لماذا لا نعالج الأخطاء بحكمة؟!

منذ 2015-10-20

من منا جمع الحجارة التي كان الآخرون يرمونه بها، وصنع منها بناء عظيما، عجز أولئك عن مجاراة روعته؟

كان داخل المقلمة، ممحاة صغيرة، وقلمُ رصاصٍ جميل. ودار هذا الحوار بينهما:
الممحاة:‏ كيف حالكَ يا صديقي؟
القلم: لستُ صديقكِ!‏
الممحاة: لماذا؟‏
القلم: لأنني أكرهكِ.‏
الممحاة: ولمَ تكرهني؟‏
القلم:‏ لأنكِ تمحين ما أكتب.‏
الممحاة: أنا لا أمحو إلا الأخطاء.‏
القلم: وما شأنكِ أنتِ؟!‏
الممحاة: أنا ممحاة، وهذا عملي.‏
القلم: هذا ليس عملاً!‏
الممحاة: عملي نافع، مثل عملكَ.‏
القلم: أنتِ مخطئة ومغرورة.‏
الممحاة: لماذا؟‏
القلم: لأنّ مَنْ يكتبُ أفضلُ ممّنْ يمحو‏.
قالت الممحاة:‏ إزالةُ الخطأ تعادلُ كتابةَ الصواب.‏
أطرق القلم لحظة، ثم قال:‏ صدقْتِ يا عزيزتي!‏
الممحاة: أما زلتَ تكرهني؟‏
القلم: لن أكره مَنْ يمحو أخطائي. ‏
الممحاة: وأنا لن أمحوَ ما كان صواباً.‏
القلم:‏ ولكنني أراكِ تصغرين يوماً بعد يوم!‏
الممحاة: لأنني أضحّي بشيءٍ من جسمي كلّما محوْتُ خطأ.‏
قال القلم محزوناً:‏ وأنا أحسُّ أنني أقصرُ مما كنت!‏
قالت الممحاة تواسيه:‏ لا نستطيع إفادةَ الآخرين، إلا إذا قدّمنا تضحية من أجلهم.‏
قال القلم مسروراً:‏ ما أعظمكِ يا صديقتي، وما أجمل كلامك!‏
فرحتِ الممحاة، وفرح القلم، وعاشا صديقين حميمين، لا يفترقانِ ولا يختلفان.

أخطاؤنا هي علامات مؤثرة في سيرة حياتنا، لا نملك التغافل عنها، كما لا نملك التنصل منها، وحياتنا مليئة بالأخطاء على مستوى الفرد والجماعات والمجتمعات، ولكن تلك الأخطاء لا تعني دائماً الفشل وكذلك لا تعني دائماً الانحراف عن السبيل .. فالخطأ إذا صوّب وقوّم، صار تجربة للتعلم والانطلاق، وربما يصير دافعا قويا للنجاح والإنجاز.

إن الاعتراف بالخطأ أسلوب تربوي رائع للنفس، بالإضافة إلى أنه يريح المتكلم، والمستمع، ويجعلنا تقبل النقد. لكن وللأسف .. أكثرنا – إلا ما رحم ربي - حين يغشانا الخطأ في أمر نبحث عن التبرير دون الوقوف للحظة في معقل واقعنا واستكشاف ماهيتنا ومعالجتها فقط .. نبحث عن التبرير والتبرير مع وجود ما يدلنا على الحقيقة، ولكن قد لا نريد ذلك! .. أكثرنا حين نستمع للنقد نغير ما حولنا دون أن نغير شبراً من قناعاتنا، ونقضي جُل أوقاتنا بالتمثيل لئلا يكتشفوا تلك القناعة، فنخسر الوقت، ونخسر بناء النفس على الاندماج بالواقع، ونعيش بقناعة في غير محلها!

وتعاملنا مع الآخرين يجب أن لا يكون على أساس أننا وهم أجزاء من آلة لا يقع فيها الخطأ - فالآلة تخطئ في بعض الأحيان - بل يجب أن نضع في اعتبارنا أن الطبيعة البشرية تصيب وتخطئ، وهي ليست معصومة. كذلك من الأمور الهامة في التعامل مع الأخطاء أن لا نضخمها، وأن نعطيها حجمها الطبيعي، وأن لا نتغافل عنها، وأن لا نتعود عليها، وأن نتعامل معها باعتبارها أمور محتملة الوقوع، وقابلة للعلاج في نفس الوقت.

