- أن ما ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف أو سعى راكبًا جاء مُعلَّلًا، إما بكونه شاكيًا؛ أي مريضًا يشق عليه المشي، أو معلَّلًا بأنه فعل ذلك لكثرة من سأل عنه من الناس فارتفع لهم على الراحلة ليُعلمهم دينهم وليأخذوا عنه مناسكهم، وكما جاء عن أبي الطفيل قال: «قلت لابن عباس -رضي الله عنهما-: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبًا؛ أسنّة هو؟ فإِنّ قومك يزعمون أنّه سُنّة! قال: صدقوا وكذبوا. قال: قلت: وما قولك: صدقوا وكذبوا؟! قال: إِنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كثر عليه الناس، يقولون: هذا محمّد، هذا محمّد، حتى خرج العواتق من البيوت، قال: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يضرب النّاس بين يديه، فلمّا كثر عليه ركب؛ والمشي والسّعي أفضل»(مسلم: برقم: [1264]).

4- أن السعي على الزلَّاجة أسوأ حالا من السعي على الراحلة، فبالنسبة للرجال فإنها تفوِّت عليهم سنةَ السعي بين العلمين، وهو الاشتداد بين المشي والجري، أما الدابة فيمكن تحريكها بسرعة بينهما بخلاف الزلَّاجة، ثم إنها عرضة للسقوط، هذا يؤكد منع النساء منها، فقد تعرضهن للسقوط والتكشف أو التضرر، ثم إنها في الزحام لها مفاسد كالتصادم، وقد يتحوَّل المسعى إلى ملعب للكبار والصغار كالتزلج الفني على الجليد! وسدّ الذريعة باب مُعتبر في الفقه.

قال الشيخ العثيمين رحمه الله: (الخطأ الحادي عشر: التهاون بالسعي على العربة من غير عذر، فإن بعض الناس يتهاون بذلك، ويسعى على العربة بدون عذر، مع أن كثيرًا من أهل العلم قالوا: إن السعي راكبًا لا يصح إلا بعذر، وهذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء، أي هل يشترط في السعي أن يكون الساعي ماشيًا إلا من عذر أو لا يشترط؟ ولكن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يسعى ماشيًا مادام قادرًا، فإن عجز فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم -لأُمِّ سلمة- رضي الله عنها- حين قالت: إني أريد أن أطوف وأجـــدني شــــــاكية، قال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة» فأذن لها بالركوب في الطواف؛ لأنها مريضة، وهكذا نقول في السعي: إن الإنسان إذا كان لا يستطيع، أو يشق عليه مشقة تتعبه فلا حرج عليه أن يسعى على العربة. هذا ما يحضرني من الأخطاء في السعي)[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: 22/ 451].

وإذا كان هذا حكم السعي؛ فإن الطواف بالبيت أولى بأن يُمنع راكبًا إلا من عُذر؛ لأنه صلاة وإن كان لا يُشترط فيه شروط الصلاة على الصحيح، وقد منع العلماء قديمًا منه خوف تنجس المطاف بالدواب، والآن لا دواب فانتفت هذه العلة، لكن الحكم باقٍ لأن هذه العلة ليست مدار الحكم. 

والمسألة خلافية، وهذا الأقرب والأحوط والله أعلم.

17/ 10/ 2015

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 1
  • 0
  • 7,511

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً