أعمال القلوب - [13] الرضا 3-3
الرضا بما قسم الله و أعطاه من الرزق وهذا ممكنٌ يجيده بعض العوامّ، والمرتبة الأعلى: الرضا بما قدّره الله وقضاه، ومرتبةٌ أعلى من هذه، أن يرضى بالله بدلًا من كل ما سواه.
الرضا مقاماتٌ فمنها:
الرضا بما قسم الله و أعطاه من الرزق وهذا ممكنٌ يجيده بعض العوامّ، والمرتبة الأعلى: الرضا بما قدّره الله وقضاه، ومرتبةٌ أعلى من هذه، أن يرضى بالله بدلًا من كل ما سواه. هذه منازل قد يأتي البعض بواحدةٍ ولا يقدر على الأخرى، و قد يأتي البعض بجزءٍ من الدرجة، ولا يحقق كل الدرجة، قد يرضى عن الله فيما قسم له من الزوجة ولا يرضى بما قسم له في الراتب مثلًا، قد يصبر على سرقة المال، ولا يصبر على فقد الولد. وأما أن الإنسان يرضى بالله عن كل ما سواه، معنى ذلك أن يهجر كل شيءٍ لا يؤدي إلى الله (ملاهٍ ــ ألعاب ــ أمورٌ مباحةٌ لا تقود إلى الله) فالمشتغل بها لا يعتبر أنه رضي بالله عن كل ما سواه، هذه حالةٌ خاصةٌ لشخصٍ مع الله دائمًا، كل شيءٍ أي عملٍ أي حركةٍ أي سكنةٍ كلها طريقٌ إلى الله تؤدي إلى مرضاة الله.
درجات الرضا:
1- منها الرضا بالله ربًا وتسخّط عبادة ما دون الله، وهذا قطب الإسلام لابد منه، أن ترضى بالله ولا ترضى بأي إلهٍ آخر ( بوذا .. ما يعبده المشركون .. اليهود .. النصارى )، لم يتخذ غير الله ربًا يسكن إليه في تدبيره و ينزل به حوائجه. وهذا محرومٌ منه غلاة الصوفية المشركون عبّاد القبور، فينزلون حوائجهم بالأولياء والأقطاب ويسألونهم ويستغيثون بهم ويتوكّلون عليهم ويرجون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، لو آمنوا بالله حقًا لطلبوا المدد من الله ولم يذهبوا إلى المخلوقين في قبورهم، يقولون: يا فلان المدد، يا فلان أغثنا!!
ثم يأتي الصوفية ويقولون: نحن متخصّصون بالقلوب وقد ضيّعوا الأساس!! {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الانعام:164] ؟ قال ابن عباس: "يعني سيدًا و إلهًا، فكيف أطلب ربًا غيره وهو ربُّ كل شيءٍ؟!! "
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام:14]، يعني: أغير الله أتخذ معبودًا وناصرًا ومُعينًا وملجأً؟!! وليًا من الموالاة التي تتضمّن الحب و الطاعة. {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام:114]، هل أرضى بحَكَمٍ آخر يحكم بيني و بينكم غير الله بكتابه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلو قال أحدهم: أنا أرضى بالقانون الوضعيّ يحكم بيننا .. هذا لا يمكن أن ينطبق عليه أنه يؤمن بالله ربًا ..!! إذاً هناك أناسٌ يدّعون الرضا بالله ثم يخالفون في تعاملاتهم قاعدةً و أساساً من أعظم الأسس ..، فإذا رضيت بالله رباً: يجب أن ترضى به حَكَماً {إنِ الحُكْمُ إلا لله} ومن خصائصه سبحانه: أن التحكيم و الحُكْمَ له سبحانه وحده ..
ثم إذا تأملتَ هذه الأمور عرفتَ أن كثيرًا من الناس يدّعون الرضا بالله ربًا و بالإسلام دينًا و بمحمدٍ نبيًا ثم هنا يخالفون حكم الله ويرضون بحكم غيره ويخالفون السنّة وهناك يميلون ويوالون أصحاب دياناتٍ أخرى، فأين هم من هذه الثلاثة؟؟!! والقرآن مليءٌ بوصف المشركين أنهم اتخذوا من دون الله أولياء!! من تمام الإيمان صحة الموالاة ومدار الإسلام على أن يرضى العبد بعبادة الله وحده ويسخط عبادة غيره، والفرق بين الرضا بالله والرضا عن الله:
أ ــ الرضا بالله: تحدثنا عنه بأنه الله وأنه المعبود فقط لا غيره وأن الحكم له فقط لا لغيره وأن نرضى بما شرع. ولا يمكن أن يدخل فيه المؤمن والكافر معًا لا يكون إلا للمؤمن.
ب ــ الرضا عن الله: أي: ترضى بما قضى و قدّر تكون راضيًا عن ربك فيما أحدث لك وخلَق من المقادير. ويدخل فيه المؤمن والكافر، فلابد من اجتماع الأمرين معًا: الرضا بالله والرضا عن الله، والرضا بالله أعلى شأناً وأرفع قدرًا؛ لأنها مختصّةٌ بالمؤمنين. والرضا عن الله مشتركةٌ بين المؤمن والكافر؛ لأن الرضا بالقضاء قد يصح من المؤمن والكافر، فقد تجد تصرّف كافرٍ فتقول: هذا راضٍ بالقضاء ومسلّم ولا اعتراض عنده، لكنه لم يرضَ بالله ربًا. فالرضا بالله ربًا آكد الفروض باتفاق الأمّة، فمن لا يرضى بالله ربًا فلا يصح له إسلامٌ ولا عملٌ، الرضا عن الله الرضا بالقضاء، ما حكمه؟!
يجب التفصيل أولًا في قضيّة القضاء:
1- قضاءٌ شرعيٌّ: وهو ما شرعه الله لعباده {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:32] قضى علينا و شرع، قد يلتزم العباد به و قد لا يلتزمون به.
2- قضاءٌ كونيٌّ: كُنْ فيكون، إذا قضى الله بموتِ شخصٍ أو مرضٍ أو شفاءٍ أو غنىً أو فقرٍ أو نزولِ مطرٍ، إذا قضاها فلا رادّ لقضائه، قضاءٌ كونيٌّ، لا يستخلف، لابد أن يقع، كُنْ فيكون.
فبالنسبة للقضاء الشرعي أن يكون عندنا رضا به قطعًا، وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، لابد أن نرضى بدون أي حرجٍ ولا منازعةٍ ولا معارضةٍ، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، لكن الرضا بالمقادير التي تقع، هناك فرقٌ بين الرضا والصبر، الرضا بالمقدور،والصبر على المقدور، الرضا درجةٌ أعلى من الصبر. ليس الرضا عمليةً سهلةً، وعلى ذلك يُحْمَل كلام من قال من العلماء إن الرضا ليس بواجبٍ في المقدور، الله لم يوجب على عباده أن يرضوا بالمقدور (المصائب)؛ لأن هذه الدرجة لا يستطيعها كل العباد، و لكن أوجب عليهم الصبر، وهناك فرقٌ بين الرضا والصبر.
قد يصبر الإنسان وهو يتجرّع المرارة وألم المصيبة، ويمسك نفسه ويحبسها عن النياحة وشقّ الجيب أو قول شيءٍ خطأٍ، فنقول: هو صابرٌ، لكن هل وصل إلى مرحلة الرضا؟!! يعني هل وصل إلى مرحلة الطمأنينة والرضا بهذه المصيبة؟!! ليس كل الناس يصلون إلى هذا، لا يجوز لطم الخدود ولا النياحة ولا شقّ الجيب؛ لأن هذا ضد الصبر الواجب، فالرضا لم يوجبه الله على كل عباده، لكن من وصل إلى الرضا شأنه عظيمٌ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الرضا بالقضاء ثلاثة أنواعٍ:
1ــ أحدها: الرضا بالطاعات: حكمها طاعةٌ.
2ــ الرضا بالمصائب: فهذا مأمورٌ به، فهو إما واجبٌ أو مستحبٌّ. أما الواجب: فهو ما يوازي الصبر وهو الدرجة الأولى من الرضا. أما الدرجة العليا من الرضا عند المصيبة التي فيها سكينة النفس التامة: فهذا عزيزٌ لا يصل إليه إلا قلّةٌ من المخلوقين. والله من رحمته لم يوجبه عليهم؛ لأنهم لا يستطيعونه.
3ــ الرضا بالمعصية: معصيةٌ".
سؤال: فما حكم الرضا بالكفر و الفسوق و العصيان؟!
الجواب: يرى في أهله الخبث وهو راضٍ، الرضا بالمعصية ؛معصيةٌ حرامٌ، الرضا بالكفر ؛ كفرٌ، حكم الرضا بالمعصية؛ لا يجوز، بل الإنسان مأمورٌ ببغض المعصية، والله لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب المعتدين ولا يحب الظلم ولا الظالمين.
ثمرات الرضا:
إن للرضا ثمراتٌ كثيرةٌ، على رأسها
1ــ الرضا والفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أرضى الناس بالله وأسرّ الناس بربه وأفرحهم به تبارك و تعالى، فالرضا من تمام العبودية ولا تتم العبودية بدون صبرٍ وتوكلٍ ورضا وذلٍّ وخضوعٍ وافتقارٍ إلى الله.
2ــ إن الرضا يثمر رضا الرب عن عبده، فإن الله عز وجل رضي بمن يعبده عمّن يعبده على من يعبده وإذا ألححتَ عليه وطلبتَه وتذلّلتَ إليه أقبل عليك.
3ــ الرضا يخلّص من الهمّ والغمّ والحزن وشتات القلب وكسف البال وسوء الحال، و لذلك فإن باب جنة الدنيا يفتَح بالرضا قبل جنة الآخرة؛ فالرضا يوجب طمأنينة القلب وبَرْده وسكونه وقراره بعكس السخط الذي يؤدي إلى اضطراب القلب وريبته وانزعاجه وعدم قراره، فالرضا ينزِل على قلب العبد سكينةً لا تتنزّل عليه بغيره ولا أنفع له منها؛ لأنه متى ما نزلت على قلب العبد السكينة: استقام وصلُحت أحواله وصلُح باله، ويكون في أمنٍ ودَعَةٍ وطيبِ عيشٍ.
4ــ الرضا يخلّص العبد من مخاصمة الرب في الشرائع والأحكام والأقضية، مثلًا إبليس لما أُمِر بالسجود عصى؟ رفض؟ لم يرضَ، كيف أسجد لبشرٍ خلقتَه من ترابٍ؟ فعدم الرضا من إبليس أدّى إلى اعتراضٍ على أمر الله، فإذًا منافقو عصرنا الذين لا يرضون بحكم الله في الربا والحجاب وتعدّد الزوجات في كل مقالاتهم في مخاصمةٍ مع الرب سبحانه، لماذا؟! كلامهم يدور على مخاصمة الرب في شرعه وإن لم يصرّحوا بهذا! فالرضا يخلّص الإنسان من هذه المخاصمة.
5ــ الرضا من العدل، الرضا يُشْعِر العبد بعدل الرب، و لذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: «
» [صحيح ابن حبان:972]، والذي لا يشعر بعدل الرب فهو جائرٌ ظالمٌ، فالله أعدل العادلين حتى في العقوبات، فقطع يد السارق عقوبةٌ، فالله عدَل في قضائه وعقوباته فلا يُعْتَرض عليه لا في قضائه ولا في عقوباته.6ــ وعدم الرضا إما: 1ــ لفواتِ شيءٍ أخطأك وأنت تحبه و تريده.
2ــ أو لشيءٍ أصابك وأنت تكرهه وتسخطه، فيحصل للشخص الذي ليس عنده رضا قلقٌ واضطرابٌ إذا نزل به ما يكره وفاته ما يحب حصل له أنواع الشقاء النفسي، وإذا كان راضيًا لو نزل به ما يكره أو فاته ما يحب ما شقي ولا تألّم؛ لأن الرضا يمنع عنه هذا الألم، فلا هو يأسى على ما فاته ولا يفرح بما أوتي {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:23]الرضا مفيدٌ جدًا أن المرء لا يأسف على ما فاته ولا يحزن ولا يتكدّر على ما أصابه؛ لأنه مقدّرٌ مكتوبٌ.
7ــ الرضا يفتح باب السلامة من الغشّ والحقد والحس؛ لأن المرء إذا لم يرضَ بقسمة الله سيبقى ينظر إلى فلانٍ وفلانٍ، فيبقى دائمًا عينه ضيقةٌ و حاسدٌ، ومتمنٍّ زوال النعمة عن الآخرين، والسخط يدخل هذه الأشياء في قلب صاحبه.
8ــ الرضا يجعلك لا تشكّ في قضاء الله وقدره وحكمته وعلمه، فتكون مستسلمًا لأمره معتقدًا أنه حكيمٌ مهما حصل، لكن الإنسان الساخط يشكّ ويوسوس له الشيطان ما الحكمة هنا وهنا؟ ولذلك (الرضا و اليقين) أخوان مصطحبان، و(السخط والشكّ) توأمان متلاصقان! إذا استطعتَ أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر خيرًا كثيرًا.
9ــ من أهم ثمرات الرضا: أنه يثمر الشكر، فصاحب السخط لا يشكر، فهو يشعر أنه مغبونٌ وحقّه منقوصٌ وحظّه مبخوسٌ! لأنه يرى أنه لا نعمة له أصلًا! السخط نتيجة كفران المنعم والنعم! الرضا نتيجة شكران المنعم والنعم.
10ــ الرضا يجعل الإنسان لا يقول إلا ما يرضي الرب، السخط يجعل الإنسان يتكلّم بما فيه اعتراضٌ على الرب، وربما يكون فيه قدحٌ في الرب عز وجل. صاحب الرضا متجرّدٌ عن الهوى، وصاحب السخط متّبعٌ للهوى، ولا يجتمع الرضا واتباع الهوى.
لذلك الرضا بالله وعن الله يطرد الهوى، صاحب الرضا واقفٌ مع اختيار الله. يحسّ أن عنده كنزٌ إذا رضي الله عنه أكبر من الجنة، لأن الله عندما ذكر نعيم الجنة قال: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72]. رضا الله إذا حصل هو أكبر من الجنة وما فيها. والرضا صفة الله والجنة مخلوقةٌ، وصفة الله أكبرمن مخلوقاته كلها، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72] رضا الله أكبر من الجنة!
11ــ الرضا يخلّص العبد من سخط الناس، لأن الله إذا رضي عن العبد أرضى عنه الناس، والعبد إذا سعى في مرضاة الله لا يبالي بكلام الناس، أما المشكلة إذا سعى في مرضاة الناس فسيجد نفسه متعبًا؛ لأنه لن يستطيع إرضاءهم فيعيش في شقاءٍ، أما من يسعى لرضا الله فلا يحسب لكلام الناس أي حسابٍ ولن يتعبَ نفسيًا ولو وصل إليه كلام الناس فلن يؤذيَه نفسيًا ولن يبالي مادام الله راضيًا عنه.
12ــ الله يعطي الراضي عنه أشياءَ لم يسألها، ولا تكون عطايا الله نتيجة الدعاء فقط مادام في مصلحته.
13ـ الرضا يفرّغ قلب العبد للعبادة، فهو في صلاته خالٍ قلبُه من الوساوس، في الطاعة غير مشتّت الذهن، فيستفيد من العبادة، الرضا يركّز ويصفّي الذهن فينتفع صاحبه بالعبادة.
14ــ الرضا له شأنٌ عجيبٌ مع بقية أعمال القلوب الصالحة، فأجره لا ينقطع و ليس له حدٌّ بخلاف أعمال الجوارح، فأجرها له حدٌّ تنتهي بمدّةٍ معينةٍ، فعمل الجوارح محدودٌ، لكن عمل القلب غير محدودٍ، فأعمال الجوارح تتضاعف على حدٍّ معلومٍ محسوبٍ، أما أعمال القلوب فلا ينتهي تضعيفها وإن غابت عن بال صاحبها، كيف؟!
إنسانٌ راضٍ يفكّر بذهنه وقلبه أنه راضٍ عن الله وعن قضائه، عرضت له مسألةٌ حسابيّةٌ فانشغل ذهنه بها،العلماء يقولون: أجر الرضا لا ينقطع وإن شُغِل الذهن بشيءٍ ثانٍ؛ لأن أصله موجودٌ ولو انشغل القلب بشيءٍ ثانٍ الآن.
إنسانٌ يخاف الله، أحيانًا يحصل له بكاءٌ ووجلٌ نتيجة هذا الخوف، لو انشغل باله مع ولده يضمّد جراح ولده ونسي موضوع التأمل في الخوف وما يوجب البكاء والخشية فلازال أجره على الخوف مستمرًّا؛ لأنه عملٌ قلبيٌّ مركوزٌ في الداخل لم ينتهِ أجره بل هو مستمرٌّ، وهذا من عجائب أعمال القلوب. وهذا يمكن أن يوضِّح لماذا أجر أعمال القلوب أكثر من أجر أعمال الجوارح، مع أنه لابد من أعمال الجوارح طبعًا، لأنه إذا لم يكن هناك أعمال جوارح فالقلب خرِبٌ.
سؤال: هل الرضا يتعارض مع الدعاء؟!
الجواب: لا؛ لسبب أن الدعاء يرضي الله وهو مما أمر الله به.
سؤال: هل الإنسان إذا دعا أن يزيل الله عنه مصيبةً لا يكون راضيًا؟!
الجواب: لا؛ ليس هكذا،لأن الله قال:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]،وقال: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16] يدعون ربهم يريدون نعمًا ودفعَ نقمٍ. الدعاء لجلبِ منفعةٍ أو دفعِ مضرّةٍ، فلأن الله قال: {ادْعُونِي} و لأن الدعاء يرضي الله، فإن الدعاء لا يتعارض مع الرضا، فالمرء لو كان راضيًا بالمعصية وسأل الله أن يزيل أثرها أو يعوّضه خيرًا، لم يعارضِ الدعاءُ الرضا، لأن الله أمرنا أن نسأله الرزق فقال: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ} [العنكبوت:17]
سؤال: هل الرضا يتنافى مع البكاء على الميّت؟!
الجواب: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "البكاء على الميت على وجه الرحمة حسنٌ مستحبٌّ وذلك لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه" وبهذا يُعْرَف قوله صلى الله عليه وسلم لما بكى على الميت: «صحيح مسلم:923]، وينبغي أن نفرّق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ولده إبراهيم يموت بكى لماذا بكى؟ رحمةً أو تأسّفًا على فقد الولد!
» [وإن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظِّه إلا لرحمة الميت، فإن الفضيل بن عياض لما مات ابنه علي ضحك وقال: "رأيت أن الله قد قضى، فأحببتُ أن أرضى بما قضى الله به" فحاله حالٌ حسنٌ بالنسبة لأهل الجزع، وأما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء وحمد الله على كل حالٍ كما قال صلى الله عليه وسلم فهذا أكمل.
سؤال: أيهما أكمل؛ النبي صلى الله عليه وسلم بكى رحمةً بالميت أو الذي من السلف ضحك؟
الجواب: بكاء رحمة الميت مع حمد الله والرضا بالقضاء أكمل، كما قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، فذكر الله التواصي بالصبروالتواصي بالمرحمة، الناس أربعة أقسامٍ:
1ــ منهم من يكون فيه صبرٌ بقوةٍ (ما فيه رحمة).
2ــ ومنهم من يكون فيه رحمةٌ بقوةٍ (ينهار).
3ــ ومنهم من يكون فيه القسوة والجزع (جمع الشر من الطرفين).
4ـ المؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه ويرحم الناس. ومما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ في العقل ولا في الدين طلب رضا المخلوقين بإطلاقٍ؛ لوجهين: أولهما؛ أحدهما أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي: "رضا الناس غايةٌ لا تُدْرَك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه ودع ما سواه ولا تعانِه"،ثانيهما؛ أنّنا مأمورون أن نتحرّى رضا الله ورسوله {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [التوبة:62].
سؤال: هل نحن مكلّفون أن نرضي الناس كلهم؟!
الجواب: لا، لسنا مكلّفين؛ لسببين: أولهما؛ لأنه غير ممكنٍ، ثانيهما؛ لأننا مكلّفون بإرضاء الله وليس بإرضاء الناس.
- التصنيف:
- المصدر: