وِحدةٌ
تَبكي الأم وهي ترى ابنها يُعانيها.. صامِتٌ دَوما يُحَدّق بالفراغ.. لا صاحِب له ولا أنيس.. عَضِّت شفتها وهي تتذَكّر مُصابَه الذي لا ذنب لها فيه.. لكنها تَجلِدُ نفسها وتُدميها.. كُلّما رأت وليدها.. الشاب.. على هذا الحال كتمثال من لحمٍ ودَم.. لَيتَها ما خَرَجَت للسوق يُومها وقد أثقلها الحَمل.. ليتها ما أسرَعت لتَعبُر الطريق.. لَيتها ما مَرّت قُرب ذلك الجُندي.. الذي وكزها في بطنها.. فأردى أحد جنينيها صَريعاً وخَرَج الآخر في صمت وسكون لا يتغيّر.. كأنه في حداد دائم على رَفيق الرَّحم.. حتى يلقاه..
صَلّت. بَكَت.. تَضَرّعت..كدأبها كل ليلة.. أن يجمعها الله بحبيبيها.. الغائب الغائب.. والحاضر الغائب في دار السّعادة.. نامت مُجهدة العين مُسهَدة القلب.. فرأت نفسها في ريعان الشباب.. تمشي بين شَمسٍ وقَمَر.. يأخذان بِيَديها صَوب بوابة.. ينتظر خلفها ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمِعَت.. ولا خَطَر على قلب بَشَر..
تَبَسَّمت في منامها ضاحكة وأيقنت أن اللقاء بات قَريبا..
هَرَع القوم إثر انقشاع غُبار القَصف فَجرا.. إلى بَيت المرأة المُسِنّة وابنها المريض.. فوَجدوا البيت وأهله قد أصبحوا أثراً بعد عَين..
بَكَوهُم كثيرا.. وهم لا يعلمون أنهم الآن.. يضحكون كثيرا..
- التصنيف:
- المصدر: