سورة الطلاق والحلول الربانية
فارس يوسف المصري
أن الله سبحانه نوع بين الترغيب والترهيب فيها، حتى يكون أمر المرء دائرا بين حسنيين، إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان.
- التصنيفات: القرآن وعلومه - فقه الزواج والطلاق -
تأملت في سوره الطلاق فإذا هي وحدها مفتاح حل لكثير من النزاعات بين الزوجين بعد طلاقهما.
فالسورة ليست تذكر أحكاما فحسب، بل تذكر بما هو أعظم من ذلك، وهو كيف يمكن أن يحافظ المرء على دينه الذي قد يضيع بعضا منه في مثل هذه المشاحنات، حيث تراه صخرة خلقاء لا تستجيب للمرتقي، وحية صماء لا تسمع للراقي!!
فالناظر لبيوت كثير من المسلمين يجد أنه ما يتم الطلاق إلا وتتبدل المعاملات من حسن لسيء، ومن سيء لأسوأ.
فالرجل قد أسكرته خمرة الكبر، واستهوته غرة التيه! والمرأة تقول بهتا، وزورا بحتا!
وما أنزل الله من داء، إلا وأنزل له دواء، وفي هذه السورة من ذلك:
أن الله سبحانه نوع بين الترغيب والترهيب فيها، حتى يكون أمر المرء دائرا بين حسنيين، إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان.
فمن الترغيب:
أنه في أكثر من آيه يوصي {اتَّقُوا اللَّهَ}، ويوصي بأمور إما أن تجلب الموده بعد الفراق، أو تبعد نزغ الشيطان في تصويره لكل واحد قسيمه على صورة في بعده غير التي هو عليه في الحقيقة {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1]؛ ثم تعليل ذلك بقوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] أي : أمرا يزول به سبب الطلاق، ويتغير به ما في النفوس.
وقل أن يكون ذلك الأمر إن خرجت المرأة أو أخرجها الرجل.
ثم بيان أن: {ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [الطلاق:2]؛ وأنه: {مَن يَتَّقِ اللَّهَ} [الطلاق:2]؛ في إيقاعه الطلاق على وجه صحيح، لا على وجه بدعي، ولا على وجه ظلم وبغي: {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]، من همه وكربه، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3]، وأي رزق دون ذلك ففوته غنيمة، والظفر به هزيمة.
ولكي لا يحزن أحد الطرفين على ما يبديه من معروف ويقابل عليه بالإساءة والنكران، أمر الله بالتوكل عليه {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] .
ومن لم يصلح معه الترغيب، فإنه يزجره الترهيب، فذكر الله عز وجل أن هذه ليست أحكام البشر لينازع فيها: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]؛ حتى لا يجور، ولا تبغي المرأة، بل يتقي كل منهما الله ربهما.
ثم أتبع الله عز وجل آيات الطلاق بأعظم مخوف رأيته على الإطلاق فيها، إذ يقول سبحانه بعد سبع آيات متواليات {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا؛ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا؛ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [الطلاق:8-10]. فمما وقر في قلبي، أن هذه الآية لها ارتباط بما قبلها، ومن أرشد لذلك تبين له لماذا من يخالفون أمر الله في الطلاق يقعون في ضنك وعذاب وخسران، فإنها طائفه خرجت عن حد الاعتدال، وذهبت ذات اليمين وذات الشمال: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} [الطلاق:9].
ومن يتقه، فيوقعه على ما أمر الله، ولا يبغي ولا يظلم: {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا؛ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] .
{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا؛ رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق:10-11].