المـفـتـي والمـوسـيـقى

منذ 2009-05-07

ولم يذكر لنا المفتي حكم المعازف من القرآن والسنة ومن كلام الأئمة الأربعة المتبوعين، وإليك حكم الكتاب والسنة وأصحاب المذاهب الأربعة في هذه المسألة:


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله أرحم الراحمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآل بيته أجمعين، وبعد:

ففي كتاب البيان للمفتي، وتحت سؤال: ما حكم الإسلام في الموسيقى؟
أجاب المفتي بادئًا بتعريف الموسيقى لغةً واصطلاحًا، وأخَذَ هذا التعريف من الموسوعة الفقهية الكويتية، وانتقى فقط ما ينصر دعواه لا ما ينصر الحق؛ أقول هذا لأن الموسوعة المشار إليها عندما تكلمت عن الموسيقى أو المعازف كما سمَّاها الشرع قالت بتحريمها ولم تذكر خلافًا معتبرًا في ذلك؛ ولكن هذا الحكم لم يناسبه فلم يأخذ به مع أنه قول المذاهب الأربعة وغيرهم كما سيتبين من البحث القادم.

وسنركز على قول علماء المذهب الشافعي أكثر من المذاهب الأخرى؛ لأن المفتي شافعي المذهب قديمًا.

قال الدكتور علي جمعة: إن حكم المعازف (الموسيقى) مختلف فيه. وهذا خطأ فادح لا يليق بمفتٍ أن يقول به، بل ونسب للإمام الغزالي أنه يقول بإباحة المعازف (الموسيقى) وعزا نقله عن الإمام الغزالي إلى كتاب (الفروع) لابن مفلح! وبالرجوع والبحث في الكتاب لم أجد هذا النص! بل وجدت في الكتاب تحريم المعازف، وإليك نص ما هناك [كتاب الفروع و معه تصحيح الفروع، ط1، الرسالة (8/376)]: "ولا يكره دف في عُرس، والمنصوص: ونحوه. وقال الشيخ وغيره: وإن أصحابنا كرهوه في غير عرس، وكرهه القاضي وغيره في غير عرس وختان، ويكره لرجل للتشبه، ويحرم كل ملهاة سواه، كمزمار وطنبور ورباب وجنك". ا.هـ

وكلام الإمام الغزالي إنما هو موجود في [إحياء علوم الدين، ط: دار المعرفة بيروت، (2/287)] ومما قاله الإمام هناك: "فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال فينبغي أن يكون مباحًا؛ ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه كما لا يستكثر من الدواء".

إذن فالإمام يشترط أن يكون اللهو مباحًا؛ ولتعرف ماذا يقول الإمام الغزالي عن المعازف والموسيقى اقرأ النص التالي من كتابه الفقهي (الوسيط)، قال رحمه الله (ط: دار السلام، 7/350): "المعازف والأوتار حرام؛ لأنها تشوق إلى الشرب، وهو شعار الشرب؛ فحرم التشبه بهم".

وقول الإمام الغزالي هذا معروف عند علماء المذهب الشافعي وغيرهم من العلماء.

ثم نسب المفتي للإمام العز بن عبد السلام أنه يقول بأن حكم المعازف (الموسيقى) أمر خلافي، وهذا خطأ أيضًا؛ لأن العز بن عبد السلام يقول بالخلاف السائغ في الدف والشبابة فقط، لا جميع أنواع آلات الموسيقى، وإليك كلام العز بن عبد السلام لترى بعينك:

قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام [قواعد الأحكام في مصالح الأنام، صـ345، 364، ط2، مؤسسة الريان بيروت]: "... الرتبة الرابعة: من تحضره هذه المعارف والأحوال المبنية عليها عند سماع المطربات المختلف في تحليلها كسماع الدف والشبابات، فهذا إن اعتقد تحريم ذلك فهو مسيء بسماعه محسن بما يحصل له من المعارف والأحوال، وإن اعتقد إباحتها تقليدًا لمن قال بها من العلماء فهو تارك للورع باستماعها محسن بما حضره من المعارف والأحوال الناشئة عنها.
الرتبة الخامسة: من تحضره هذه المعارف والأحوال عند سماع المطربات المحرمة عند جمهور العلماء كسماع الأوتار والمزمار فهذا مرتكب لمحرم ملتذ النفس بسبب محرم، فإن حضره معرفة وحال تناسب تلك المعرفة، كان مازجاً للخير بالشر، والنفع بالضر، مرتكباً لحسنات وسيئات ولعل حسناته لا تفي بسيئاته...". ا.هـ

وفي موضع آخر كدليل على قصده أن الخلاف السائغ في الدفَّ والشبابةَ:
قال الإمام العز بن عبد السلام [كتاب الفتاوى، صـ84، ط1، دار المعرفة]: "إذا سمع من لا يفتتن به [أي بالأمرد] كابنه وأبيه وأخته وأخيه ففيه الخلاف المعروف في سماع الدف والشبابة، وإن سمعه من يفتتن به حرم ذلك، وكذلك من يخشى عليه الافتتان بالمُرد أعظم من الافتتان بالنساء؛ لأن المفتتن بالنساء يقدر على التوصل إليه بسبب مباح، وليس الافتتان بالمرد كذلك، ولا يقدم على هذا السماع إلا غني فاجر قد غلبه هواه وعصى مولاه، والله أعلم".

وفي الشبابة قال الرملي الشافعي في [حاشية أسنى المطالب شرح روض الطالب، 4/344، ط: دار الكتاب الإسلامي]: "والعجب كل العجب ممن هو من أهل العلم ويزعم أن الشبابة حلال ويحكيه وجهًا في مذهب الشافعي ولا أصل له، وقد عُلم أن الشافعي وأصحابه قالوا بحرمة سائر أنواع المزامير، والشبابة منها بل هي أحق من غيرها بالتحريم؛ فقد قال القرطبي إنها من أعلى المزامير وكل ما لأجله حرمت المزامير موجود فيها وزيادة فتكون أولى بالتحريم".

ولم يذكر لنا المفتي حكم المعازف من القرآن والسنة ومن كلام الأئمة الأربعة المتبوعين، وإليك حكم الكتاب والسنة وأصحاب المذاهب الأربعة في هذه المسألة:
قال ربُّنا تبارك وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان : 6].

قال ابن كثير في تفسيره (ط2، دار طيبة، 6/331): "...عن أبي الصهباء: أنه سأل ابن مسعود عن قول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقال: الغناء. وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعِكْرِمة، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعلي بن بذيمة، وقال الحسن البصري: أنزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} في الغناء والمزامير".
والمزامير كل ما يُعزف عليه إلا الدف.

وقال القرطبي في تفسيره (ط: دار عالم الكتب، 14/51): {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قال مجاهد: الغناء والمزامير).

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه تعليقًا تحت باب [من يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه] من حديث أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ...».

وهذا الحديث صحيح كما قال أهل الحديث؛ قال الإمام النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم (ط2، دار إحياء التراث العربي، 1/18): "قال الشيخ أبو عمرو [وهو ابن الصلاح] رحمه الله: وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها؛ كمثل ما قال فيه: قال فلان، أو روى فلان، أو ذكر فلان، أو نحو ذلك. ولم يُصِبْ أبو محمد بن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعًا قادحًا في الصحة، واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي وزعمه أنه لم يصح في تحريمها حديث مجيبًا عن حديث أبي عامر أو أبى مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف» إلى آخر الحديث. فزعم أنه وإن أخرجه البخاري فهو غير صحيح لأن البخاري قال فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام، وهذا خطأ من ابن حزم من وجوه: أحدها: أنه لا انقطاع في هذا أصلاً من جهة أن البخاري لقي هشامًا وسمع منه، وقد قررنا فى كتابنا (علوم الحديث) أنه إذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ؛ كان كما يحمل قول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على سماعه منه إذا لم يظهر خلافه، وكذا غير "قال" من الألفاظ. الثاني: أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري. الثالث: أنه إن كان ذلك انقطاعًا فمثل ذلك في الكتابين غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك فى كتاب موضوع لذكر الصحيح؛ خاصة فلن يستجيرا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الإرسال الصادر من غيرهما؛ هذا كله فى المعلق بلفظ الجزم أما إذا لم يكن ذلك منهما بلفظ جازم مثبت له عمن ذاكره عنه على الصفة التي تقدم ذكرها؛ مثل أن يقولا رُوي عن فلان، أو ذُكر عن فلان، أو في الباب عن فلان، ونحو ذلك فليس ذلك في حكم التعليق الذي ذكرناه ولكن يستأنس بإيرادهما له".

وقال الحافظ ابن حجر: [فتح الباري، ط: دار المعرفة بيروت، (10/52)]: (ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف» الحديث، من جهة أن البخاري أورده قائلاً: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابًا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح، والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندًا متصلاً، وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع).

وقال الإمام بدر الدين العيني في عمدة القاري [باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر]: "والمعازف: جمع معزفة، يقال هي آلات الملاهي".

وهذا الحديث واضح جدًّا في تحريم المعازف؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أقوامًا من أمته سيستحلون الحِر وهو الفرج كناية عن الزنا، والحرير وهو محرم لبسه على الرجال إلا لعلة، والخمر، والمعازف، وقد تحقق كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم باستحلال هذه الأشياء؛ فقد أصبح من يقول بتحريمها رجعيًّا لا يفهم شيئًا! بل وحلَّلَها بعض من ينتسب إلى العلم!

وأخرج الإمام النسائي في السنن الكبرى [ط: دار الكتب العلمية، 3/44] بسنده عن الإمام الأوزاعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتابًا وفيه: "... وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جُمتك جمة السوء".

وقال الإمام النووي الشافعي في [روضة الطالبين، ط: المكتب الإسلامي (11/227) وما بعدها]: (غناء الإنسان قد يقع بمجرد صوته وقد يقع بآلة، أما القسم [الأول] فمكروه، وسماعه مكروه، وليسا محرميْن؛ فإن كان سماعه من أجنبية فأشد كراهة، وحكى القاضي أبو الطيب تحريمه، وهذا هو الخلاف الذي سبق في أن صوتها هل هو عورة؛ فإن كان في السماع منها خوف فتنة فحرام بلا خلاف، وكذا السماع من صبي يخاف منه الفتنة، وحكى أبو الفرج الزَّازُ وجهًا أنه يحرم كثير السماع (قلت: لاحظ أنهم يُطلقون السماع على الغناء المجرد من المعازف وليس شرطًا أن يكون المقصود أنه مقرون بالمعازف) دون قليله، ووجه أنه يحرم مطلقًا، والصحيح الأول وهو المعروف للأصحاب.

وأما الحداء وسماعه فمباحان، وأما تحسين الصوت بقراءة القرآن فمسنون، وأما القراءة بالألحان (قلت: بتلحين الصوت لا بالمعازف بالطبع)؛ فقال في المختصر: لا بأس بها. وعن رواية الربيع بن سليمان الجيزي أنها مكروهة، قال جمهور الأصحاب ليست على قولين؛ بل المكروه أن يفرط في المد، وفي إشباع الحركات حتى تتولد من الفتحة ألف ومن الضم واو ومن الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضع الإدغام فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة، وفي أمالي السرخسي وجه أنه لا يكره وإن أفرط.

قلت (والكلام للنووي): الصحيح أنه إذا أفرط على الوجه المذكور فهو حرام صرح به صاحب الحاوي؛ فقال هو حرام يفسق به القارىء ويأثم المستمع؛ لأنه عدل به عن لهجة التقويم، وهذا مراد الشافعي بالكراهة.

ويسن ترتيل القراءة وتدبرها والبكاء عندها، وطلب القراءة من حسن الصوت والجلوس في حلق القراءة، ولا بأس بترديد الآية للتدبر، ولا باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها، وهو أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها، وقد أوضحت هذا كله وما يتعلق به من النفائس في (آداب حملة القرآن) والله أعلم.

القسم الثاني: أن يغني ببعض آلات الغناء مما هو من شعار شاربي الخمر وهو مطرب كالطنبور والعود والصنج وسائر المعازف والأوتار يحرم استعماله واستماعه، وفي اليراع وجهان، صحح البغوي التحريم، والغزالي الجواز، وهو الأقرب وليس المراد من اليراع كل قصب؛ بل المزمار العراقي وما يضرب به الأوتار حرام بلا خلاف، قلت: الأصح أو الصحيح تحريم اليراع وهو هذه الزمارة التي يقال لها الشبابة، وقد صنف الإمام أبو القاسم الدولعي كتابًا في تحريم اليراع مشتملاً على نفائس وأطنب في دلائل تحريمه، والله أعلم.

أما الدف فضربه مباح في العُرْسِ والختان، وأما في غيرهما فأطلق صاحب المهذب والبغوي وغيرهما تحريمه، وقال الإمام الغزالي حلال وحيث أبحناه هو فيما إذا لم يكن فيه جلاجل فإن كان فالأصح حله أيضًا).

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي [أسنى المطالب في شرح روض الطالب، ط1، دار الكتب العلمية (4/344-345]: "وأما الغناء على الآلة المطربة كالطنبور والعود وسائر المعازف أي الملاهي والأوتار وما يضرب به والمزمار العراقي وهو الذي يضرب به مع الأوتار وكذا اليراع وهو الشبابة فحرام استعماله واستماعه، وكما يحرم ذلك يحرم استعمال هذه الآلات، واتخاذها لأنها من شعار الشربة وهي مطربة".

وقال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في [مغني المحتاج، ط: دار الفكر (4/429)] وما بين القوسين() هو (منهاج الطالبين وعمدة المفتين) للنووي وما خارجهما هو (مغني المحتاج)، قال: "(ويحرم استعمال) أو اتخاذ (آلة من شعار الشربة) جمع شارب، وهم القوم المجتمعون على الشراب الحرام، واستعمال الآلة هو الضرب بها (كطُنبور) بضم الطاء ويقال الطنبار (وعود وصنج) وهو كما قال الجوهري صفر يضرب بعضها على بعض وتسمى الصفاقتين لأنهما من عادة المخنثين (ومزمار عراقي ) بكسر الميم وهو ما يضرب به مع الأوتار (و) يحرم (استماعها) أي الآلة المذكورة لأنه يطرب ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» قال الجوهري وغيره: المعازف آلات اللهو، ومن المعازف الرباب والجنك (لا) استعمال (يراع) وهو الشبابة سميت بذلك لخلو جوفها فلا تحرم (في الأصح) لأنه ينشط على السير في الأصح (قلت الأصح تحريمه والله أعلم) كما صححه البغوي وهو مقتضى كلام الجمهور ... وقال السبكي: السماع على الصورة المعهودة منكر وضلالة وهو من أفعال الجهلة والشياطين، ومن زعم أن ذلك قربة فقد كذب وافترى على الله ومن قال إنه يزيد في الذوق فهو جاهل أو شيطان ومن نسب السماع إلى رسول الله يؤدب أدبًا شديدًا، ويدخل في زمرة الكاذبين عليه صلى الله عليه وسلم ومن كذب عليه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، وليس هذا طريقة أولياء الله تعالى وحزبه وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل طريقة أهل اللهو واللعب والباطل وينكر على هذا باللسان واليد والقلب. ومن قال من العلماء بإباحة السماع فذاك حيث لا يجتمع فيه دف وشبابة ولا رجال ونساء ولا من يحرم النظر إليه).

قلت: فهذا توجيه من الإمام السبكي لكلام من أجاز السماع من أهل العلم أن يكون بغير دف فما بالك بما فوقه؟! وفيه رد على مُدَّعي التصوف والزهد في زماننا من أصحاب الطرق الصوفية الذين يعبدون الله تعالى بالرقص والبدع.

وقال كمال الدين بن الهمام الحنفي في [شرح فتح القدير، 7/410، ط: دار الفكر]: "وفي مغني ابن قدامة: الملاهي نوعان: محرم؛ وهو الآلات المطربة بلا غناء كالمزمار والطنبور ونحوه، لما روى أبو أمامة أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله تعالى بعثني رحمة للعالمين، وأمرني بمحق المعازف والمزامير». والنوع الثاني: مباح؛ وهو الدف في النكاح، وفي معناه ما كان من حادث سرور.
ويكره غيره لما عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا سمع صوت الدف بعث ينظر، فإن كان في وليمة سكت، وإن كان في غيره عمد بالدرة".

وقال ابن نجيم المصري الحنفي في [البحر الرائق، ط: دار المعرفة، (7/88)]: (ونقل البزازي في المناقب الإجماع على حرمة الغناء إذا كان على آلة؛ كالعود).

انظر إلى هذا الإجماع، وانظر لمن يحكي في المسألة الخلاف، واعجب من هذا الزمان، حسبنا الله ونعم الوكيل.

وقال الإمام الدسوقي المالكي في [حاشيته على الشرح الكبير، ط: دار الفكر، (4/18)]: (... وأما في غير النكاح فالحرمة في الجميع قولاً واحدًا، وقوله في غير النكاح يشمل العقيقة والختان والقدوم من سفر ونحوه).

إذن فالأمر متفق عليه وليس فيه خلاف كما زعم المفتي إرضاءً منه للفنانين والفنانات!
وقال الإمام عبد الرحمن بن قدامة الحنبلي في الشرح الكبير، ط: دار الكتاب العربي، (12/48-49)]: "وهي [أي الملاهي] على ثلاثة أضرب: 1- محرم: وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها فمن أدام استماعها ردت شهادته ...).

تـُرد شهادة من أدام سماع الموسيقى لأنه يصير فاسقـًا.

وجاء في الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي (ط: دار المعرفة، 2 /193): "وقال الإمام أبو العباس القرطبي: أما المزامير والأوتار والكوبة فلا يختلف في تحريم سماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا في تفسيق فاعله وتأثيمه).

تأمل كلام القرطبي رحمك الله.
وقد ذهب جمهور الفقهاء: المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية إلى تحريم بيع المزمار وآلات اللهو المحرمة كالمعازف، وقالوا: لا يجوز تعلمها وأخذ العوض على تعليمها، وأنه لا تقبل شهادة المستمع للمعازف المحرمة وتسقط عدالته) [انظر الموسوعة الفقهية الكويتية، (37/108-109)].

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يحرم اتخاذ (أي: وضعها في البيت مثلاً) آلة اللهو (المعازف) المحرمة ولو بغير استعمال لأن اتخاذها يَجُرُّ إلى استعمالها، ولا يصح عند المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد وعليه الفتوى عند الحنفية بيع وإجارة وإعارة المعازف المحرمة كالطنبور والصنج والمزمار والرباب والعود. [انظر الموسوعة الفقهية الكويتية، 38/177وما بعدها]
وجاء في عون المعبود [13/185]: (وفي كتاب المستطرف في مادة عجل نقل القرطبي عن سيدي أبي بكر الطرطوشي رحمهما الله تعالى: أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان فيقرءون من القرآن، ثم ينشد لهم الشعر فيرقصون ويطربون، ثم يضرب لهم بعد ذلك بالدف والشبابة؛ هل الحضور معهم حلال أم حرام؟ فقال مذهب الصوفية (ويقصد العلماء الزاهدين ممن كانوا على منهاج أهل السنة والجماعة من العلماء المتقدمين، لا ما ابتلانا الله بهم من المنسوبين إلى الصوفية في زماننا من أصحاب الطرق كالنقشبندية والبرهانية وغيرهما) أن هذه بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لمَّا اتخذوا العجل؛ فهذه الحالة هي عبادة العجل، وإنما كان النبي صلى الله عليه و سلم مع أصحابه في جلوسهم كأنما على رءوسهم الطير مع الوقار والسكينة، فينبغي لولاة الأمر وفقهاء الإسلام أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم).

وبذلك تعلم أيها القارئ مخالفة المفتي لعلماء الأمة المعتبرين، وتعلم شذوذ قوله: "ومسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية ليست من أصول العقيدة وليست من المعلوم من الدين بالضرورة".

بل هي من المعلوم من الدين بالضرورة عند أهل العلم قديمًا؛ أما في زمان الجهل الذي نحيا فيه فنعم، والواجب بيان حكم الله تعالى ثم حكم النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة، ثم نقل كلام أهل العلم إلى الناس دون بتر أو تحريف، وكما رأيتَ مما سبق أن بعض أهل العلم نقل الإجماع على حرمة المعازف (الموسيقى).

ونختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [مجموع الفتاوى، (11/567)]: قال: "فمن فعل هذه الملاهي على وجه الديانة والتقرب فلا ريب في ضلالته وجهالته، وأما إذا فعلها على وجه التمتع والتلعب فذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام فقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير، والمعازف هي الملاهي كما ذكر ذلك أهل اللغة، جمع معزفة وهي الآلة التي يعزف بها أي يصوت بها، ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعًا".

وفي ذلــك كــفــــايــة لأهــل التقوى الحريصين على تحري الحق والصواب، وهناك الكثير من المسائل في كتاب المفتي المومى إليه خالف فيها الحق، ولا أبالغ إذا قلت إن أغلب الكتاب مخالف للحق، وجامع للآراء الشاذة الغير معتبرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولعل الله تعالى ييسر تناول مسألة أخرى من كتابه، واسأل الله أن يثبتنا على اتباع كتابه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجنبنا البدع والزلل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عل خاتم المرسلين وأهل بيته أجمعين.

معتز رضا زاهر

مدونة السراج الوهاج








المصدر: مدونة السراج الوهاج
  • 22
  • 0
  • 49,355
  • الخباب بن الارت

      منذ
    [[أعجبني:]] الإتيان بأقوال أهل العلم
  • nadeem

      منذ
    [[أعجبني:]] تقبل الله عملك ونفع بنصحك، ولا تبتئس من تعليقات بعض الجاهلين، الذين لا يزنون الأمور إلا بالشهرة، وحسبنا قول ربنا "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"، وهل هذه أول بواقع مفتي الضلالة!! حرم الختان، وبدع بن القيم وشيخ الإسلام، قبورى المذهب أفاك كم نسب لأهل العلم ما لم يتلفظ به أحدهم، ليغتر الناس بقوله ولعلمه أن أحدا لن ينقب وراءه...أخي عليك به واكف المسلمين سوأته
  • nada

      منذ
    [[أعجبني:]] totto la massage
  • عبدالكــريم الصومالي

      منذ
    [[أعجبني:]] في الحقيقه اشكركم على هذا المقال. في الآونه الاخيرة طلع علينا مَن يسمون بالمفتون بال هم في الحقيقه مفتون على هواهم ليس من وحي كتاب الله وسنة نبيه عليه افضل الصلاة والسلام وهذا الامر يستدعي وجود العلماء الرّبانين لتوضيح الامور على حيقتها من خلال قال الله وقال رسول الله ويضاً لتصدي لأمثال لهؤلاء الضالين المضلين [[لم يعجبني:]] في البدايه اود ان اشكر القائمين على هذا الموقع الذي هو والله مناره يستضاء منها واسئل الله القدير رب العرش الكريم ان يجعل ما تقدمون في موازين حسناتكم ويجعلها الباري ذخرً لكم في يومٍ تتقلب في الابصار وانا والله من اشد المتابعين لهذ الموقع من دروس و مقالات وكل جديد وارجو ان تستمروا لبذل كل غالي ونفيس في سبيل تبين الحق لضعاف النفوس مثلي ومن شاكلني شاء من شاء وابى من ابى وفي الخاتم ادعو الله الكبير ان يجمع شمل المسلمين في كل مكان آمين يارب العالمين
  • Muhamad Helmy

      منذ
    [[أعجبني:]] الأدلة ممتازة وحاضرة وبينة الحجة وأسلوبه مهذب جدا جزاك الله خيرا [[لم يعجبني:]] يا ريت سيادته(المفتي) يسمع ويرحمنا من فتوايه مثل قوله في رؤية النبي في اليقظة وغيره أسأل الله أن يهديه لأن المسلمون يجتمعون عليه في مصر
  • عابرة سبيل

      منذ
    [[أعجبني:]] اتفق مع الكاتب واعتقد ان اقوى دليل صريح هو قول النبي صلى الله عليه وسلم "ليكن اناس من امتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" فلو كان الزنى(الحر) والحرير للرجال والخمر مباح فإن المعازف ايضاً مباحة. ولكن ماذا نقول فيمن غلب الهوى على عقله. طالباتي عندما اناقشهم في الغنا يقولون لي مثل مايقول مفتي مصر انه امر مختلف فيه.
  • الحاج

      منذ
    [[أعجبني:]] ;ل ما ورد في المقالة كان جيدا والحمد لله
  • nada

      منذ
    [[أعجبني:]] ككككككككككيييييييييييييففففففففففففف تقدرون تسمعون الأغاني الا تخاف ان يسلب الله سمعك وتصبح بين الناس تمشي بلا سمع
  • عمر محمد

      منذ
    [[أعجبني:]] الشرح الوافى والتوضيح الكافى للمسألة وطريقة سرد الأدلة والآراء الفقهية. [[لم يعجبني:]] عدم ذكر الرأى الكامل للمفتى قبل الرد والتحليل ودحض الرأى وكان ينبغى سرد رأيه كاملا بدون تعليق حتى يتثنى لنا معرفة أدلته وآراءه كاملة وهذا من باب أمانة العلم وحرية الرأى المكفولة شرعا والسماع الى الرأى والرأى الآخر بدون تحريف أو تهكم أو انتقاص من قدر قائله وهذا من أدب الاختلاف فى الإسلام
  • الحويلى

      منذ
    [[أعجبني:]] لا أعرف من كاتب المقال هذا ولا رتبته العلميةولا من شيوخه حتى أقتنع برأيه الذى أراه مليئا بالهوى والتجنى على رمز من رموز الإسلام والذى نعرفه جيدا ونعرف ورعه وتقواه

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً