لك الله.. أيها الأقصى

منذ 2009-09-30

ها هم المستوطنون اليوم, وما يسمون أمناء الهيكل, وفي ظل حماية جنود الإحتلال يقتحمون باحات المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة, ولهم في ذلك غايات وأهداف شريرة لا تخفى على أحد من الفلسطينيين الذين نذروا أنفسهم لحمايتهما والدفاع عنهما مهما كلفهم الأمر.

ولطالما ردد الفلسطينيون الذين شرفهم الله بجوار الأقصى المبارك, والذين طالما بذلوا الغالي والنفيس دفاعا عن عروبته وإسلاميته شعار الأقصى في خطر. وها هم مرة أخرى, وثالثة ورابعة وخامسة, وللمرة الألف يرددون هذا الشعار بعد أن ترجمته الجرافات الإسرائيلة إلى واقع ملموس.

لقد كان من المفترض أن يكون لهذه الصرخة المدوية أصداء في العالمين العربي والإسلامي. إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث لا على مستوى الشارع الجماهيري ولا الرسمي. ولا غرابة في ذلك, فإن العالمين العربي والإسلامي غارقان في مشاغلهما الدنيوية من مهرجانات ومؤتمرات واجتماعات ومباريات وبرامج ترفيهية تبثها فضائياتهما.

وعلى ما يبدو أن الهجمة الأخيرة على الأقصى, والتي ما زالت آخذة في التوسع, لم تحرك ساكنا في هذين العالمين, وكأن الأمر لا يعنيهما. أما الأقصى الذي دخل مرحلة الخطر الفعلي بالهجوم عليه, فعلى ما يبدو لم يبق له إلا شعبه الفلسطيني الذي ما زال يفديه بدماء ابنائه, ولم يتوان لحظة عن الدفاع عنه بكل ما أوتي من قوة وعزيمة.

وها هم الفلسطينيون هذه الأيام يصرخون بأعلى صوتهم ويتصدون مرة أخرى, ولا من مجيب. وها هي الحفريات جارية على قدم وساق غير آبهة باحتجاجات الفلسطينيين الذين يستقرئون نذر المخاطر جراءها, ولا بمشاعر المسلمين في كافة أرجاء العالم, والأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدتهم وتاريخهم المجيد. إنها النوايا المبيتة للمسجد الأقصى تحديدا, سواء من تحت أساساته, حيث الأنفاق المتعددة الاتجاهات والأهداف، أو سواء من حيث ما يحيط به من كل اتجاهاته.

ولا تقف هذه الاجراءات العدوانية بحق الأقصى عند هذه الحدود, فإن ما يسمى "أمناء الهيكل" ما زالوا يقفون للأقصى المبارك بالمرصاد, يتربصون به, ويتحينون الفرص للإنقضاض عليه, بغية هدمه واقامة "الهيكل" المزعوم عليه, وهم الذين قد جهزوا ما أطلقوا عليه حجر الأساس, والذين طالما طافوا به في مدينة القدس تحديا وتهديدا وتوعدا وترهيبا.

ولا غرابة في ذلك, فإن العالمين العربي والإسلامي غارقان في مشاغلهما الدنيوية من مهرجانات ومؤتمرات واجتماعات ومباريات وبرامج ترفيهية تبثها فضائياتهما. وعلى ما يبدو أن الهجمة الأخيرة على الأقصى, والتي ما زالت آخذة في التوسع, لم تحرك ساكنا في هذين العالمين, وكأن الأمر لا يعنيهما. أما الأقصى الذي دخل مرحلة الخطر الفعلي بالهجوم عليه, فعلىما يبدو لم يبق له إلا شعبه الفلسطيني الذي ما زال يفديه بدماء ابنائه, ولم يتوان لحظة عن الدفاع عنه بكل ما أوتي من قوة وعزيمة.

فلسطينيا.. المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ليس مجرد مسجد يصلي فيه المسلمون كبقية المساجد رغم أنها جميعا بيوت الله. وعلاوة على أنه أحد بيوت الله, إلا أن له خصوصية وتميزا, فالفلسطينيون وكل المؤمنين ينظرون إليه عبر بعدين. أولهما أنه قبلة المسلمين الأولى في صلاتهم, وهو الحرم المقدسي في القدس الشريف ثالث الحرمين الشريفين - حرم بيت الله الحرام في مكة المكرمة, والحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة - وهي أقدس مقدسات المسلمين.

أما البعد الثاني فكونه يحتل مساحة شاسعة من تاريخ الإسلام ويضيء فضاء رحبا من فضاءاته التاريخية. لقد كان المسجد الأقصى المبارك على مدى التاريخ محط اهتمام الخلفاء والقادة والحكام المسلمين, فتركوا بصماتهم الحضارية على رحابه وفي جنباته احتراما لمكانته المقدسة الفريدة.

ويوم احتل الصليبيون القدس وصالت وجالت خيول الغزاة في رحابه الطاهرة, شكل ذلك كابوسا أرّقَ المسلمين ليل نهار الى أن حرره الناصر صلاح الدين الأيوبي, وحمل معه المنبر الذي أعده السلطان نورالدين زنكي الذي عزم على تحريره, إلا أنه وافته المنية قبل أن يبر بوعده الذي تشرف به الناصر صلاح الدين.

إن المكانة التي تحظى بها القدس لدى المسلمين جميعا, كونها تشرفت بحضانتها للمسجد الأقصى وللصخرة المشرفة, فأصبح تاريخ القدس من تاريخهما والحديث عن القدس يعني في الدرجة الأولى الحديث عن الأقصى المبارك, والصخرة المشرفة. إن القدس دون أقصى ليست قدسا مهما كبرت مساحتها وازدهر عمرانها. ويكفيها أنه منحها لقب القدس الشريف التي شكلت ولا تزال عاصمة روحية لملايين المسلمين في شتى أنحاء المعمورة.

في التاريخ العربي المعاصر سقطت القدس مرتين في أيد غير اسلامية. كان السقوط الأول لها في العام 1918 على أيدي القوات البريطانية بقيادة الجنرال "ألنبي" الذي احتلها بعد معركة دامية شرسة استمات العثمانيون آنذاك في الدفاع عنها. ومنذ العام 1918 وهو بداية تاريخ الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى العام 1948 وهو عام نهايته, لم يتعرض المسجد الأقصى ولا مسجد الصخرة المشرفة إلى أي أذى أو اعتداء .

إلا أن السقوط الأخطر للقدس كان قبل ما ينوف عن أربعة عقود من الزمان, وتحديدا في السادس من حزيران 1967 على أيدي القوات الاسرائيلية التي احتلتها منذ ذلك الوقت وأعلنت ضمها "بقانون" أصدرته آنذاك. والحديث عن التغييرات التي أحدثها الاحتلال الاسرائيلي للمدينة المقدسة واسع جدا. إلا أن ما يعنينا هنا هو ما تعرض له المسجد الأقصى من اعتداءات وانتهاكات ومحاولات اقتحام متكررة في ظل هذا الاحتلال.

وهي وإن كان هدفها واحدا لا يمكن تجزئته ويتمثل في الاستيلاء على المسجد الأقصى لإقامة الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه, إلا أنه يمكن تصنيف هذه الاعتداءت والانتهاكات. ففي الحادي والعشرين من شهر آب من العام 1969 تعرض المسجد الأقصى إلى حريق متعمد أسفر عن احتراق منبر صلاح الدين التاريخي وإلحاق تلف كبير في أثاثه. وقد تكررت محاولات الإحراق إلا أنها جميعا باءت بالفشل. كما أن المسجد الأقصى تعرض إلى مؤامرات حاكتها جهات إسرائيلية متطرفة لها أهداف في تدميره.

إلا أن الخطر الأكبر الذي يتهدد المسجد الأقصى هو تلك الحفريات المنظمة والأنفاق في أساساته وتلك "الإجراءات" التي تمارس تحت الأرض, والتي أثارت شكوكا حقيقية في طبيعة النوايا والدوافع التي تقف وراء مثل هذه الإجراءات التي يرى المسلمون فيها أنها قد تحدث خلخلة في أساساته يمكن أن تؤدي لا سمح الله إلى تصدعه وانهياره.

وفي ذات السياق ففي العام 1996 وتحديدا في شهر أيلول حدث انتهاك خطير على مستوى إسرائيلي رسمي في المسجد الأقصى ممثلا بافتتاح النفق الكائن تحته سياحيا الأمر الذي أدى يومها إلى "انتفاضة النفق", وسقوط عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين احتجاجا على هذا التصرف الإسرائيلي.

وفي ذات الصدد لا تخفي جهات إسرائيلية مطامعها في المسجد الأقصى, ومنها أن هذه الجهات قد اقترحت "تقاسمه" بحيث يكون ما تحته وأساساته إسرائيليا, وأما ما فوقه فيكون إسلاميا. ثم تجدد الطرح الإسرائيلي هذه الأيام والمتمثل بتقاسمه. وها هو الأقصى المبارك يتعرض لاقتحامات ما يسمون أمناء الهيكل للصلاة في باحاته بحراسة قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ويقودنا هذا الى الحديث عن نمط آخر من الاعتداءات يتعرض لها المسجد الأقصى وهو بحد ذاته يشكل خطرا مبرمجا تقف وراءه جهات تدعي أن لليهود حقا في الصلاة فيه. وهنا يمكن مثالا لا حصرا التذكير بالزيارة الاستفزازية التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "شارون" في أيلول من العام 2000, والتي كان لها الدور الرئيس في انتفاضة الأقصى.

إلا أن الحديث عن جماعة "أمناء الهيكل" يصور قمة الخطر الذي يتربص بالمسجد الأقصى. فهذه الجماعة قد أعدت الخرائط الهيكلية لبناء ما تزعم أنه "الهيكل الثالث". ولكي تعطي انطباعا بالجدية والتصميم فقد أعدت حجرا ضخما أطلقت عليه "حجر الاساس" حاولت قبل عامين أن تقتحم رحاب المسجد الأقصى لكي ترسيه في باحته وتجعل منه حجر أساس لبناء هذا الهيكل المزعوم. إلا أنها فشلت بذلك فطافت به على متن شاحنة في شوارع مدينة القدس مدللة بذلك على أنها لن تتراجع عن نواياها ومتحدية كل المشاعر الإسلامية.

إن هذا المسلسل من الانتهاكات والاعتداءات والنوايا المبيتة لا يقف عند حد. ويأتي قرار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي العام الفائت بالسماح لليهود بالصلاة في باحات المسجد الأقصى تطورا خطيرا للغاية في السياسة الإسرائيلية الرسمية المعلنة تجاه الأقصى. وهو قرار من منظومة قرارات, استكمالا لسياسة التحكم والمنع التي تفرضها إسرائيل على زيارة المسجد الأقصى لأداء الصلاة فيه وبخاصة الفئات الشابة. ويتساءل المسلمون في هذا الصدد فيما إذا كان هذا القرار مقدمة لفرض سياسة "المقاسمة" التي تتبعها في المسجد الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن.

إن القرار الإسرائيلي وكل القرارات السابقة له, تأتي استفزازا للمشاعر الدينية الإسلامية, ومساسا بحرمة مكان من أقدس الأماكن للمسلمين في العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل أن إسرائيل قد اختارت قرارها هذا مصادفة, أم أنها قصدت بها أن تنزل ضربة اخرى بالعالمين العربي والإسلامي, وبذا يكون هذان العالمان قد أُصيبا في مقتلين عقائدي وحضاري تراثي معا؟.

إن ما يحدث الآن على ساحة المسجد الأقصى المبارك, ما كان له أن يحدث البتة لو أن الأمة الإسلامية بعربها وعجمها وبسنتها وشيعتها ومذاهبها الأخرى, كان لها موقف صارم وحازم حيال هذا الاستهداف لمقدساتها والاستخفاف بها, أو أنه كان لأنظمتها السياسية ولو مساحة مهما صغرت تخص القدس ومقدساتها على أجندتها السياسية طوال ما ينوف عن أربعة عقود من الاحتلال. لقد أثبت الأيام أن القمم العربية والإسلامية والمؤتمرات بعامة, ولجنة القدس المنبثقة عن المؤتمر الإسلامي بخاصة لم تكن جادة وقراراتها فقاقيع في الهواء, وكانت في واد والقدس ومقدساتها في واد آخر.

وتظل القدس والمسجد الأقصى والصخرة المشرفة أمانة في أعناق الفلسطينيين الذين جادوا على شرفهما بدماء فلذات اكبادهم وما زالوا يجودون بكل غال ونفيس. وهم يسألون العلي القدير أن يعود العرب والمسلمون إلى صوابهم, ولم شملهم وحميتهم في الدفـاع عن مقدساتهم. وإزاء هذا الخطر الحقيقي المحدق, وتعاجز الأمتين العربية والإسلامية وتقاعسهما, ولا مبالاتهما, لا نملك إضافة للدماء والتضحيات الفلسطينية إلا أن نرفع أيدينا إلى السماء, نهتف بأعلى صوتنا: "لك الله أيها الأقصى, فهو يحميك, وشعب فلسطين يفديـك".
لطفي زغلول
رسالة الإسلام



المصدر: لطفي زغلول
  • 3
  • 0
  • 4,842
  • الشافعى احمد

      منذ
    [[أعجبني:]] ائمه بيت الله الحرام انا اعلم اننى ما راسلت احد وما بعثت رساله الى احد ايا كان هو ومكانه الا ووصلتكم رساله من كلامى وعلمتموها وانت يا فضيله الامام صالح ال طالب هذا ظن منكم ولن يزيد عن الظن وانا منذ يومين تحدث لى اشياء لا اعرف لها تفسيرولا تحليل واسئل الله ان تكون خير
  • الشافعى احمد

      منذ
    [[أعجبني:]] فضيله الامام عبد الرحمن السديس قال سبحانه انا عرضنا الامانه على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنهاواشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا فضيله الامام اسمع منى هذا الكلام الان وهذه الايام انا اتحكم فى قلبى واعلم كيف هو حال قلبى اما غدا فلا ادرى كيف سيكون قلبى وحاله ولا ادرى حتى كيف سيكون تفكيرى وعقلى وحديثى وكلامى وكيف سافكر واتحدث هل مثل الان وما انا عليه ام ساكون فى عالم اخر غير هذا العالم الذى انا احيا فيه الان من الفكر والعقل والعلم وكل هذا ولكن الذى اعرفه واعلمه جيدا يا امام وساظل عليه حتى اموت والقى الله واسئل الله ان يزيدنى منه ولا ينقصنى منه الان او بعد ذالك وبعد هذه الليله التى يصلح فيهاسبحانه وتعالى الحال ويهدى ويرشد ويمن ويكرم وينعم وينزل من رحماته وبركاته وانواره على عبده الحزين الضعيف ان الدنيا فى نظرى مثل كلب اجرب مصاب بالجرب كلما رايته ابتعدت عنه حتى لايؤذنى بمرضه وجربه وهذا حال كل عاقل اذا راى امامه كلب اجرب مريض يبتعد عنه حتى لايؤذيه بمرضه اما اذا اخذه وحضنه وضمه الى صدره وهو بهذا المرض والجرب فهذا وامثاله ومن على شاكلته قال فيهم سبحانه وعسى ان تحبوا شيئا وهو شرا لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً