التشريع وتوحيد الألوهية 1/ 4
أبو محمد بن عبد الله
ينبغي على الناس أن يختارون الأنظمة التي يكونون باتِّباعها عُبَّادًا لله –تعالى-، لا عبادًا لغيره شعروا أو لم يشعروا، وأن يفهموا بأنهم بذلك يُجَرِّدون توحيدهم من الشرك، وأن الأمر ليس مجرد إقامة دولة وتطبيق نظام تشريعي لتحقيق الرفاهية أو حل مشاكل الشغل والإسكان!
- التصنيفات: السياسة الشرعية - قضايا إسلامية معاصرة -
إن توحيد الألوهية، الذي هو توحيد العبادة فقد قرره الله تعالى في قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة:21]، وفسرها النبي (صلى الله عليه وسلم) عبادتهم باتباعهم فيما حرموا عليهم وما أحلوا لهم بغير سلطان من الله تعالى. قال شيخ الإسلام بن تيمية:" فقد بين النبي أن عبادتهم إياهم كانت في تحليل الحرام وتحريم الحلال، لا أنهم صلَّوْا لهم وصاموا لهم ودَعَوْهُم من دون الله فهذه عبادة للرجال وتلك عبادة للأموال وقد بينها النبي, وقد ذكر الله أن ذلك شرك بقوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة:31](مجموع الفتاوى، (7، 67)).
وفي الآية الكريمة: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:97-98]، "فإذا كانت التسوية بين الله تعالى وبين خلقه في عبادة من العبادات يُعتبر شركًا وتنديدًا يناقض توحيد العبادة، فكيف بمن سوّى حكم الله تعالى بحكم البشر؟".
وبأوضح ما يكون في قوله عز وجل: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[التوبة: 39-40]، وفي هذه سمى اتِّباع تشريعات الناس اتخاذهم أربابًا، وسمى ما أَمَر به الله تعالى عبادة، وجعل الحكم الذي ليس إلا لله عبادة لا تنبغي إلا لله سبحانه، وهو يدخل في توحيد الألوهية، أي: توحيد العبادة لله-تعالى-. وأن غير ذلك ليس بالدين القيم، لا كما يزعمه بعض المسلمين من أن دينهم قيِّمًا مع ما يخالفون فيه شرائعه وقوانينه، ويلتزمون ما أوحى به أربابُ الأرض المتفرقون من القوانين الوضعية، التي يُحَكِّمونها في الدماء والأعراض والأموال، وفي سِلْم الناس وحربهم!
ويُكذب اللهُ زعمَ إيمانهم، كما قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}[النساء:60]، قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:" فمن خضع لله-سبحانه- وتحاكم إلى وَحْيِهِ، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له "، ثم ذكر الآية السابقة(عبد العزيز بن باز، وجوب تحكيم شريعة الله، ص:7-8).
وهذا العلامة القرآني الشنقيطي-رحمه الله تعالى-يقول: "الإشراك بالله في حكمه، والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظامًا غير نظام الله، وتشريعًا غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن، لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، وكلاهما مشرك بالله"(أضواء البيان:7/ 162).
مِن كل هذا ينبغي على الناس أن يختاروا الأنظمة التي يكونون باتِّباعها عُبَّادًا لله –تعالى-، لا عبادًا لغيره شعروا أو لم يشعروا، وأن يفهموا بأنهم بذلك يُجَرِّدون توحيدهم من الشرك، وأن الأمر ليس مجرد إقامة دولة وتطبيق نظام تشريعي لتحقيق الرفاهية أو حل مشاكل الشغل والإسكان!
ويتبع بمقال: التشريع وتوحيد الأسماء والصفات