فرسان الحياة بين الإنسانية و المثالية
حسن الخليفة عثمان
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
جاءتني عبر الإيميل رسالة بمشاركة للأستاذ ( إبراهيم النشمي ) مدير ( منتديات أقداح ) كتبها تعليقاً على مقالة ( واجب الوقت وفرسان الحياة ) تحمل وجهة نظر ، وتساؤلاً ، ونقداً لما وضعه العلّامة الدكتور علي شراب من مواصفات لفرسان الحياة المذكورين بالمقالة .
يرى في وجهة نظره أن مواجهة الحرب التي دعونا الحكماء في هذا العالم ليجمعوا أمرهم ليطفئوا حريق اشتعالها ، إنما يكون بحرب يقودها المخلصون تحمل دعاة هذه الحروب إلى العقل والحق ، نزولاً على قول القائل :
والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم !
وتكلم عن أزمة المصطلحات ، متسائلاً عن كلمة ( الإنسانية ) وكيف يتم استخدامها لأغراض سلبية .
ورأى في نقده لمواصفات فرسان الحياة أنها تجنح إلى المثالية التي لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع البشري .
المواجهة بالحرب ، وكلمة الإنسانية ، والمثالية ، ثلاث نقاط هي ما حوته رسالة القارئ الكريم وقد تعهدنا بنشرها نصاً ثم تناولها واستيفائها بالنقاش .
وإذ أُقر بما أشرتُ إليه سابقاً في مقالاتي من وجود أزمة حقيقية في المصطلحات ، وما مُنينا به في هذه الساحة من غياب كامل للدقة والعمق والشمول والوضوح ، تلك المعالم التي جعلها الدكتور ( علي شراب ) أبرز معالم ( الطريق إلى الحكمة ) فإنني أقول : إن كثيراً من المعالجات لبعض أزماتنا كثيراً ما تُفاقمها دون أن تزيلها ، لاسيما تلك المعالجات التي تنطلق من مرجعية الرفض والمخالفة لكل ما هو آخر ، ولو بلغ هذا الآخر درجة الصفاء الفطري في بعض مواضعه مما جبل الله النفوس عليه .
لذا فإنني لن أناقش أزمة المصطلحات في ذاتها تقديراً لما استفرغه أجلاء من وسعٍ ، وما بذلوه من جهد في هذا الشأن يمكننا الرجوع والإشارة إليه ، وإنما نناقش أثراً من آثارها التي أثّرت في سيرنا ومسيرتنا ، وربما على سريرتنا بما خلّفته من إحن ومحن .
وهو ما يمتهد السبيل للنقاش حول كلمتي " الإنسانية " و" المثالية " ومفهومهما وموقعهما عند ( فرسان الحياة ) وفي مشروع ( الطريق إلى الحكمة ) والذي نراه لصاحبه إضافة علمية وتصحيحاً لكثير من المفاهيم ، يصل إلى إعادة النظر في كثير مما فرضه المتحكمون والمالكون للأدوات من بديهيات ومسلمات تواضعت عقول ذوي الحاجة إليهم على قبولها .
تلك الإضافة إلى خريطة الإدراك الإنساني مما لمسنا أثره ووقفنا عليه جعلنا نذكر صاحبها بلفظ العلّامة مع إدراكنا لدلالة الكلمة .
وفي مقالات لاحقة بإذن الله نتناول النقاط الثلاث التي تم طرحها ونستكمل الحديث عن مشروع ( الطريق إلى الحكمة ) .
وهذا هو نص الرسالة والمشاركة من القارئ الكريم :
" تحيةٌ طيبةٌ أقدمها لكم أستاذي الحبيب .. وبارك الله في جهدك وعقلك وجزاك عنَّا خيرًا ..
أيها الفاضل ..
كيف يُمكن أن نوقف الجنونَ والمجانين، إن لم نأطرهم إلى (العقلِ ) و ( الحقِّ ) أطرًا ؟!
كلماتٍ ومصطلحاتٍ ( مستوردةٍ ) كثيرةٍ بِتنا نلزِمُ أنفسنا بها ، دون أن نُدرك كمية وأهمية ( المصطلحات الأصيلة ) التي نُفرط بها بذلك الإلزام !
أرى أنهم خدعونا بقولهم كلمة ( الإنسانية ) كي يستخدموها ضدَّنا، وحتى تكون سيفًا مصلتًا يقطعون به عنق أي مجتمعٍ أو وطنٍ مسلم!
هذه الخديعة والحروب التي تُدار بها وبأمثالها من المصطلحات، لا يُمكن أن تنتهي بدفع مصطلحات مناقضة فقط ، بل بقيام حرب فعلية تنهي أخطار المجرمين وقوة المجانين الراغبين بتحطيم العالم!
نحنُ نحتاج فعلًا إلى ( حربٍ ) ــ يقودها المسلمون المخلصون ــ تُنهي كلَّ الحروب، وتقدم للجميع السلام !
أستاذي ما أجمل قلمك حينما وصف ( المؤمنين ) :
( الذين من هديهم وأخلاقهم أنهم لا يتمنون لقاء العدو ، ويسألون الله في سيرهم ومسيرهم العافية ، فإذا قدر الله عليهم ولهم لقاء الطاغي الغاشم الباغي ؛ أتعبوا الصبر بصبرهم ، وأرهقوا الثبات بثباتهم ).
لمَّا قرأتُ ما كتبته عن رؤية الدكتور "علي شراب" الجميلة لفرسان الحياة ، انزعجتُ من أمرين :
الأول : أن الأمة الإسلامية بحاجةٍ إلى ( فرسان من أرض الواقع ) ، وليس ( فرسان بمواصفات مثالية أكثر مما يُمكن ) .. وخشيتُ أن تكون مجموعة الأوصاف المذكورة هي عبارة عن تكوين (حائط صد) أمام أي محاولة لبروز " فارس حياة " حقيقي !
الثاني : أن ( مثالية ) بعض المواصفات المذكورة ، تجعل تطبيقها في آن واحد متناقضًا وغير ممكنٍ بـ( الشكل المثالي المنشود ) على أرض الواقع !
أستاذي الفاضل .. بارك الله لكَ العقل والقلم وجمعنا بك مع الأنبياء والصديقين والشهداء في الفردوس الأعلى . "