هل نحن حقًا على الحق؟!
إنَّ أمة الإسلام باقية برحمة من الله إلى قيام الساعة، وهذا ما يعطينا نبضات من الأمل ويكسر قانون الغاب، وقواعد الحياة الدنيا، لأننا وحدنا الممسكون بحبل السماء الآملون في ومضاتها الإستثنائية من الفوز والتغيير.
هل نحن على الحق وغيرنا على باطل؟
فلماذا تأخر النصر إذًا، ولماذا تتناسب المآسى طرديًا مع الزمن؟
تأملت منظرًا حيًا في حديقة للحيوان لغراب ينهش فريسة -خِلسة- من قصعة نَمِر وقد عفا النمر عن بقية الفريسة فسلمها زاهدا فيها...
ولا أدري من أين أحاط بي الوجع برهة، وتذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( ).
[الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحدث : الألباني، المصدر :صحيح الجامع، [الرقم: 8183]، خلاصة حكم المحدث : صحيح].
فالأكلة بعضهم نمور وبعضهم ثعالب وبعضهم نسور وغربان يتوارى بعضهم من بعض أحيانًا، ويتساومون على القصعة أحيانًا؛ لكنهم على أي حال أكلة وليس آكل واحد.
وحينما تنبطح الفريسة وينكب خدّها على الأرض ويتمكن منها المفترس فإن أكثر ما يتأذى منها هو العضو الأكثر مقاومة؛ وأما الأقل مقاومةً فهو الأسرع خلَاصًا في فم الآكل.. فيظل هادئ الروع حتى يتماهى في جسد أحد الأكلة وفضلاته.
لكن أمة الإسلام باقية برحمة من الله إلى قيام الساعة، وهذا ما يعطينا نبضات من الأمل ويكسر قانون الغاب، وقواعد الحياة الدنيا، لأننا وحدنا الممسكون بحبل السماء الآملون في ومضاتها الإستثنائية من الفوز والتغيير.
وأمامنا تحديان: الأول: هو الاحتفاظ بحبل السماء في أيدينا كي لا يسخط الله علينا ونراه في يد قوم غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا!
والثاني: الاحتفاظ بيقين الغاية الكبرى حيًا في واقعنا؛ فالإيمان بالآخرة ينمى في القلوب الأمل والثقة بالنصر ويقرب التصور عن لحظية الحياة الدنيا مقارنة بالآخرة، ويذكرنا بصفات الله تعالى الأبدية الأزلية من القدرة والإحاطة والعزة والولاية والتي هي أكبر من كل القواعد والقوانين المادية.
فلحمنا ودمنا لن ينفذ وإن نُهش ونُبش فلا يزال يتجدد طالما باب التوبة مفتوح، لأننا لسنا سوى وسيلة لتحقيق وعد الله على الأرض.
ولا يزال الأمل صامدًا والنصر بين يديه، منتظرا قناعتنا الغائية حتى يتنزل على جبل الحياة.
وأعضاؤنا المقاوِمة -حقيقةً- هي أداتنا الأساسية لهذه الوسيلة على عكس ما يبدو وما يصوره لنا عبيد الأكلة وذباب القصعة أصحاب النفوس الدنيئة أولئك الذين لا يتنفسون سوى رائحة اللحم النييء، ويتأذون من نسمات الصباح.. وعبير الحق الصراح.
وعلينا نحن أن نستشعر معنى الجسد الواحد كما بينه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم لا عكسه، فإن كنت حقًا مسلمًا؛ فعليك أن تعي خطورة موقفك في هذه الحياة، وأهمية دورك كشاهد على الأمم وداعٍ إلى ناموس الكون على هذا الكوكب.
علينا أن نتحرر إذًا من الأفكار البراجماتية، والمصالح الفردية قصيرة النظرة، والمادية ضيقة التصور، وتعزيز قيم باتت كالحكايا في عالمنا كمفهوم التضحية، والنظرة الكلية المشتركة للمصير الجماعي للأمة...
فهذا ما يريده الله لنا وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات الحاثّة على العمل الجماعي والاعتصام والنهى عن التنازع وأنه طريق الفشل.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معنى الجسد الواحد في أكثر من حديث مثل حديث (
[الراوي : النعمان بن بشير، المحدث : مسلم، المصدر : صحيح مسلم، [الرقم:2586].
والحديث الثاني الذي ذكر أولا، ففيه دلالة ظاهرة على أن الجسد واحد إذا سقط جزؤه سقط كله وأن العدو مشترك وإن اختلفت بنيته ونيته وكياناته.
علينا إذًا أن نرسم تصور الجسد الواحد في أحلامنا، وآمالنا وحتى آجالنا ومستقبلنا الدنيوي والأخروي، وفي أفعالنا وهيئتنا وبنيتنا، وفي تخطيطنا وتدبيرنا.
وليكن بتغيير لغة الخطاب إلى الهدف المشترك إلى صيغة الجمع، فالرؤية الشمولية لمنهج الإسلام لا تكمن فقط في المنهج ولا المؤلفات بل أيضًا في عقول وقلوب أفراد الأمة فردًا فردًا، وهذا ما يخرج المنهج الإسلامي من حيز التنظير إلى حيز التنفيذ.
ولنمض معًا بعد تلكم الدروس الحيّة من الثورات التي كانت أبلغ من ألف موعظة وكتاب فكانت كالعاصفة التي أغرقت السفين، ففرقت لكنها جمعت، وشتت لكنها وحدت، واصطفت وأمازت، وأظهرت كل مضمر، وكشفت الحقائق.
وطفا كل مائعٍ على السطح، وظننا أن قد تأخر النصر لكن المهمة لم تكتمل وقد بقى استخراج الكنوز من أعماق المحيط وذلك قبل أن يحاط بنا وتُسلّم المهمة لغيرنا.
- التصنيف:
- المصدر: