صوم يوم عاشوراء وشيء من فضائله
فيما يتعلق بفضيلة صوم يوم عاشوراء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»، وهذا فضل عظيم وأجر كبير على عمل يسير، فصوم ساعات يحصل به حط أوزار سنة كاملة، وهو يوم في الشتاء وساعات قليلة مع قلة العناء، فهذا فضل وخير ينبغي أن يبادر إليه المؤمن ويحتسب الأجر عند الله عز وجل.
الحمد لله ربِّ العلمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فابتداءً فيما يتعلق بفضيلة صوم يوم عاشوراء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: « »، وهذا فضل عظيم وأجر كبير على عمل يسير، فصوم ساعات يحصل به حط أوزار سنة كاملة، وهو يوم في الشتاء وساعات قليلة مع قلة العناء، فهذا فضل وخير ينبغي أن يبادر إليه المؤمن ويحتسب الأجر عند الله عز وجل.
والفضيلة تحصل بصيام يوم عاشوراء منفرداً على الصحيح من قولي العلماء، وقد قال بعض أهل العلم: "إنه يصوم يوماً آخر على وجه الاستحباب"، وبعضهم قال: "إذا أفرده كُرِه". والصواب أن إفراد عاشوراء بالصوم ليس مكروهاً، بل هو السنة؛ لأنه هو اليوم المقصود بالصوم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم ذلك قبل بعثته، فإنه كان يوماً تعظمه قريش فتُكسى فيه الكعبة ويصومونه وكان يصومه، ثم لما جاء المدينة ورأى اليهود يصومون، فسألهم وقال: « » قالوا: "هذا يومٌ نجا الله فيه موسى بني إسرائيل من عدوه فرعون، فصامه موسى"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » وفي بعض الروايات: « »، فصامه وأمر بصومه صلى الله عليه وسلم.
فلصومه من الفضيلة ما ينبغي للمؤمن أن يبادر إليه، وقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم وحثه على صيام هذا اليوم، فكانوا يصومونه ويصوّمون صبيانهم، كما جاء ذلك في صحيح البخاري من طريق خالد بن ذكوان، عن الربيع بنت معوّذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل في الأنصار وأمر بصيام عاشوراء، قالت: "فكنا نصومه ونُصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام دفعناها إليه حتى يأتي الإفطار". وهذا يدل على عنايتهم؛ لأنه لم يكن الصيام فقط مقتصراً على الراشدين من كبار السن، بل حتى الصغار يُربَّون على الصيام.
ولهذا أنا أدعو نفسي وإخواني وأخواتي وأولياء الأمور في البيوت، ممن له ولاية أن يحث الصغار ولو كانوا دون البلوغ، وقد جاء في بعض الروايات: ولو كانوا دون التمييز، فيما ذكره الحافظ ابن حجر: "أنهم كانوا يُصوموِّن الرُّضَّع". لكن هذا لم يثبت ثبوتاً يصار إليه، لكن تصويم الصبيان القادرين على الصيام، هو مما جاء في حديث ربيعة رضي الله عنها في صحيح البخاري.
فينبغي أن نحثَّهم وأن نرغبهم لا على وجه الإيجاب والإلزام لأنه سنة؛ لكن على وجه التشجيع والتنشيط على العمل الصالح، لاسيما مع هذا التيسير في كونه يوافق وقتاً النهارُ فيه قصير والجو بارد.
وأما ما يتعلق بالخلاف -وهنا أقف وقفة مهمة تستدعيها الحاجة- في عاشوراء: هل هو الاثنين أو الثلاثاء؟ هنا احتدم البحث والنقاش بين المختصين من أهل العلم وحتى الفلكيين والمتابعين هل هو الاثنين أو الثلاثاء، وبالتأكيد أنه في بلادنا قطعت جهيزة قول كل خطيب، فصدر من المحكمة العليا بيان بأنه يوم الاثنين لعدم حصول ثبوت الرؤيا ليلة السبت فكان أول أيام الشهر هو يوم الأحد، وبالتالي يوم عاشوراء هو يوم الثلاثاء غداً إن شاء الله تعالى.
وأقول: في مثل هذه المسائل التي تختلف فيها وجهات النظر، ويختلف فيها الناس على أقوال، ينبغي أن لا يثرب أحد على أحد قبل الحسم، وذلك أن الجميع يقصد أمراً واحداً وهو أن يصيب الحق، وإصابة الحق لا يلزم أن يتفق الناس كلهم في المسار، وأن يصيبوا كلهم شيئاً أو عملاً واحداً، ذلك أن الاجتهادات والآراء قد تختلف، فهنا في مثل هذه الحالة من قال بأنه يوم الاثنين قبل صدور البيان من الجهة المختصة كان له وجه، ومن قال بأنه يوم الثلاثاء كان له وجه، ولكن بعدما -وأنا صدرت كلامي بأنه قد قطعت جهيزة قول كل خطيب- صدر من المحكمة العليا البيان انتهى الأمر، وأصبح الأمر محسوماً ببيان الجهة ذات الاختصاص، لكن قبل ذلك بعضهم يشتد ويقول: لماذا، وتجد نوعاً من التجاذب والشحناء في كثير من المسائل، وهذا نموذج لطريقة تعاملنا مع مسائل الخلاف، ففي كثير من الأحيان عندما يقتنع أحدنا برأي من الآراء يفرض هذا الرأي على نفسه، وهذا طبيعي وله الحق في ذلك؛ لكن أن ينقل الفرض إلى غيره وأن يلزم الناس برأيه، هذا يخالف المسار السليم والمسلك الصحيح الذي سار عليه العلماء؛ فإنه ليس لأحد في مسائل الاجتهاد أن يلزم غيره باجتهاده، بل المجتهد الذي يبحث ويتوصل إلى نتيجة ليس له أن يلزم الناس برأيه؛ فكيف بالمقلد الذي يأخذ بقول أحد المجتهدين أن يلزم الناس برأيه؟
اختلف الصحابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً من المختلفين فيما يتسع فيه الخلاف ويُقبل، فنهى عن الخلاف وذمه كما جرى في بعض المواقف؛ لكنه أذن فيه وأقره في بعض المواقف، كما جرى في قوله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب، وانصراف الأحزاب: «الوقت، ومنهم من أخَّرها فلم يصلِّ حتى وصل بني قريظة، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم باختلافهم، ولكن هل عنَّف أحداً منهم؟ الجواب: لا، بل لم يُنقل أنه قال: إن الفئة التي فعلت كذا صواب، أو الفئة التي فعلت كذا صواب، فالمنقول لم يأت فيه بيان، ففيه دليل على أنه في مثل هذه الأمور التي تحتملها الألفاظ وهي من مسائل الاجتهاد ومطارح الآراء والتي يسوغ فيها تعدد وجهات النظر، ينبغي أن لا يشدد فيها على الناس، ولا يحمل الناس على رأي واحد، بل تترك المساحة واسعة للمختلفين كل يفعل بما يراه ما دام أننا نريد الحق، فلو اختلفنا في الوصول إليه فإنه ليس هناك مشكلة، فهؤلاء الذين اختلفوا في الصلاة زمن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم أراد الحق، من صلى قبل أن يصل، ومن صلى بعد أن وصل كلهم أراد الحق؛ لكنهم اختلفوا في طريقة الوصول إلى الحق، ما هو الحق الذي أرادوه؟ امتثال توجيه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: « »، فكذلك إذا اختلف المختلفون الآن في دخول الشهر، فقالت طائفة كذا وقالت طائفة كذا، ولم يأت حسم -وبعد الحسم انتهى الموضوع- فكلهم يريد حقاً، وكلهم يريدون إدراك فضيلة هذا اليوم صياماً، فكونهم اختلفوا في تعيين هذا اليوم لا يؤثر ولا يفسد للود قضية.
»، فاختلف الصحابة في فهمهم لهذه المقولة النبوية: هل مقصود النبي صلى الله عليه وسلم أن يبادروا إلى المسير ولا يتأخروا في الخروج إلى بني قريظة، أم المقصود أن لا يُصلوا فعلاً إلا إذا وصلوا ولو غربت الشمس؟ فاختلفوا على هذين القولين، فمنهم من صلى عندما أدركتهم الصلاة وخشوا خروج20 شوال 1434 هـ
خالد بن عبد الله المصلح
محاضر في قسم الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم
- التصنيف:
- المصدر: