مفاتح التدبر - 2- مفاتح وعلامات تدبر القرآن
إن الجيل الذي يحقق النصر للأمة جاء وصفه في آخر آية من سورة الفتح وهي قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29]، فمتى توفر هذا الجيل في الأمة تحقق لها بإذن الله تعالى النصر والتمكين والسيطرة على العالم، وكانت أمة قوية تهابها كل الأمم وتذعن وتخضع لها.
لقد أصيب بعض المسلمين بالشعور بالنقص والضعف وهو يشاهد واقع العالم كل يوم، وما ذاك إلا بسبب هجره للقرآن وبعده عن فقه معانيه العظيمة.
إن العبد إذا تعلق قلبه بكتاب ربه فتيقن أن نجاحه و نجاته وسعادته وقوته في قراءته وتدبره تكون هذه البداية للانطلاق في مراقي النجاح، وسلم الفلاح في الدنيا والآخرة.
قال ثابت البناني: "كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة "اهـ وما قاله ثابت البناني حق، فقف عند الباب حتى يفتح لك؛ إن كنت تدرك عظمة ما تطلب فإنه متى فتح لك ستدخل إلى عالم لا تستطيع الكلمات أن تصفه ولا العبارات أن تصور حقيقته؛ أما إن استعجلت وانصرفت فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك، تذكر أن السفينة لا تجري على اليبس، وأن المكارم لا تنال إلا بالمكاره، وأن الجنة حفت بالمكاره، أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟
المفتاح الأول: خلاصته أن القلب آلة الفهم والعقل والإدراك، وأن القلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء، يفتحه متى شاء ويقفله متى شاء، وفتح القلب للقرآن يكون بأمرين:
- دوام التضرع إلى الله تعالى وسؤاله ذلك.
- القراءة المكثفة عن عظمة القرآن، وحال السلف معه.
المفتاح الثاني: مضمونه أنه ينبغي أن نعرف قيمة القرآن وعظمته، وأن نستحضر الأهداف والمقاصد التي من أجلها نقرؤه، فدائما اسأل نفسك: لماذا أريد قراءة القرآن؟ ولتكن الإجابة واضحة مفصلة، وإن كانت مكتوبة فذاك أولى، والمقاصد الأساسية لقراءة القرآن خمسة: العلم، والعمل، والمناجاة، والثواب، والشفاء.
المفاتيح من الثالث إلى العاشر: الحديث فيها عن إجابة سؤال مهم: كيف نقرأ القرآن الكريم؟ وكيف هنا متوجهة إلى: الأحوال والكيفيات التي تحقق أعلى قدر من التركيز والعمق في فهم القرآن الكريم، فكل واحد منها يعطي درجة في التركيز والفهم، وهذه المفاتيح هي: أن تكون القراءة في صلاة، في ليل، حفظا، بترتيل، وجهر، وتكرار، وربط، مع ختم المقدار الذي يقرأ ويراد حصول تدبره كل أسبوع.
علامات التدبر:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علامات وصفات تصف حقيقة تدبر القرآن وتوضحه بجلاء من ذلك:
- {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:83]
- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال:2]
- {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124]
- {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا؛ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً؛ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}﴾ [الإسراء:107-109]
- {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}[مريم:58]
- {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}[الفرقان:73]
- {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}[القصص:53]
- {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد}[الزمر:23].
فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
- اجتماع القلب والفكر حين القراءة ، ودليله التوقف تعجبا وتعظيما.
- البكاء من خشية الله.
- زيادة لخشوع.
- زيادة الإيمان، ودليله التكرار العفوي للآيات.
- الفرح والاستبشار.
- القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة.
- السجود تعظيما لله عز وجل.
فمن وجد واحدة من هذه الصفات، أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكـــر، أما من لم يحصل أياً من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن، ولم يصل بعد إلى شيء من كنوزه وذخائره.
قال إبراهيم التيمي: "من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علما لأن الله نعت العلماء فقال: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:107-109]
هدى عبد الرحمن النمر
كاتبة وأديبة ومترجمة ومحاضِرة ، في مجالات اللغة والأدب والفكر والتعليم مدونة الكاتبة : https://hmisk.wordpress.com/
- التصنيف:
- المصدر: