الأسباب العشرة للتوتر بين الأقارب
يقول الله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال» [صحيح البخاري:6076].
يقول الله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح البخاري:6076].
سأحدثكم اليوم عن عشرة أسباب لأزمات الخلاف بين الأقارب، وبعض الحلول لها:
1- ضعف الإيمان والتقوى لدى الطرفين أو أحدهما فبعضهم ليس لديه مشكلة في ظلم قريبه أو العدوان عليه أو أخذ حقه أو غيبته، كما ليس لديه مشكلة في الصراع نفسه وطوله وأذيته للآخرين، ليس لديه خوف من كل النصوص التي منعت التهاجر، ولا النصوص التي حرمت الظلم والبغي والعدوان، وحذرت من عواقب الظالمين
فهو لا يسمع ولا يرى ولا يفهم، ولا يبدي خوفًا من نار ولا سيئة ولا عقوبة، فهذه قلوب مريضة أو ميتة تحتاج إلى إنعاش عاجل بالوحي والتذكرة قبل أن تموت الموتة الكبرى وتعاين آثار جرائمها عند الله عز وجل.
2- ضعف العلم بآثار تلك العدواوات، فهناك جهل بالآثار الشرعية والعقوبات التي جاءت في النصوص فيما يتعلق بالتقاطع والتدابر والتهاجر وما ينتج عن تلك الخصومات من سيئات كثيرة من غيبة ونميمة وسب وشتم وظلم وقطيعة رحم. وبالمناسبة فإن كل النصوص التي حذرت من القطيعة تخص فقط الذين يرفضون الصلح ويمتنعون عن التواصل وإذا وافق أحد المتخاصمين أو سلم ورفض الآخر فإنه يتحمل الوزر وحده.
لا يحل لمسلم أن يصارم مسلمًا فوق ثلاث، فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما وإن أولهما فيئًا يكون كفارة عنه سبقُهُ بالفيء، وإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعًا أبدًا، وإن سلم عليه فأبى أن يقبل تسليمه وسلامه، ردّ عليه الملك، وردّ على الآخر الشيطان، فإذا فاء أحد المتخاصمين كفر الله عنه ما مضى ولم يؤاخذ بشيء لا يملك وتحمل صاحبه الإثم وحده.
جهل بالآثار النفسية والجراح العميقة التي تتركها تلك العدوادت والخصومات في النفس ومنها القلق وتأنيب الضمير والشعور بالخزي والمخاوف والوساوس وتحول النفس إلى التفكير السلبي، والتوتر المستمر ونوبات الغضب المتكررة والأحزان وفقدان الثقة في الآخرين والإحباط واليأس وفقدان الهدف في الحياة، تصوروا عوائل من ثلاثين سنة وليس لها مشروع ولا هدف ولا غاية سوى الحديث عن خصومة واحدة، يا لضياع العمر وفوات فرصة الحياة الحقيقية.
جهل بالآثار الصحية وما تتركه تلك العدوات على الجسد من أزمات في القلب والأعصاب وكل الأجهزة التي تتأثر بنفسية الإنسان وآلامه. جهل بالآثار الاجتماعية وانتشار هذه العدوات في أبنائك وبناتك وزوجتك وأقارب، وسوء سمعة الأسرة، وانتشار قالة السوء عنها، وتجنب الاقتراب منها، والإساءة إلى بناتها وأبنائها، وسمعتهم.
جهل بالآثار الاقتصادية أيضًا فكم من عقارات معطلة ودكاكين مغلقة وأموال مجمدة بسبب الاختلاف، كم من الأوقات تضيع في القيل والقال وكتابة المعاريض وحضور الجلسات ونفقات التخاصم والتقاضي إهدار للطاقة وتبديد للعمر وضياع للمال.
3- العناد والاستكبار وفقدان المرونة، يقول أحد اليابانيين في كتاب العرب من وجهة نظر يابانية، عن العرب أنهم بعضهم يعاني من العناد الأعمى، العناد الذي ليس فيه مصلحة البتة سوى الاستكبار والأصرار وعدم القدرة على التراجع، حتى لو كان يعرف أن الاستمرار هو طريق إلى كل شر قال صلى الله عليه وسلم في البخاري لأن يلج أحدكم في يمين، العناد الذي ليس له تفسير إلا الغباء حين يصر الإنسان على المضي في طريق يدرك أنه ليس له مصلحة فيه سوى الاستكبار والعناد والوهم بالنصر الزائف.
4- عدم فهم سنة الاختلاف والتباين في القدرات والعقول بين الخلق واختلاف أهوائهم، ليس من الضروري أن أكون نسخة منك حتى لا نتقاطع أو نتصارم، والبغض لا يعني التصارم أيضًا أو انتهاك الحقوق، بعضهم يريد أن تنفذ أفكاره ورؤيته على أقاربه دون تنازل أو تفهم للآخرين، الخلاف في العقار أو في المال أو في موقف اجتماعي هو أزمة لكلى المتخاصمين، يجب أن يتشاركا في تخطيها هذا هو الفهم الواعي للخلاف، يجب أن يفكرا معًا في البحث عن مخرج لهما، لو كان للمتخاصمين عقول واعية لأدركا أن الحل بأيديهم ويملكون مخارج من أزمتهم.
5- عدم القدرة على إدارة الخلافات المالية والاجتماعية وتحولها إلى قضايا شخصية، فالمتخاصمون يتحول كل واحد منهم إلى مساح ومكتب هندسي، أو خبير أقتصادي، أو عالم شرعي، أو قانوني يفهم في القانون وما يجب له وما عليه، وهم في الحقيقة لا يعرفون شيئًا من ذلك، الحل التوجه إلى التحكيم المتخصص، هناك أشخاص لديهم نوايا حسنة في الإصلاح لكنهم لا يستطيعون تفكيك المشكلة ومعرفة الحق والباطل فيها.
6- الفشل في تحديد المشكلات الحقيقة، فالمشكلة تبدأ صغيرة، ثم تنتج مشكلات كثيرة، فأولها موقف عابر أو كلمة غير مقصودة لكننا نأخذ تلك الكلمة فنحرق بها كل سفن تواصلنا ونشعل النيران في حقول محبتنا، ليس لدينا القدرة على تطويق الحرائق، وتحجيم المشكلات، وتصغير الأخطاء، الخلاف المالي أو في العقار أو المطالبة بالحقوق أو الميراث ليس فيها شيء من سوء الأدب، لماذا يغضب العم من مطالبة أبناء أخيه بحقوقهم، لماذا يغضب الأخ الأكبر من مطالبة إخوانه الصغار بحقوقهم، ويفسره على أنه أسوء أدب وعدم احترام، لماذا تفسر مطالبة النساء بميراثهن بأنه قطيعة ونكران للجميل؟!
7- الحساسية الزائدة والتوثب الدائم لاستثمار أي غلطة من الأقارب وتضخيمها واستدعاء ملفات الماضي واجترار التاريخ، وسوء الظن بكلمات الآخرين وتصرفاتهم، هذه النفسية المتشنجة تسبب الخراب في الأسر والمجتمعات، أين النفوس المتسامحة المتغافلة عن كل الأخطاء والزلات؟ أين الذاكرة التي تمحو كل الآلام والأخطاء وتحتفظ بالمواقف الجميلة ولو كانت قليلة؟
8- الفوضى في التدخلات بين المتخاصمين فكثير من الذين يتدخلون يفتقدون القدرة على الإصلاح وبعضهم ليس له قبول لدي الطرفين أو أحدهما وبعضهم ليس لديه النوايا الحسنة أيضًا.
9- الخداع والمجاملة والمداهنة في الأسر وعدم بيان الحق للمخطئ ونصحه وبيان مواضع خطئه، هذا هو الدين الدين النصيحة.
10- العادات الاجتماعية نفسها بيئة للخصومات بين الأقارب، فعاداتنا في الزواج، وعاداتنا في تقسيم الميراث وعاداتنا في التواصل والتفهم والكلام، كلها توفر بيئة للتفجر والخصومة، فتعقيدات تلك المناسبات وطريقتنا في الخطاب ومهارات التواصل والصراخ وسرعة الانفعال تساعد على إيجاد مشاكل في كل مرة، والحل أن نحاول تبسيط مناسباتنا وأن نغيرعاداتنا في الحديث والتفاهم، وأن نتحلى بالهدوء وخفض الصوت وعدم فتح ملفات المشكلات في أوقات الغضب والانفعال.
-------------------------------
د. عبدالله بلقاسم
- التصنيف: