الأخلاق والإيمان (2)
أبو محمد بن عبد الله
حين يستشعر المؤمن أن الأخلاق ذات صلة وطيدة بالإيمان وعلاقة وثيقة بالعقيدة، وتعبير صادق عمَّا في القلب، عندئذ سوف يجتهد في تحسين أخلاقه، تصحيحا لعقيدته وتصديقًا لإيمانه
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية - محاسن الأخلاق - مساوئ الأخلاق -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ، فإن في مقالة سابقة ذكرنا أن التخلق بالأخلاق الفاضلة عبادة مأجورة كعبادة الصلاة والصيام، وبه يبلغ العبدُ درجة القائم الصائم، وموعدنا في هذه العُجالة أن نُذّكَّر أنفسنا وإخواننا أن الأخلاق أصلا إيمان وعقيدة، قبل أن يكون سلوكًا ظاهريًّا أو ثوبا ملبوسا يخلعه اللابس ولا بأس!
وحين يستشعر المؤمن أن الأخلاق ذات صلة وطيدة بالإيمان وعلاقة وثيقة بالعقيدة، وتعبير صادق عمَّا في القلب، عندئذ سوف يجتهد في تحسين أخلاقه، تصحيحا لعقيدته وتصديقًا لإيمانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « »(متفق عليه).
وليس لي هذا القعيد، وإنما هو للصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة لا تحتاج إلى شرح وبيان، وإنما تحتاج إلى عقل وجَنَان، ومنها حديث: «الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية...
»(الترمذي، السنن، رقم:[1162] وأبو داوود، السنن، برقم:[ 4682]). فكلّما كان إيمان المرء أكمل، كان خلُقه أحسن، وبعلاقة عكسية مُتبادلة، فإنه كلَّما حسَّن المرءُ من أخلاقه احتسابًا زاد إيمانه؛ لأنه من جملة الطاعة، وعقيدة أهل السنة أنومن جملة ما يُبَيِّن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «البخاري في صحيح، رقم:[1088] ومسلم بنحوه برقم:[1338])، فالإيمان بالله واليوم الآخر يمنع صاحبه من هذه المخالفات الأخلاقية، بل جعل بعضها من شُعبِ النفاق، وقد يكون منافقًا خالصًا بها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: « »(متفق عليه)، ومعلوم أن النفاق نقص أو نقضٌ للإيمان...
»(متفق على صحته)، ومنها في جانب النهي قوله صلى الله عليه وسلم: « »(أحمد، المسند، برقم:[22248]، وحسنه الأرناؤوط)، ومنها حديث: « »(لذلك حين غاب هذا المفهوم الإيماني للأخلاق صارت حياة المسلمين غير إسلامية-إلا من رحم الله-
وفي الجملة، لو أننا نستحضر مثل هذه المعاني عند ممارسة الأخلاق، وحكمناها بهذا المنطق، لحَسُن إسلام كثيرٍ مِنَّا، أما ما دام قِطاع عريضُ من (المسلمين) يعاملون الأخلاق كقشور الفاكهة التي تُرمى ويُؤكلُ لُبّها فعندئذ قل مثل ما ورد عن بعض السلف كأبي هريرة رضي الله عنهم: " ذَهَبَ النَّاسُ وَبَقِيَ النَّسْنَاسُ"، فَقِيلَ لَهُ: مَا النَّسْنَاسُ؟ قَالَ: "يَتَشَبَّهُونَ بِالنَّاسِ وَلَيْسُوا بِنَاسٍ"(السخاوي، المقاصد الحسنة، رقم[505])؛ فهل يقال الآن: ذهب الناس والنسناس؟!