وداعاً أيها الرجل و شكراً أيها الوالد

منذ 2015-11-22

اللهم إن أشرف ما أشرقت وغربت عليه شمسك من صلاح لولد آدم هو الشهادة لك بالوحدانية ربوبيةً وألوهيةً ، والإيمان بملائكتك ، وكتبك ، ورسلك ، وخيرهم سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان باليوم الآخر ، والقدر خيره وشره .
اللهم يا من أنعمت علينا بنعمة التوحيد والإيمان نسألك بها عملاً صالحاً أن تغفر لأمهاتنا وآبائنا الذين وفدوا عليك ، اللهم اغفر لهم وارحمه ، وعافهم واعف عنهم ، وأكرم نزلهم ، ووسع مدخلهم ، واغسلهم بالماء والثلج والبرد ،ونقهم من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدلهم داراً خيراً من ديارهم ، وأهلاً خيراً من أهلهم ، وأزواجاً خيراً من أزواجهم ، وأدخلهم الجنة ، وأعذهم من عذاب القبر ومن عذاب النار .
عاش كريماً ، سخياً ، شجاعاً مقداماً ، ذا مروءة لا تأبه بفاقة ، يجازف بكل ما يملك من الدنيا إجابة لصرخة مستغيث أو نصرة مظلوم ، أشهد أني ما رأيته قط يهاب يوماً ظالماً أو يخور لحظة في وجه طاغية ، يحسن إلى المساكين ، حياته كلها تغريد خارج السرب ، يصيب ويخطئ شأن البشر ، لكن عقلية القطيع لم تجد لها يوما في مسيرته مكاناً .
ألقى بي إلى ساحة الحدث مبكراً ليصنع مني رجلاً  يسره النظر إليه ، وحين كنت رئيساً لاتحاد طلاب المرحلة الإعدادية بمركز القوصية ولنا نشاطنا السياسي والتوعوي والتعليمي بالمجمع الاسلامي فتح لزملائي وأصدقائي داره وجعله مضافة لهم ، يسعد بحضورهم ، ويبذل لهم أكثر مما يبذله لنفسه ، صعدت المنبر خطيباً تحت إشرافه في المسجد الذي يؤم الناس فيه للصلاة وأنا في السادسة عشر من عمري ، يحرص على التعليم والشهادات العلمية ، حصل على شهادة العالية في القراءات العشر وهو في العقد السادس من عمره وإن كان حمله للقرآن في الكتّاب بالقرية مبكراً ، ترك من الأبناء ستة يحملون شهادات جامعية منها أربعة أزهرية ، كانت مسيرتي معه هي رحلة الصديق المحب ، والولد المشاكس الودود ، لم تسول لي نفسي يوماً أن يطغى جانب حبي له  على احترامي لشخصه تحت أي ظروف ، أوذي في الله أذى كثيراً فما وهن وما جزع وما ضجر ، بل صبر وشكر ، وكنت على ذلك من الشاهدين .
يحب صناعة الحدث وصنّاعه ، ويساند من يتخلى عنه الناس حتى يتجاوز محنته وغربته ، له معاييره الخاصة في تزويج بناته ، أساسها مروءته وسخاءه وحبه للرجولة وأهلها مهما كلفه ذلك من ثمن .
لقد أحببت هذا الإنسان ؛ الذي كان كثيراً ما يفخر ويعتز بي رغم ما عانى لأجلي وما وقع عليه من لأواء لا يكافئه عليها إلا الذي قدرها عليه ، وألهمه الصبر واليقين في احتسابها .
مسيرة طويلة من الكدح يعتريها ما يعتري مسار البشر في حلهم وترحالهم ، ورحلة تخللتها العواصف والمحن ، والإقبال والإدبار ، وبعد فترة من الدهر في معاناة مع المرض المثاب فقيده بأجر الشهيد ، رحل الشيخ عثمان علي ، بعد أن ودّعني وهو يودع الدنيا بالدعاء لنا بالتوفيق والتوصية بالتوافق ، ثم قضينا المكالمة إلى آخرها في ترديد كلمة التوحيد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو ينطق ويردد أكثر من خمس مرات ، وأنا أهتف وأكبر ، وأشكر بقلبي قبل لساني هذا الرب الرحيم العظيم الغفور الكريم ؛ الذي أجراها على لسانه ويسرها له .
رحل اليوم هذا الإنسان والرجل والوالد وأسأل الله الذي جعل حياته خيراً لي أن يوفقني أن أكون عملاً صالحاً له قبل أن أكون ولداً صالحاً يدعو له.
اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ، وأجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها .

حسن الخليفة عثمان

كاتب إسلامي

  • 14
  • 0
  • 2,683

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً