"لا يُغنِي حَذَر مِن قَدَر"
ما رأيك في هذه العبارة "لا يُغنِي حَذَر مِن قَدَر"؟
هي عبارة لو كانت صحيحة فإنما صحتها "تحصيل حاصل" مثل صحة مثل صحة عبارة "الكرة الأرضية تقع في الكون" أو "الإثنان عدد من الأعداد" ! لكن يبدو أن أغلب الناس يفهمونها فهما خاطئا كفهمهم: "إن محمد بارع في الرماية، فلا تحاول أن تفلت منه، لا فائدة" وشتان بين العبارتين، فالأخيرة تفيد معلومة مفيدة، لكن الأولى لا تفيد أية معلومة إن فُهِم المعنى الصحيح لكل من الحذر والقدر، فالفِعل الحَذِر هو في الحقيقة لا يخرج من دائرة القَدَر بطبيعة الحال! يذكرني ذلك بحادثة قدوم الصحابة على أرض الشام وبقرار عمر بعد مشورة الصحابة ألا يدخلها ويعود من حيث أتى، وذلك عندما علم أنه قد نزل بها الطاعون، فقال أبو عبيدة بن الجراح: "أفرار من قَدَر الله"، فقال عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة" - وكان عمر يكره خلافه - نعم، "نَفِر من قَدَر الله إلى قدر الله"، أرأيتَ لو كانت لك إبل فهبطت واديًا له عُدْوتان، إحداهما: خِصْبة، والأخرى: جَدْبة، أليس إن رعيتَ الخِصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله". فحذر عمر قد أنجى الصحابة من الهلاك بأرض الشام لكنه لم يخرج عن قدر الله وهذا طبيعي لا عجب فيه! وأخيرا احذر من الفهم الخاطئ لهذه المقولة فإنه يدعو - ولو غير شعوريا - إلى خفض الهمة واليأس والظن أنه لن يقدم الإنسان جديدا مهما فعل، لذا ففعله وعدم فعله سواء! وهذا الفهم من أكثر الأفهام التي أطاحت بمجد الأمة الإسلام وقوضت أركانها وعصفت ببأسها. لذا فمن الأفضل ألا يتداول الناس هذه المقولة حتى لو كانت صحيحة لأن ضررها أكثر من نفعها. فضلا أنها لا تفيد عملا أصلا إن لم تفد عملا ضارا. فإن من يقول: "لا يغني حذر من قدر" أقول له: حسنا ... هل أحذر أم لا أحذر؟ فإن قلت احذر! أقول له ولماذا قلت لي مقولتك؟! وإن قلت لا تحذر! أقول له هداك الله، إنك بهذا تقتل الإسلام قتلًا !! عذرا على الإطالة لكن أردت توضيح الأمور من كل جوانبها.
- التصنيف:
- المصدر: