دليل المسلم الجديد - (21) قراءة القرآن الكريم

منذ 2015-11-06

قراءة القرآن من أفضل القربات عند الله عز وجل، لما فيها من التقرب إليه سبحانه بكلامه الذي أنزله هداية للبشرية إلى سعادة الدنيا والآخرة.

فضل قراءة القرآن الكريم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

إنّ قراءة القرآن من أفضل القربات عند الله عز وجل، لما فيها من التقرب إليه سبحانه بكلامه الذي أنزله هداية للبشرية إلى سعادة الدنيا والآخرة، ولذلك وردت أدلة كثيرة تحث على تلاوة القرآن الكريم، وتبين الأجر العظيم الذي يناله القارئ والحافظ، فروى الترمذي [2910] عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»، وصححه الألباني في (صحيح الترمذي). فكل من قرأ القرآن قراءة صحيحة، يبتغي بها وجه الله، فهو موعود بهذا الأجر إن شاء الله، سواء قرأه للحفظ، أو للمراجعة، أو للاستشهاد والاستدلال به، أو غير ذلك، وتدخل البسملة في هذا الأجر؛ لأنها آية من القرآن.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل: كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم، وقال خباب بن الأرت لرجل: تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه". ولا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم، فهو لذة قلوبهم، وغاية مطلوبهم.
قال عثمان رضي الله تعالى عنه: "لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم". وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: "من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله". قال بعض العارفين لمريد: أتحفظ القرآن؟ قال: لا، فقال: "واغوثاه بالله! مريد لا يحفظ القرآن!! فبم يتنعم؟! فبم يترنم؟! فبم يناجي ربه عز وجل" انتهى من (جامع العلوم والحكم [ص/364]).

يجب قراءة القرآن الكريم بحروفه التي أنزله الله تعالى  بها، قراءةً عربية صحيحة، كما قال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192-195]. وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2]. ولا يجوز لأحد أن يتعمد تبديل حرف منه بحرف، مع قدرته على النطق بالحرف الصحيح، وهذا من اللحن الجلي الذي يأثم صاحبه.
 

قراءة القرآن الكريم من الحاسب الشخصي والجوال

لا فرق بين قراءة القرآن من المصحف، أو قراءته من المصحف الإلكتروني، أو صفحات الإنترنت، أو عن شاشة الهاتف الخلوي (الجوال)؛ إذ العبرة بالقراءة وتحرك الشفتين والنظر إلى كلام الله تعالى مكتوبًا، وذلك متحقق في القراءة عبر الصفحات الإلكترونية وجاء في (المعجم الوسيط [2/360]): "قرأ الكتاب: تتبع كلماته نظرًا ونطق بها" انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (الفتاوى الكبرى [2/419]): "إذا قرأ القرآن لله تعالى فإنه يثاب على ذلك بكل حال" انتهى.

أما اشتراط الوضوء لهذه القراءة، فإن الطهارة لا تشترط لقراءة القرآن، وإنما تشترط للمس المصحف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» (رواه موطأ مالك [468]) وصححه الألباني في (إرواء الغليل [122]). فلو قرأ من حفظه أو من المصحف بلا لمس فلا حرج عليه.



هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن الكريم

سنة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هي العمل به، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ودعوة الناس إليه، كما وصفته عائشة رضي الله عنها بقولها: "إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ" (رواه مسلم [746]).
وهكذا يجب أن يكون هدي المسلم مع القرآن الكريم، السعي الدائم في العمل به والاهتداء بهداه، فهو نور من الله مبين، من تمسك به نجا، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم.

وأما هديه صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن: فقد شرحه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه العظيم (زاد المعاد)، جمع فيه الأحاديث الواردة في الموضوع، واختصرها في جمل وعبارات من عنده توضح المقصود، وهي كلها أحاديث صحيحة يمكن الرجوع إلى الكتاب نفسه محققًا للتأكد منها، ونحن ننقل كلامه هنا اكتفاء به، خشية الإطالة على السائل والقارئ.

يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن، واستماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته واستماعه، وتحسين صوته به، وتوابع ذلك. كان له صلى الله عليه وسلم حِزب يقرؤه ولا يُخِلُّ به، وكانت قراءتُه ترتيلًا لا هذَّا ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفًا حرفًا، وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد (الرحمن)، ويمد (الرحيم)، وكان يستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم في أول قراءته، فيقول: (أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم)، ورُبَّما كان يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ) وكان تعوّذُه قبلَ القراءة، وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، وأمر عبد اللّه بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع، وخَشَع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن مِنه حتى ذرفت عيناه.

وكان يقرأ القراَن قائمًا، وقاعدًا، ومضطجعًا، ومتوضئًا، ومُحْدِثًا، ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة. وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحيانًا كما رجَّع يوم الفتح في قراءته: {إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]. وحكى عبد الله بن مغفَّل ترجِيعَه، آ ا آ ثلاث مرات، ذكره البخاري، وإذا جمعت هذه الأحاديثَ إلى قوله: «زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم»، وقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن»، وقوله: «ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان»، علمت أن هذا الترجيعَ منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارًا لا اضطرارًا لهزِّ الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة لما كان داخلًا تحت الاختيار، فلم يكن عبدُ الله بن مغفَّل يحكيه ويفعلُه اختيارًا لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوتُه ثم يقول: (كان يُرجِّعُ في قراءته) فنسب التَّرجيع إلى فعله. ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعًا" انتهى. (زاد المعاد [1/482]- [484]).

وقد ذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله، في كتابه النافع (أخلاق حملة القرآن)، بابًا في (أدب القراء عند تلاوتهم القرآن مما لا ينبغي لهم جهله)، لخص فيه جملة من آداب قارئ القرآن، من أدب السنة، وهدي السلف، فقال رحمه الله:  "وأحب لمن أراد قراءة القرآن، من ليل أو نهار أن يتطهر، وأن يستاك، وذلك تعظيم للقرآن؛ لأنه يتلو كلام الرب عز وجل؛ وذلك أن الملائكة تدنو منه عند تلاوته للقرآن، ويدنو منه الملك، فإن كان متسوكًا وضع فاه على فيه، فكلما قرأ آية أخذها الملك بفيه، وإن لم يكن تسوك تباعد منه؛ فلا ينبغي لكم يا أهل القرآن أن تباعدوا منكم الملك، استعملوا الأدب، فما منكم من أحد إلا وهو يكره إذا لم يتسوك أن يجالس إخوانه.
وأحب أن يكثر القراءة في المصحف لفضل من قرأ في المصحف، ولا ينبغي له أن يحمل المصحف إلا وهو طاهر، فإن أحب أن يقرأ في المصحف على غير طهارة فلا بأس، ولكن لا يمسه، ولكن يصفح المصحف بشيء، ولا يمسه إلا طاهرًا".

وينبغي للقارئ إذا كان يقرأ فخرجت منه ريح أمسك عن القراءة، حتى تنقضي الريح، ثم إن أحب أن يتوضأ ثم يقرأ طاهرًا فهو أفضل، وإن قرأ غير طاهر فلا بأس منه. وإذا تثاءب وهو يقرأ، أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب...  

وأحب للقارئ أن يأخذ نفسه بسجود القرآن كلما مر بسجدة سجد فيها، وفي القرآن خمس عشرة سجدة، وقد قيل: أربع عشرة، وقد قيل: إحدى عشرة سجدة، والذي أختار له أن يسجد كلما مرت به سجدة؛ فإنه يرضي ربه عز وجل ويغيظ عدوه الشيطان. روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» (رواه مسلم في صحيحه [81])... وأحب لمن كان جالسًا يقرأ أن يستقبل بوجهه القبلة، إذا أمكن...

وأحب لمن تلا القرآن أن يقرأه بحزن، ويبكي إن قدر، فإن لم يقدر تباكى.  وأحب له أن يتفكر في تلاوته، ويتدبر ما يتلوه، ويستعمل غض الطرف عما يلهي القلوب، ولو ترك كل شيء حتى ينقضي درسه كان أحب إلي؛ ليحضر فهمه، فلا يشتغل بغير كلام مولاه. وأحب إذا درس فمرت به آية رحمة سأل مولاه الكريم، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ بالله عز وجل من النار، وإذا مر بآية تنزيه لله عز وجل عما قال أهل الكذب سبح الله وعظمه. وإذا كان يقرأ فأدركه النعاس، فحكمه أن يقطع القرآن حتى يرقد، حتى يقرأه وهو يعقل ما يتلو..

وذكر رحمه الله طرفًا من الآثار التي تشهد لما ذكره، ثم قال في آخر الفصل: "جميع ما ذكرته ينبغي لأهل القرآن أن يتأدبوا به ولا يغفلوا عنه، فإذا انصرفوا عن تلاوة القرآن: اعتبروا نفوسهم بالمحاسبة لها: فإن تبينوا منها قبول ما ندبهم إليه مولاهم الكريم، مما هو واجب عليهم من أداء فرائضه، واجتناب محارمه: حمدوه في ذلك، وشكروا الله على ما وفقهم له. وإن علموا أن النفوس معرضة عما ندبهم إليه مولاهم الكريم، قليلة الاكتراث به، استغفروا الله من تقصيرهم، وسألوه النُّقلة من هذه الحال التي لا تحسن بأهل القرآن، ولا يرضاها لهم مولاهم، إلى حال يرضاها، فإنه لا يقطع من لجأ إليه. ومن كانت هذه حاله وجد منفعة تلاوة القرآن في جميع أموره".

قراءة بعض السور والآيات إذا أوى المسلم إلى فراشه:

ومن خصوص السور والآيات التي جاء الندب إلى قراءتها ما يلي:

[1]- آية الكرسي.
جاء في صحيح البخاري معلقًا [2311] عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: "وكَّلني رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام.. وذكر الحديث وقال في آخره: "إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرأ آيةَ الكرسي، فإنه لن يزالَ معكَ من اللّه تعالى حافظ، ولا يقربَك شيطانٌ حتى تُصْبِحَ". فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيطانٌ»"

[2]- آخر آيتين من سورة البقرة.
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قَرَأَ بِالآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ كَفَتَاهُ" (رواه البخاري [5009]) (ومسلم [2714]) قال ابن القيم في (الوابل الصيب [132]): "كفتاه من شر ما يؤذيه". عن عليّ رضي اللّه عنه قال: "ما كنتُ أرى أحدًا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة". عزاه النووي في الأذكار [220] لرواية أبي بكر بن أبي داود ثم قال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.

[4-3]- سورتي الإسراء والزمر.
وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر"
(رواه الترمذي [3402]) وقال: حديث حسن. وحسّنه الحافظ ابن حجر في (نتائج الأفكار [3/65]) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

[5]- سورة الكافرون.
عن نوفل الأشجعي رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «اقْرأ: قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها فإنَّها بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ» (رواه أبو داود [5055])، (والترمذي [3400]) وحسنه ابن حجر في (نتائج الأفكار [3/61]) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

[8-7-6]- الإخلاص والمعوذتين.
عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيلَةٍ جَمَعَ كَفَّيهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} و {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ يَمسَحُ بِهِمَا مَا استَطَاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجهِهِ وَمَا أَقبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفعَلُُ ذَلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ" (رواه البخاري [5017]).

وعن إبراهيم النخعي قال: "كانوا يستحبّون أن يقرؤوا هؤلاء السور في كلّ ليلة ثلاثَ مرات: (قل هو اللّه أحد) (والمعوّذتين) قال النووي في الأذكار [221]: إسناده صحيح على شرط مسلم. 


يقول النووي رحمه الله تعالى في (الأذكار [221]): "الأولى أن يأتيَ الإِنسانُ بجميع المذكور في هذا الباب، فإن لم يتمكن اقتصرَ على ما يقدرُ عليه من أهمّه" انتهى.

ولا يشترط أن تكون القراءة من المصحف، فيكفي أن يقرأ المسلم ما تيسر له مما سبق من حفظه، والله سبحانه وتعالى يكتب له ما وعده به.


هجر القرآن الكريم

ترك قراءة القرآن بالكلية من صور هجر القرآن التي ذمها الله تعالى في كتابه الكريم، وذلك في قوله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:30-31]. والآية وإن كانت واردة في سياق الحديث عن الكفار أعداء الرسل والرسالات، إلا أنها أيضًا تدل على أن هجر القرآن هو من أعمال الكفار وشأنهم؛ فمن هجره هجرًا تامًا؛ فلم يؤمن به ولم يتله، ولم يعمل به: فهو كافر، قد حقت فيه الآية، وفي مثله تكون شكاة النبي يوم القيامة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من هجر القرآن فهو من أعداء الرسول" انتهى من (مجموع الفتاوى [4/106]).

ومن فرط في تلاوته، أو تدبره، أو العمل به: فقد وقع في شعبة من شعب الهجر، بحسب ما ترك وفرط، ويخشى عليه، إن تمادى في ذلك، أن تنزع حلاوة القرآن من قلبه، فلا يستريح له، ولا يتغنى به، ولا ينشرح صدره به.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: هجر القرآن أنواع:

أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به.

وكل هذا داخل في قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض. انتهى. (الفوائد [ص/82]).

 

وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:

ما حكم قراءة القرآن، أهي واجبة أم مستحبة ؟ حيث سألنا عن حكمه فمنهم من قال: ليس بواجب، إن قرأ فلا بأس وإن لم يقرأ فلا شيء عليه، فإذا كان كذلك فقد يهجره الكثير، فما حكم هجره وما حكم تلاوته؟

فأجابت:
المشروع في حق المسلم أن يحافظ على تلاوة القرآن، ويكثر من ذلك حسب استطاعته؛ امتثالًا لعموم قول الله سبحانه وتعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ}، وقوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ}، وقوله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: «وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة» (أخرجه مسلم في صحيحه).

وأن يبتعد عن هجره والانقطاع عنه، بأي معنى من معاني الهجر التي ذكرها العلماء في تفسير هجر القرآن.. قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "يقول تعالى مخبرًا عن رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}، وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}، فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه" انتهى.

عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن قعود – عبد الله بن غديان.
(فتاوى اللجنة الدائمة [4/100]- [102]).


نسأل الله تعالى أن يرزقنا تلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

  • 1
  • 27
  • 111,095
المقال السابق
(20) الدعاء
المقال التالي
(22) الصدقة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً