حج بلا ترحال
حين يكون المسلم مذعنا لله بكل كيانه مؤتمرا بكل ما أمر به، مجتنبا كل ما نهى عنه، شاكرا لأنعمه، مستغفرا لذنبه، يرجو عفوه و يخشى عقابه- فهو ليس مكلفا أن يبحث عما ليس فى وسعه لإرضاء الله.
قبل وصف هذا النوع من الحج الذى لا يقتضى الترحال والسفر؛ علينا أن نهنئ من أكرمهم الله بهذه المكرمة وهى فرصة إمتاع العين و القلب بتلك الأماكن الطاهرة راجين من المولى أن يتقبلهم قبولا حسنا، و أن يكتب لهم الأجر و الثواب آملين أن يكونوا قد ذكروا بالدعاء كل نفس تواقة إلى الفوز بما فازوا به و إن كان القبول من الله هو الفوز الحقيقي.
و هذه هى نقطة الانطلاق التي يتعين على المسلم أن يبدأ بها عبادته و صلته بالله، و التى تتيح له أجر الحج الأعظم الذى لا يضطره بالضرورة إلى الترحال.
و بتتبع شروط العمل المقبول عند الله فى القرآن والسنة نجده مبنيا على أمرين:
إخلاص النية لله سبحانه و تعالى كما فى قوله صلى الله عليه و سلم: «البخاري؛ رقم1).
»(صحيحو الثانى هو اتباع سنة الرسول صلى الله عليه و سلم كما فى الحديث الشريف: «عائشة أم المؤمنين (صحيح البخاري؛ رقم: 2697).
» الراوي:فكلا الأمرين مطلوب من المسلم، كذلك عليه تأمل الآيتين الكريميتين و هما :
الأولى قوله تعالى: {قل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام الآية162]
و الثانية قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة من الآية 286]
فحين يكون المسلم مذعنا لله بكل كيانه مؤتمرا بكل ما أمر به، مجتنبا كل ما نهى عنه، شاكرا لأنعمه، مستغفرا لذنبه، يرجو عفوه و يخشى عقابه- فهو ليس مكلفا أن يبحث عما ليس فى وسعه لإرضاء الله،
فكم من المسافات تقطع، و من الجهود تبذل، ومن المشقات تتكبد، ومن الأموال تنفق و قد لا تقبل و العياذ بالله؛ فى حين يقبل مؤمن صادق الإيمان مخلصاً لله تعالى لم تمكنه إمكاناته المادية أو الصحية أو كلاهما معاً من أداء تلك الفريضة.
فمن لم يستطع الحج فالفرصة سانحة ليحظى بأجر الحاج وأفضل، وأما من عاد من الأراضي المقدسة بحج مبرور؛ فعليه أن يحافظ على هذا الفوز العظيم فلا يستدرجه الشيطان للتقهقرللخلف، وتزل قدم بعد ثبوتها، وأما من عاد من الحج وقد جرح حجه بعض المخالفات؛ فعليه التوبة والاستغفار عسى الله أن يجبر تقصيره، فباب الرحمة مفتوح على مصراعيه لأن رحمة الله وسعت كل شئ.
- التصنيف:
- المصدر: