في صحبة الطيِّـبين
"الكون"؛ رغم كل الألم والحزن قد صار أكثر جمالا وهدوءا وإنسانية في صحبة الطيِّـبين.
أذهب له بغير اتصال كعادتي معه، يفتح الباب فينشرح صدري لرؤيته، وجه "مثالي" بشعره الأبيض وملامحه الهادئة وابتسامته الطبيعية المشرقة، بيته هادئ يمتلئ بالسكينة وبمجرد دخولك تشعر بالراحة النفسية!
احتضنني كعادته ومسح علي رأسي "المتعب" بيده "الحنون"، ذهبت معه للمطبخ لنعد الشاى معا، يسكن بمفرده منذ عرفته قبل ١٥ سنة، تزوج لمدة خمس سنوات فقط ورحلت زوجته التي كان يحبها بشدة، لم يرزقهما الله بأطفال، حاول أن يتزوج ولكنه في النهاية قرر ألا يفعل لأنه -كما قال- يبحث عن زوجته في كل من يقابلهم ويخشي أن يظلمهم! تعرفت عليه في إحدى الجمعيات الخيرية، ينتهي من وظيفته ثم يعود للبيت ليغير ملابسه و"يتحول" لشخص أخر، بطل "أسطوري" أخر من أصدقائي "الكبار" غريبي الأطوار!
كل ما تبقي من يومه يقضيه في العمل مع الأيتام! يذاكر معهم دروسهم ويطعمهم بيده، يحفظهم القرآن ويحكي لهم عن الصحابة، يؤمهم في الصلاة ويستمع لمشاكلهم الصغيرة، وعندما يكبرون فهو "الأب" الذي لم يعرفوا غيره، يحل مشاكلهم ويتوسط لهم للحصول علي عمل ويستقبلهم في بيته ويذهب معهم ليخطب لهم، يحضر أفراحهم ويبكي عند زفافهم، يستقبل "أحفاده" منهم ويؤذن في "أذانهم" الصغيرة! يحبونه بشدة ويفتخرون بأنه هو من رباهم فأحسن تربيتهم ...!
هذا وقد اتسع قلبه "الكبير" لكل من حوله، فاعتاد أن يفتح بيته للجميع، أزوره من حين لأخر فيستمع لي بحب، ثم يحدثني عن أسرته الكبيرة، تنهمر "دموعه" القريبة عندما يتحدث عن زوجته وكيف أنه اشتاق لها فعلا وأنه يرجو الله أن يجمعهما معاً في مستقر رحمته، تنتهي الزيارة فيودعني عند الباب بصوته "الحنون" طالبا مني أن أرتدي معطفي لأن الجو بارد اليوم، لا أشعر بالبرد مطلقا لأن لقاءه دافئ مثل مشاعره الصادقة!
لكنني ابتسم وارتدي معطفي وأغادر وأنا أشعر أنني قد اقتربت أكثر من "إنسانيتي" وأنني قد صرت أكثر قدرة علي العطاء وأن "الكون" رغم كل الألم والحزن قد صار أكثر جمالا وهدوءا وإنسانية، فقد كنت في صحبة "الطيبين"، ويا لها من صحبة، يالها من صحبة!
||
في صحبة "الطيبين" ... الذين يصنعون الفرحة وينشرون السعادة في الزمن الصعب!
- التصنيف:
- المصدر: