الصدق مع الله(1)
" الصدق مع الله " أجل أنواع الصدق، ويكون المسلم صادقاً مع ربِّه تعالى إذا حقَّق الصدق في جوانب ثلاثة: الإيمان والاعتقاد الحسَن، والطاعات، والأخلاق، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، والصادق فيه هو من حققه على الوجه الذي أراده منه ربه تعالى، ومنه الصدق في اليقين، والصدق في النية، والصدق في الخوف منه تعالى والصدق في الاخلاص وليس كل من عمل طاعة يكون صادقا حتى يكون ظاهره وباطنه على الوجه الذي يحبه الله تعالى.
وقد بَينَّ الله تعالى الصادقين في آية واحدة، وهي قوله عز وجل: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس} [البقرة:177] ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "اشتملت هذه الآية الكريمة على جُمَل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة".
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "{أُولَئِكَ} أي: المتصفون بما ذُكر من العقائد الحسنة، والأعمال التي هي آثار الإيمان، وبرهانه ونوره، والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية: فأولئك هم {الَّذِينَ صَدَقُوا} في إيمانهم؛ لأن أعمالهم صدَّقت إيمانهم، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} لأنهم تركوا المحظور، وفعلوا المأمور؛ لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير، تضمناً، ولزوماً؛ لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله، ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية: أكبر العبادات، ومن قام بها: كان بما سواها أقوم، فهؤلاء هم الأبرار، الصادقون، المتقون....." ( تفسير الشيخ السعدي).
إن الله جل وعلا خلق عباده وأمرهم أن يتقوه في السر والعلانية، وأن يصدقوا معه في أقوالهم وأفعالهم، وفي أمورهم كلها، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] .
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-: أي "في أقوالهم،وأفعالهم وأحوالهم،الذين أقوالهم صدق وأعمالهم وأحوالهم لا تكون إلا صدقا خالية من الكسل والفتور،سالمة من المقاصد السيئة،مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة" تفسير السعدي (ص 355).
فمن أراد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة بإذن الله، فعليه بالصدق مع الله جل جلاله بقلبه وعمله، قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد :21]
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره....، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره" الفوائد (ص186).
وعن سهل بن حنيف-رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم).
قال المناوي–رحمه الله-: "قيد السؤال بالصدق، لأنه معيار الأعمال، ومفتاح بركاتها و به ترجى ثمراتها «
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله: "فإذا سأل الإنسان ربه وقال: اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك-ولا تكون الشهادة إلا بالقتال؛ لتكون كلمة الله هي العليا- فإن الله تعالى إذا علم منه صدق القول والنية، أنزله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه" شرح رياض الصالحين (1/312).
ولهذا أيها الكرام لما صدَق أهل الإيمان مع ربهم جل جلاله تكفَّل بحفظهم ودفع الشرور عنهم، ومن أمثلة ذلك قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم غار لما التجؤوا إليه بعد أن أصابهم المطر، فقال أحدهم:" «البخاري(3287)من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-).
» (رواهوكذلك قصة الأعرابي التي رواها الإمام النسائي-رحمه الله-في سننه الصغرى(1953)وصححها الشيخ الألباني-رحمه الله- عن شداد بن الهاد-رضي الله عنه-أَنَّ رَجُلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ به، وَاتَّبَعَهُ ثم قال: أُهَاجِرُ معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعضَ أَصحابه فلما كانت غَزْوَةٌ غَنِمَ النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ له، فأعطى أصحابَه ما قَسَمَ له، وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه، فقال:ما هذا؟ قالوا:قِسْمٌ قَسَمَهُ لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:ما هذا؟ قال: « »، قال: "ما على هذا اتَّبَعْتُكَ!، ولكني اتَّبَعْتُكَ على أن أُرْمَى إلى ها هنا، وأشار إلى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ"، فقال: « »، فَلَبِثُوا قليلا ثم نَهَضُوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قد أَصَابَهُ سَهْمٌ حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ؟»؛ قالوا:نعم قال: « »، ثُمَّ كَفَّنَهُ النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قَدَّمَهُ فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: " « ».
نعم صدق مع الله فَصدقَه، وهكذا أيها الأفاضل حال كل من صدق مع الباري سبحانه، يعطيه ما يتمنى في الدنيا أو الآخرة، أو معا، فهو سبحانه الكريم الجواد.
أيها الأحبة إن الصدق مع الله جل وعلا ليس عبارات يرددها القائل!، ولا شعارات يرفعها المدَّعي!، وإنما تظهر حقيقته في طاعة الله جل جلاله، وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم.
فطاعة الله تكون بتوحيده سبحانه بالعبادة؛ والكفر بكل ما يُعبد من دونه، وامتثال أوامره بتحقيق الطاعات والابتعاد عن المعاصي والمحرمات، ولا يقبل ذلك إلا بالإخلاص له تعالى سواء في فعل الطاعة أو ترك المعصية، ولهذا كان المخلص لله سبحانه من عباده المقربين وأوليائه الصالحين.
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-: "فمن كان مخلصا في أعمال الدين يعملها لله، كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم، كما قال تعالى: {(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ؛ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ؛ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:62-64]"مجموع الفتاوى(1/8).
وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم تكون باتباع هديه وسنته ومحبته ومحبة ما جاء به، لأنه صلى الله عليه وسلم مُرسل من ربه سبحانه ومُبلغ عنه، فطاعته طاعة لله، ومعصيته معصية لله.
فما دبَّ إلينا النقص أيها الأفاضل وأصابنا الضعف والتفرق وتسلط علينا الكفار، إلا بعد أن تركنا الصدق مع الله جل جلاله في أمورنا كلها،والله المستعان .
فعلينا أيها الكرام إذا أردنا أن تقوى شوكة المسلمين، والنصر على أعداء الدين أن نَصدق مع رب العالمين، وذلك بامتثال أوامره والابتعاد عن نواهيه، وقد وعد سبحانه أن يَنصر ويؤيد كل من أطاعه واتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد :7].
تجميع وترتيب/ أميرة عزت
==> للمقال بقية
- التصنيف:
- المصدر: