كيف تأكل بقرة

منذ 2009-05-16

لو أنك... لو أنك... إلى غير ذلك من الأهداف، آه... نسيت أن أقول: لو أنك تجاهد نفسك في كل شهر للتحلي بخلق من أخلاق الإسلام، والتخلي عن خلق لا يرضاه الله -عز وجل- فكيف ستكون أخلاقك بعد هذه المدة من المجاهدة؟؟


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأعلم مسبقـًا الردود والخواطر التي ستتوارد عليك بعد قراءة هذا العنوان، ليس رجمًا بالغيب ولكن سبرًا للنفوس واستنتاجًا من التجارب.

مستحيل! لا أستطيع! وكيف يكون ذلك؟! تلك نماذج للإجابة على سؤالي، ولعل الأخير هو أفضلها إذ لم يغلق الباب، بل إستفهم عن الوسيلة للوصول إلى الهدف، وتلك بداية صحيحة، إذ إن كثيرًا من الأهداف قد تبدو صعبة أو مستحيلة على السائر في الطريق، لكنه وببعض التفكير والتروي والتباحث يصل إلى تحقيقها بسهولة ويسر، وتلك سمة من سمات الطريق إلى الله -عز وجل-، ومعلم من معالم مجاهدة النفس وتغيرها.

فبعضنا يقرأ عن التغيير ويعجبه الكلام، ويطالع الكثير من الأهداف ويأخذ بلبه بَريقها؛ لكنه حين يأتي إلى جانب التطبيق نجد التماوت، والتكاسل، وربما اليأس!

وإن من أهم أسباب ذلك:

التعجل وعدم مراعاة سنن السير في هذا الطريق، أو طول المدة على البعض مع بطء أو تأخر النتائج، فلربما ترك أمر المجاهدة بالكلية وعاد من حيث أتى ولما يحقق أهدافه.

هذا وإنَّ فهْم سنة التغيير والتعرف على معالمها سبب رئيس للحصول على نتائجها والتمتع بجني ثمارها، وإن من أهم هذه السنن أو تلك الخصائص ما أردته من عنوان هذا المقال: كيف تأكل بقرة؟ فمن قال الآن مستحيل أو لا أستطيع فقد سدَّ الباب على نفسه، أما من سأل فالسؤال نصف العلم ومفتاح الخير؛ فنقول: لربما قد تكون أكلتَ بَقرًا وليس بقرة واحدة! فخلال سني عمرك وبعملية حسابية يسيرة يمكنك أن تتأكد من ذلك بحساب مقدار اللحم الذي أكلته خلال 10 سنوات أو عشرين سنة فلربما أكملت بقرة أو بقرات.

إذن فتقسيم البقرة على الأيام والوجبات يوصل في النهاية إلى الإنتهاء منها، أي الوصول للهدف الذي رآه البعض مستحيلاً، ونفس الأمر في موضوع السير إلى الله -عز وجل- فقد يبدو التغيير مستحيلاً لدى البعض الذي عاش حياة البعد عن الله -عز وجل-، وتأصلت وتجذرت فيه الكثير من الصفات والتي يراها حائلاً بينه وبين الوصول إلى الله -عز وجل-، حائلا بينه وبين الإلتزام؛ فإما التغيير السريع الشامل وإما أن يبقى على ما هو عليه، لا أعني بذلك التدرج في المعصية؛ إذ عندنا الدستور النبوي: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ» [متفق عليه]، بخلاف المأمور به فقد قيد فعله بالإستطاعة في الشطر الثاني من هذا الحديث: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [متفق عليه]، وصدق -صلى الله عليه وسلم- فالكل يستطيع اجتناب المحرمات؛ لأن الأمر تقرب إلى الله بالترك، بخلاف فعل الطاعات فالناس فيها درجات ما بين مقل ومكثر وهذا بعد الإتيان بالفرائض، بل إن الفرائض نفسها ترتبط بالإستطاعة «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» [رواه البخاري].

أيها القارئ الكريم:

لدينا الكثير من الأهداف والتي عزمنا على الوصول إليها مع الخطوات الأولى لنا في طريق الإلتزام: تحصيل علم، زيادة إيمان، بذل في دعوة، تغيير صفات، تخلص من آفات... إلى غير ذلك، وكل هذه الأهداف -وبإذن الله تعالى- يمكن تحقيقها بمراعاة سنة التدرج؛ فلو أنك منذ التزمت تحفظ كل يوم نصف صفحة أو ربعها ففي خلال ثلاث سنوات تكون قد حفظت القرآن كاملاً تقريبًا.

لو أنك منذ التزمت تجاهد نفسك في المحافظة على تكبيرة الإحرام لصرت بعد هذه السنوات أيضًا ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد.

لو أنك ومنذ هذه السنوات تقرأ كل يوم صفحة واحدة لكنت قد انتهيت من تفسير القرآن كله -تفسير السعدي كمثال- فكيف لو كانت خمس صفحات مثلاً؟

لو أنك وخلال هذه السنوات وضعت لنفسك نظامًا في الصيام فداومت على صيام الإثنين والخميس أو الأيام البيض لأبعدك الله -عز وجل- عن النار "39.600عامًا"! كما ثبت في حديث في "صحيح الجامع" أن صيام اليوم الواحد يباعد العبد عن النار مائة عام[1].

لو أنك وفي هذه الأعوام قمت بالدعوة إلى الله وبمعدل شخص واحد من الأقارب أو غيرهم وكثـَّفت عليه الدعوة خلال شهر واحد، أي تدعو فردًا واحدًا في كل شهر وتتابعه إيمانيًّا، وسلوكيًّا: بكتيب... بشريط... بهدية قبل ذلك تفتح بها قلبه... باصطحابه لدرس علم... بربطه برفقة صالحة... إلى غير ذلك من وسائل الدعوة لو فعلت ذلك ففي هذه السنوات لكانت المحصلة "36 فردًا" -بإذن الله- ينضمون إلى الطريق إلى الله -عز وجل-.

لو أنك... لو أنك... إلى غير ذلك من الأهداف، آه... نسيت أن أقول: لو أنك تجاهد نفسك في كل شهر للتحلي بخلق من أخلاق الإسلام، والتخلي عن خلق لا يرضاه الله -عز وجل- فكيف ستكون أخلاقك بعد هذه المدة من المجاهدة؟؟

ولا تنس قول النبي--صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ أَحَبّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْم الْقِيَامَة أَحَاسِنكُمْ أَخْلاقًا» [رواه الترمذي، وحسنه الألباني«إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» [رواه أبو داود، وصححه الألباني]؛ بأن تلزم كتابًا من كتب الأخلاق الإسلامية تطالع فيه الأخلاق وتتعرف عليها، وتجاهد نفسك على التحلي بها وهكذا...

ما رأيك أخي القارئ في هذه النتيجة؟

أظنك وفي هذه اللحظة تقول في نفسك: ليتني فعلاً فعلت ذلك، ليتني حددت لنفسي شيئًا من هذه الأهداف، ومع سنة التدرج كنت قد وصلت إلى شيئ من هذه الأهداف ومع سنة التدرج كنت قد وصلت إلى شيء من هذه الانجازات. وأقول: دعك من لعل... ليت... لو أني... وقم بنا إلى العمل... وانزل ساحة المجاهدة، وشمر عن ساعد الجد، وضع لنفسك منهجًا ونظامًا، واتخذ لنفسك رفقة خير تعينك على الطاعة، وابحث عن متابع تطلعه على نتائج تلك المجاهدة وتستفسر منه عما يشكل عليك من مسائل العلم، وتستوضحه عن معالم الطريق إلى الله -عز وجل-، ولا تغفل عن أهم ما في الموضوع وهو التدرج والمحاسبة؛ فإنك إن تركت نفسك ولا محاسب مرت الأيام عليك ولم تتحرك من مكانك كما مرت سنون على إلتزامك ولما تحقق ما صبوت إليه.

أخي الكريم: لا يأس... لا قنوط... فيك خير -إن شاء الله-؛ فاستعن بالله ولا تعجز، ولأن تلقى الله وأنت تجاهد خير وأفضل من أن تلقاه متكاسلاً مفرطـًا، وبمرور الأيام ومع المداومة على المطالعة والتحصيل وإتباع العلم العمل، والبحث عن دور في الدعوة إلى الله والبذل والتضحية لهذا الدين تتغير -إن شاء الله-.

بالله ثق، وله أنب، وبه استعن؛ فإذا فعلت فأنت خير معان، سدد الله خطاك، وثبتك على طريقه وزادك إيمانًا ويقينًا، ومن هنا نبدأ وفي الجنة اللقاء -إن شاء الله-.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- أنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ» [رواه النسائي وحسنه الألباني].

كتبه/ إيهاب الشريف
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف








المصدر: صوت السلف
  • 4
  • 1
  • 6,492

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً