صيود الأوراد (11): الإيمان الفرعوني
أبو محمد بن عبد الله
تجد محرومًا من تَبَنّي الحقيقة حين تكتشفها نفسه، ولكن لا تطاوعه نفسه الأمَّارة بالسوء ليقولها صريحة أو يتبَنَّاها صراحة، فيأخذ في التلجلج ويأتيك بتعبير يعترف فيه بالحقيقة الصادمة، لكن في صورة مشوَّهة لا تَبين... حرمان وأي حرمان!
- التصنيفات: القرآن وعلومه - قضايا إسلامية -
صيود الأوراد: من سورة يونس
قال الله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:90].
سبحان الله؛ حرمان فرعون من النطق بكلمة التوحيد بعد أن تعرَّت الفطرة، وتقطّعت أسباب ألوهيته الزائفة، لكنه لم يهتدِ للألوهية الحقة، فبحث عنها طويلًا، بكلمة طويلة تدل على بعده عن الحقيقة: كان أسهل عليه وأسرع- وهو يسابق الفَوْت ويسارع الغرق- كان أسهل وأسرع أن يقول: "آمنت بالله"، أقل كلمات، وأوضح دلالة!!
لكنه جاء بكلمة طويلة آمن فيها ثلاث مرَّات، ولم ينفعه:
1- آمنت 2- لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل 3- أنا من المسلمين.
لكن هذه (الإيمانات) كلها زائفة مدخولة، لما يأتي:
أولا: أنه آمن بما آمنت به بنو إسرائيل، لكن بنو إسرائيل آمنت بعدة آهة، منها العجل بعد النجاة من فرعون!
ثانيا: أنه آمن تقليدًا لا يقينًا، وكان أسهل عليه وأخصر تعبيرًا وأصدقه وأسلمه أن يقول: آمنت بالذي آمن به موسى، أو برب موسى، وهو إله واحد معروف، لم يؤمن موسى بغيره.
ثالثًا: أنه لم يتعرف على الله في الرخاء، فلم يعرفه في الشدة.
وهـــــــــــكذا حتى في مجادلات الناس، تجد محرومًا من تَبَنّي الحقيقة حين تكتشفها نفسه، ولكن لا تطاوعه نفسه الأمَّارة بالسوء ليقولها صريحة أو يتبَنَّاها صراحة، فيأخذ في التلجلج ويأتيك بتعبير يعترف فيه بالحقيقة الصادمة، لكن في صورة مشوَّهة لا تَبين... حرمان وأي حرمان!
فلا تكن فرعونيًّا، وتعرف إلى الله تعالى في الرخاء؛ وأسمعه صوت ضراعتك في سعة أمرك ترى إجابته في ضائقتك، تقرب إليه بالعبودية تجده تجاهك بعونه، واعرفه بجليل أسمائه وجميل صفاته... وإياك أن تقول: ما لي وفرعون؟! فإن السنن لا تحابي أحدًا