معظم الناس أيضا لا ينظرون إلى الخطأ بطريقة مجردة أو بمعنى آخر بطريقة تحليلية، فلو أخطاء شخص في جزئية معينة، فإنه يعمم الخطأ على بقية الأجزاء. والأشد من ذلك أن يتجه بالخطأ إلى الشخصية، فيأخذ الإخفاق على أنه نقص في الشخصية، ولهذا فمن المهم جداً أن تنظر إلى الخطأ بصورة موضوعية «كسبب ونتيجة» فإذا أخطأنا في مسألة لا يعني نقصا في شخصيتنا أو أن حظنا عاثر؛ بل إننا لم نسلك الطريق الصحيح، ولم نتبع السبب المناسب كما قال الله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} [الكهف:85]؛ فالأمور لا تؤخذ غلابا وإنما تؤخذ بإتباع الطرق الصحيحة.

فإذا كنت أنت المخطئ بحق الآخرين، سواء كان في الآراء والأفكار، أو في مجالات التعامل الأخرى، ففي هذه الحالة لا بد أن تكون صريحاً مع نفسك، وأن تبصر عيوبك قبل أن تبصر عيوب غيرك، وأن تعترف بأخطائك أمام نفسك دائماً.

يقال أن سقراط كان جالساً ذات يوم مع أحد تلاميذه على حافة بركة فيها ماء راكد، فقال سقراط لتلميذه: ما هذه البركة؟ قال التلميذ: إنه الماء. إلا أن سقراط بدأ يستدل له أن ذلك ليس ماء، وأورد عشرات الأدلة على ما ذهب إليه. واستسلم التلميذ لأستاذه رغم قناعته بعكس ما قال. غير أن سقراط مد يده إلى البركة، واغترف كفاً من الماء، ثم رماه في البركة، وقال لتلميذه: هذه الحقيقة أكبر دليل لك على أنه ماء، وأن ما ذهبت إليه ليس صحيحاً.

أما إذا أخطأ الآخرون بحقك، فالمطلوب أن تبدأ بأخطائك أولاً قبل أن تنتقدهم. وفي نقدك لهم يجب أن تكون أخلاقياً، بحيث يشجعهم النقد على الاعتراف بأخطائهم والإقلاع عنها، وليس المطلوب أن تهينهم وتجرح مشاعرهم، وتجعلهم يتعنتون لأخطائهم.

إن المخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ، وإذا كان بهذه الحالة فمن الصعب أن توجه له لوماً مباشراً وعتاباً هادفا، وهو يرى أنه مصيب. إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ ولذلك من المهم أن نزيل الغشاوة عن عينه ابتداء ليبصر الخطأ.

جاء شاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا بكل جرأة وصراحة فهمَّ الصحابة أن يوقعوا به؛ فنهاهم وأدناه وقال له: «أترضاه لأمك؟!» قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم» قال: «أترضاه لأختك؟!»  قال: لا، قال: «فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم»(رواه أحمد)؛ فكان الزنا أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد.

وكذلك في قصة معاوية بن الحكم حيث قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: "يرحمك الله"، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: "ما شأنكم تنظرون إلي" فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ـ ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ـ فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»(رواه مسلم).

وإذا وصلت إلى طريق مسدود مع الآخرين فحاول أن تتجاوز الطرق التقليدية التي اعتدت اللجوء إليها، وحاول أن تنظر للأمور من زاوية مختلفة، أي حاول القفز من على الحواجز واعكس الأدوار لرؤية الأمور من وجهة نظر الطرف الآخر، تبادل الأدوار معه أو مثل الدورين بنفسك ولكن بصوت مسموع، لأنك بذلك تفتح لنفسك آفاقا أوسع وتكتسب المنطقية والواقعية في تحليلك للمشكلة والوصول معه لحل نموذجي وواقعي لها بإذن الله تعالى.

ويمكن أن تستعين بمن يساعدك في تصحيح الأخطاء، بشرط أن يتوافر فيهم العدل والشفافية والبعد عن المصلحة الشخصية، والسلامة من الخلافية أو العدائية، فإنه ناظر داود الظاهري أحدهم، رد عليه ذلك الشخص، وقال له: إذا كنت تقول كذا وكذا؛ فقد كفرت والحمد لله. قال له داود: لا حول ولا قوة إلا بالله! كيف تفرح لكفر أخيك المسلم؟

من روائع الكلم

  • تستطيع أن تباهي بأخطائك، فقط حين تجعلها نقطة تحول للصواب.
  • من منا جمع الحجارة التي كان الآخرون يرمونه بها، وصنع منها بناء عظيما، عجز أولئك عن مجاراة روعته؟
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 5
  • 0
  • 11,925

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً