الفوز الكبير يا دعاة الإسلام
منذ 2009-08-20
أمّا الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فهي التي لم تزل على الحق ظاهرة، ملتزمة بمنهج الرسل، لايضرها من خالفها ولا من خذلها، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
الحمد لله الذي هدى إلى صراط مستقيم،
والصلاة والسلام على رسله خير الهداة المرشدين، وعلى نبينا محمد وآله
وصحبه ومن تبعهم من العلماء العاملين، وبعد:
إن طريق الدعوة طريق ممتدة سهلة في أصلها، بيد أن قطاع الطريق الذين يصدون ويوعدون أهل الدعوة إذا اشتدت لهم شوكة قد يجعلون طريق الدعوة طريقاً مخوفاً مهولاً مُعْوِراً، والواجب الصبر حينها، فإما أن يصل السالك فيها إلى حيث أراد فيجني الثمرة، ويبصر بعين رأسه أرض الإسلام الخالص، ويتنسم هواءها العليل، ويشرب صرفاً من معينها الصافي، وإما أن يهلك فيه فيختصر له طريق الجنة، وحينها يخرج من ضيق الدنيا، إلى سعة الآخرة. وكلا الاحتمالين قد عرض لبعض أنبياء الله، فهذا صار ملكاً مطاعاً يسوس الناس بالشرع خير سياسة، وهذا قتل وأهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، وذاك يجيء يوم القيامة ومعه السواد العظيم الذي سد الأفق، وآخر يأتي فرداً ليس معه أحد. وجميعهم قد قضوا ما عليهم وفازوا وأي فوز!!
إن الفوز الكبير في الآخرة منوط بالثبات على الطريق بعد ولوجها، وليس منوطاً بقطعها، فإن النية تبلغ ما لا يبلغ العمل، المعول عل التزام أمر الله، لا على ترك الخليقة أمر ربها، فالبلاغ عليك، والهداية ليست إليك، وحينها فالانتصار الحقيقي هو ثباتك على منهج الله، ذلك هو الفوز الكبير، وإن مت أو قتلت!!
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴿٤﴾ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿٥﴾ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴿٦﴾ وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴿٧﴾ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿٨﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿٩﴾ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴿١٠﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [سورة البروج: 4-11]، فهل رأيت في القرآن تعقيباً يصف الله فيه الفوز بهذا الوصف إلاّ في هذا المقام؟، فإذا فقهت هذا فلا تعجب إن رأيت رصاصة آثمة تخترق جمجمة مؤمن وهو يقول ما كلمة سلفه: "فزت ورب الكعبة"!، إي والله ذلك هو الفوز الكبير.
ولقد تأمَّلت في واقع الدعوة في عصورنا المتأخرة فوجدت أن الدعاة والجماعات والمؤسسات الدعوية على أحوال فمنهم من رأى أنّ الطريق الدعوة طريق طويل شاق، فاستعجل قطعه، فخرج عنه وحاد ذات اليمين ليختصره فضلَّ، فأعلن بعضهم الجهاد قبل أوانه، بل في غير مكانه، مع مَنْ شأنهم أن يكونوا من أهل دعوتهم، فكيف كانت النتيجة؟، ما رأيت واحداً منهم خلال مدة بلغت نصف قرن إلاّ بضع سنين قد قطع الطريق، بل انقطعوا دونه شأن المنْبَتِّ فلا ظهراً أبقوا، ولا أرضاً قطعوا، ولا واقع أصلحوا، بل انتفش الفساد، وتنمر أهل الإفساد، ونزلت ببعض المسلمين رزايا، ولحقت بالقوم مَعَرَّة.
وطائفة أخرى قابلت هؤلاء، أولئك هم الفئة اليائسة البائسة، دعت ودعت ودعت فلم ترَ استجابة، طولبت ببذر بذورٍ فظنت أن لها ثمرة مأكولة وأنها مكلفة بجلبها وفي الحال، وإن لم ينزل الله غيثاً من السماء، فلما لم ينجح المراد انقسموا فريقان: فمنهم من قعد قانطاً متشائماً آيساً ترك الحرث والبذر والعمل، وما أكثر هؤلاء في عصور الفتن، ولن أتساءل عن شباب وأفراد لا يحصون، ولكن أجبني أين دعاة كنت تعرفهم قبل عشرات السنين يملؤون السمع والبصر، فإذا هم الآن تاريخ غبر، هم أحياء ولكن:
رب حي رخام القبر مسكنه
ورب ميْتٍ على أقدامه انتصبا
فهؤلاء فريق تركوا السير والعمل، وركنوا إلى ظل زائل، وقد كفوا خيرهم وشرهم، فهم على عجرهم وبجرهم خير من الفريق الثاني: الذين رأوا أنهم مكلفون بجني الثمار، وبأي سبيل، فلما مرت السنوات ولم يرو للبذر أثراً، طفقوا يسرقون وينهبون ويستجدون ويأتون كل منكر لتحصيل ثمرة موهومة غير مرادة وليست بمأكولة!!
رأوا الطريق طويلاً فظنوا أن بإمكانهم قطعها ولو على ظهر شيطان فركبوه!!، فأين تراه قد كبهم وألقاهم؟!... لقد نشأت قبل بضع عقود حركات ودعوات كان فيها شيء من قوة ووضوح، فإذا بها الآن هيكل ليس فيه حياة وروح، تنازلوا كثيراً وتواضعوا مع الظالمين وركنوا إلى الطغاة، ثم زعموا أن هذا هو الدين، وتلك هي سبيل المؤمنين، فضلوا وأضلوا، فلا هم حافظوا على منهجهم الذي قامت مؤسساتهم ودعواتهم من أجله، ولا هم حصّلوا ما يريدون، ولا هم كَفَوا الناس شرهم، بل ربما كانوا أكثر ضرر من الظالمين الكالحين المحاربين. فتحصلت جراء الجهل بدعوة الرسل ثلاث فئات؛ فئة المستعجلين المتهورين الباغين، وفئة اليائسين البائسين القانطين، وفئة المستعجلين المتنازلين عن الدين.
أمّا الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فهي التي لم تزل على الحق ظاهرة، ملتزمة بمنهج الرسل، لايضرها من خالفها ولا من خذلها، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
ومن فقه هؤلاء أنهم يفرقون بين ما يلزم الثبوت عليه وما لا يلزم، يعرفون أن الوسائل أمرها واسع ما لم تخالف شرعاً، فكان هذا مما أَهَلَهم للثبات على الثواب وأصول الدين. وقد يكون هؤلاء في أزمان هم الغرباء الأقلون القابضون على الجمر {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: من الآية40].
إن طريق الدعوة طريق ممتدة سهلة في أصلها، بيد أن قطاع الطريق الذين يصدون ويوعدون أهل الدعوة إذا اشتدت لهم شوكة قد يجعلون طريق الدعوة طريقاً مخوفاً مهولاً مُعْوِراً، والواجب الصبر حينها، فإما أن يصل السالك فيها إلى حيث أراد فيجني الثمرة، ويبصر بعين رأسه أرض الإسلام الخالص، ويتنسم هواءها العليل، ويشرب صرفاً من معينها الصافي، وإما أن يهلك فيه فيختصر له طريق الجنة، وحينها يخرج من ضيق الدنيا، إلى سعة الآخرة. وكلا الاحتمالين قد عرض لبعض أنبياء الله، فهذا صار ملكاً مطاعاً يسوس الناس بالشرع خير سياسة، وهذا قتل وأهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، وذاك يجيء يوم القيامة ومعه السواد العظيم الذي سد الأفق، وآخر يأتي فرداً ليس معه أحد. وجميعهم قد قضوا ما عليهم وفازوا وأي فوز!!
إن الفوز الكبير في الآخرة منوط بالثبات على الطريق بعد ولوجها، وليس منوطاً بقطعها، فإن النية تبلغ ما لا يبلغ العمل، المعول عل التزام أمر الله، لا على ترك الخليقة أمر ربها، فالبلاغ عليك، والهداية ليست إليك، وحينها فالانتصار الحقيقي هو ثباتك على منهج الله، ذلك هو الفوز الكبير، وإن مت أو قتلت!!
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴿٤﴾ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿٥﴾ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴿٦﴾ وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴿٧﴾ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿٨﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿٩﴾ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴿١٠﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [سورة البروج: 4-11]، فهل رأيت في القرآن تعقيباً يصف الله فيه الفوز بهذا الوصف إلاّ في هذا المقام؟، فإذا فقهت هذا فلا تعجب إن رأيت رصاصة آثمة تخترق جمجمة مؤمن وهو يقول ما كلمة سلفه: "فزت ورب الكعبة"!، إي والله ذلك هو الفوز الكبير.
ولقد تأمَّلت في واقع الدعوة في عصورنا المتأخرة فوجدت أن الدعاة والجماعات والمؤسسات الدعوية على أحوال فمنهم من رأى أنّ الطريق الدعوة طريق طويل شاق، فاستعجل قطعه، فخرج عنه وحاد ذات اليمين ليختصره فضلَّ، فأعلن بعضهم الجهاد قبل أوانه، بل في غير مكانه، مع مَنْ شأنهم أن يكونوا من أهل دعوتهم، فكيف كانت النتيجة؟، ما رأيت واحداً منهم خلال مدة بلغت نصف قرن إلاّ بضع سنين قد قطع الطريق، بل انقطعوا دونه شأن المنْبَتِّ فلا ظهراً أبقوا، ولا أرضاً قطعوا، ولا واقع أصلحوا، بل انتفش الفساد، وتنمر أهل الإفساد، ونزلت ببعض المسلمين رزايا، ولحقت بالقوم مَعَرَّة.
وطائفة أخرى قابلت هؤلاء، أولئك هم الفئة اليائسة البائسة، دعت ودعت ودعت فلم ترَ استجابة، طولبت ببذر بذورٍ فظنت أن لها ثمرة مأكولة وأنها مكلفة بجلبها وفي الحال، وإن لم ينزل الله غيثاً من السماء، فلما لم ينجح المراد انقسموا فريقان: فمنهم من قعد قانطاً متشائماً آيساً ترك الحرث والبذر والعمل، وما أكثر هؤلاء في عصور الفتن، ولن أتساءل عن شباب وأفراد لا يحصون، ولكن أجبني أين دعاة كنت تعرفهم قبل عشرات السنين يملؤون السمع والبصر، فإذا هم الآن تاريخ غبر، هم أحياء ولكن:
رب حي رخام القبر مسكنه
ورب ميْتٍ على أقدامه انتصبا
فهؤلاء فريق تركوا السير والعمل، وركنوا إلى ظل زائل، وقد كفوا خيرهم وشرهم، فهم على عجرهم وبجرهم خير من الفريق الثاني: الذين رأوا أنهم مكلفون بجني الثمار، وبأي سبيل، فلما مرت السنوات ولم يرو للبذر أثراً، طفقوا يسرقون وينهبون ويستجدون ويأتون كل منكر لتحصيل ثمرة موهومة غير مرادة وليست بمأكولة!!
رأوا الطريق طويلاً فظنوا أن بإمكانهم قطعها ولو على ظهر شيطان فركبوه!!، فأين تراه قد كبهم وألقاهم؟!... لقد نشأت قبل بضع عقود حركات ودعوات كان فيها شيء من قوة ووضوح، فإذا بها الآن هيكل ليس فيه حياة وروح، تنازلوا كثيراً وتواضعوا مع الظالمين وركنوا إلى الطغاة، ثم زعموا أن هذا هو الدين، وتلك هي سبيل المؤمنين، فضلوا وأضلوا، فلا هم حافظوا على منهجهم الذي قامت مؤسساتهم ودعواتهم من أجله، ولا هم حصّلوا ما يريدون، ولا هم كَفَوا الناس شرهم، بل ربما كانوا أكثر ضرر من الظالمين الكالحين المحاربين. فتحصلت جراء الجهل بدعوة الرسل ثلاث فئات؛ فئة المستعجلين المتهورين الباغين، وفئة اليائسين البائسين القانطين، وفئة المستعجلين المتنازلين عن الدين.
أمّا الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فهي التي لم تزل على الحق ظاهرة، ملتزمة بمنهج الرسل، لايضرها من خالفها ولا من خذلها، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
ومن فقه هؤلاء أنهم يفرقون بين ما يلزم الثبوت عليه وما لا يلزم، يعرفون أن الوسائل أمرها واسع ما لم تخالف شرعاً، فكان هذا مما أَهَلَهم للثبات على الثواب وأصول الدين. وقد يكون هؤلاء في أزمان هم الغرباء الأقلون القابضون على الجمر {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: من الآية40].
المصدر: موقع المسلم
- التصنيف:
الشافعى احمد
منذ