حرب التسميات والمصطلحات أخطر مما نظن

منذ 2015-11-06

في غفلة من الأمة، تمكن التضليل التغريبي من إشاعة مفاهيم منحرفة ومصطلحات باطلة.

فوجئ الرجل بشريكه في مقصورة القطار، يقشر حبة من الموز ثم يرش عليها كمية من الملح، ثم يلقيها في سلة النفايات. تكرر الأمر فاضطر صاحبنا إلى أن يستفسر من الراكب الآخر عن تصرفه الغريب، فقال بكل برود: أبدًا..  ليس هناك أي غرابة فأنا لا أحب الموز المُمَلَّح!

مشروبات روحية
هذه الطرفة تنطبق على مواقف الغرب وعبيده عندنا من الإسلام ومبادئه ورجالاته وتاريخه.. هم يختلقون مواصفات  بأهوائهم، ويلصقون مصطلحات وأسماء تلائم أطماعهم، ثم يحاكموننا بحسب تلك المفتريات. سواء أكان الأمر تثبيت متغيرات أو تغيير ثوابت أو إضافة مبتدعات نكراء.

فمن قديمهم الجديد، تسمية الربا : فائدة أو قرضًا إنتاجيًا، ولقد ضحكوا على كثير من المسلمين في زمن الغفلة، عندما زعموا أن أم الخبائث (الخمر) هي مشروبات روحية!! ولأن صفة الروحية هنا شديدة البذاءة أسقطوها في الاستعمال اليومي، فصاروا يكتفون بكلمة: الشرب!! فيقال: هل تشرب؟ هذا يشرب؟.... والغاية الخبيثة هي أن تصبح الكبائر الغليظة مألوفة، ابتداء من تطبيع الاسم المختلق، مرورًا بقلب المفاهيم ليصبح المسلم الفاسق الذي كان يستحيي من معاقرة الخمور، يتوهم أنها من علامات الرجولة!! وشر المصيبة ما يضحك! وكذلك الأمر مع الربا الذي يستفز ضمير كل مسلم حتى لو كان أُميًّا!

 

الرجعية والتقدمية!
في غفلة من الأمة، تمكن التضليل التغريبي من إشاعة مفاهيم منحرفة ومصطلحات باطلة، فتشوه وعي أجيال كاملة إلا من رحم الله -وقليلٌ ما هم-.

لقد عجز عبد الناصر في ذروة طغيانه، وحزب البعث في أحط دركات دمويته، عن اقتلاع الإسلام من القلوب، بالرغم من إشاعة الكفر البواح والمجون العلني في المجتمع، فعمدوا إلى قلب القيم والتلاعب بالمفاهيم والمصطلحات. فأصبح المتدين رجعيًا متخلفًا، وأضحى الزنديق والمجاهر بفجوره تقدميًا!! لقد حاصروا الدين حتى في العبادات الفردية، مع أن دينهم العلماني في بلاد المنشأ، لا يتدخل في الأمور الشخصية!! لكن طواغيتنا لم يكتفوا بمنع الإسلام من الحضور في الشأن العام، ولذلك طاردوا المصلين والصائمين.

وقد كشفت الثورة السورية إلى الكافة، ما كان يلمسه السوريون يوميًا، وأشد دلالة على الحقد الدفين: تسجيل المخابرات أسماء الموظبين على صلاة الفجر في المسجد!! لقد سقطت هذه المهازل اليوم، ولكن الثمن الذي دفعه السوريون بخاصة باهظ جدًا..

 

وهنا أسترجع نكتة أبدعوها زمن الخوف، خلاصتها أن أمين فرع البعث أركب في سيارته شخصًا كبيرًا في السن، رآه يمشي في منطقة نائية!! لم يفعل ذلك رحمة به فهو لا يعرف الرحمة، وإنما يعيش عبدًا ذليلًا أمام سادته، وفرعونًا متجبرًا على الذين ليس لديهم سند.. أركبه ليسخر منه.. لذلك سأله: لماذا نسميكم رجعيين ونسمي أنفسنا تقدميين؟ قال العجوز: نحن رجعيون لأننا أرجعنا المستعمر الفرنسي إلى بلده، وأنت تقدميون لأنك "قدَّمتم" إسرائيل أكثر في بلادنا -طبعًا هذه بعد مسرحية 1967م عندما سَلَّم المقبور حافظ أسد الجولان للصهاينة بلا قتال-.

 

السيادة والمقاومة

بعد الثورة السورية سقطت أقنعة المجوسية الجديدة، التي تاجرت بالقدس والأقصى، تجارة بائسة مكشوفة، لكنها انطلت على كثير من أبناء المسلمين، حيث كانت رواسب الإرث التضليلي التغريبي قوية. وما تشدق طاغية الشام الوريث القاصر بالسيادة إلا من ضمن تلك المضحكات المبكيات. ابن بائع الجولان، الذي سلَّم سوريا إلى خامنئي وبوتن، يخطب عن سيادة سوريا!!

وما أروع الفنان السوري الحر موفق قات، الذي رسم لوحة كاريكاتيرية بعد الغزو الروسي الوقح مؤخرًا، عبارة عن سرير ينام فوقه خامنئي ونتنياهو وبوتن، ويتلحفون براية الكيان الصهيوني، وبشار الصغير في أقصى الغرفة على الأرض، وقد مدوا إليه طرف الراية لتغطية بعض من جسده العفن!!

 


بل هناك مشاحة في المصطلحات

طبعًا، لا داعي لأي حديث عن أسطورة الإرهاب، التي يدمغ الغرب والتغريبيون بها كل مسلم يحترم دينه ولو بالكلام!! فرائحتها تزكم الأنوف، حتى إن بعض الأحرار من الغربيين سئموا منها واحتجُّوا عليها. لكنني هنا أقف وقفة عتب بمودة، مع الذين ينقلون مقولة: لا مشاحة في الاصطلاح من موقعها الفقهي الجميل، إلى دائرة تخدم الكفرة الفجرة من حيث لا يحتسب هؤلاء الساذجون.

فمعنى هذه القاعدة: أن الخلاف إذا كان واقعًا في الأمور الاصطلاحية فإنه لا ينبني عليه حكم، ولا اعتبار به.
وهذا يظهر فيما لو حصل الاتفاق على المعنى واختلفوا في التسمية أو في اللفظ، فلابد إذًا من تقدير تتمة لهذه القاعدة، وهي: (بعد الاتفاق على المعنى).
والمشاحَّة: بتشديد الحاء الضنة، وقولهم: (تشاحَّا على الأمر) أي تنازعاه؛ لا يريد كل واحد منهما أن يفوته ذلك الأمر.

 

منذر الأسعد  

21/1/1437 هـ

  • 1
  • 0
  • 6,197

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً