محدث الشام ومحدث العصر(7)
محمد ناصر الدين الألباني محدث الشام ومحدث العصر (1333هـ/1914م-1420هـ/ 1999م)
من نفائس أقوال شيخنا الألباني رحمه الله [1]
- "لو لم يكن للشيخ حسن البنا - رحمه الله - من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي والسينما والمقاهي وجمعهم على دعوة الإخوان المسلمين لكفاه فضلاً وشرفاً".
- "أنا أعلّم ولا أربّي".
- واعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة والقياس الصحيح معاً في بعض المذاهب ممَّا يوجب على المسلم البصير في دينه، الرحيم بنفْسه، أن لا يُسلِم قيادة عقله! وتفكيره!! وعقيدته!! لغير معصوم، مهما كان شأنه في العلم والتقوى والصلاح، بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا: من الكتاب والسنَّة إن كان أهلاً لذلك، وإلا سأل المتأهلين لذلك، والله تعالى يقول:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:43][2]
- وأما ما أثاره في هذه الأيام أحد إخواننا الدعاة من التفريق بين (الطائفة المنصورة) و(الفرقة الناجية)، فهو رأي له، ولا أراه بعيداً عن الصواب، فقد تقدَّم هناك النقل عن أئمة الحديث في تفسير الطائفة المنصورة أنهم أهل العلم وأصحاب الآثار، وبالضرورة تعلم أنه ليس كل من كان من الفرقة الناجية هو من أهل العلم بعامَّة، بلْه من أهل العلم بالحديث بخاصَّة، ألا ترى أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- هم الذين يمثلون الفرقة الناجية، ولذلك أُمرنا بأن نتمسك بكما كانوا عليه، ومع ذلك فلم يكونوا جميعاً علماء، بل كان جمهورهم تابعاً لعلمائهم؟ فبيْن (الطائفة) و (الفِرقة) عمومٌ وخصوص ظاهران، ولكنِّي مع ذلك لا أرى كبير فائدة من الأخذ والرد في هذه القضية حرصاً على الدعوة ووحدة الكلمة.[3]
- فساد مقولة «ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك!»
قال الشيخ الألباني: ومما ينكر في هذا الحديث قوله: ما أبكي شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من النار! فإنها فلسفة صوفية اشتهرت بها "رابعة العدوية" إن صحَّ ذلك عنها، فقد ذكروا أنها كانت تقول في مناجاتها "ربِّ ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك"، وهذا كلام لا يصدر إلا ممن لم يعرف الله- تبارك وتعالى -حقَّ معرفته، ولا شعر بعظمته وجلاله، ولا بجوده وكرمه، وإلا لتعبَّده طمعاً فيما عنده من نعيم مقيم، ومن ذلك رؤيته- تبارك وتعالى -، وخوفاً مما أعدَّه للعصاة والكفار من الجحيم والعذاب الأليم، ومن ذلك حرمانهم النظر إليه كما قال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم العارفون بالله حقّاً لا يناجونه بمثل هذه الكلمات الخيالية، بل يعبدونه طمعاً في جنَّته، وكيف لا وفيها أعلى ما تسمو إليه النفس المؤمنة، وهو النظر إليه - سبحانه -، ورهبةً من ناره، ولِمَ لا وذلك يستلزم حرمانهم من ذلك، ولهذا قال تعالى بعد أن ذكر نخبةً من الأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، ولذلك كان نبيُّنا محمَّد -صلى الله عليه وسلم- أخشى الناس لله، كما ثبت في غير ما حديث صحيح عنه.
هذه كلمة سريعة حول تلك الجملة العدوية، التي افتتن بها كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، وهي في الواقع {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء} [النور:39]، وكنتُ قرأتُ حولها بحثاً فيَّاضاً ممتعاً في «تفسير العلاَّمة ابن باديس» فليراجعه من شاء زيادة بيان.[4]
- هل يجبر الزوج زوجته على ما يراه في مسائل الخلاف؟
سئل شيخنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: إذا اختلفت المرأة مع زوجها في رأي فقهي مثل السفر بدون محرم فهو يرى أن مكة ليست سفر، وهي ترى أنها سفر، فهل له أن يجبرها على رأي فقهي عموما؟
فأجاب: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [النساء:34]، ففي مثل هذه المسألة لابد أن ينفذ رأي أحد الزوجين، لا بد من أن ينفذ أو أن يطبق رأي أحد الزوجين، إما الزوج، وإما الزوجة، ولا شك ولا ريب أن الرجل مادام أن الله - عز وجل - فرض على المرأة أن تطيعه فلا عبرة برأيها- والحالة هذه- وعليها أن تطيعه، ولكن قبل ذلك عليهما أن يتطاوعا وأن يتفاهما، فإذا وصل الأمر إلى النقطة التي جاء السؤال عنها، فالجواب أنها يجب أن تطيعه وألا تخالفه.[4]
الحياة الاجتماعية للشيخ
الشيخ الألباني تزوج أربع نساء، ماتت الأولى منهن، وطلق الثانية، وخالعته الثالثة، وبقيت عنده واحدة والتي مات عنها وكنيتها «أم الفضل»، وليس له منها ولد.
قال الشيخ متحدثا عن نفسه فى السلسلة الضعيفة ( 1/629/طبعة المعارف): وإنّ من توفيق الله عز وجل إياي، أن ألهمني أن أُعَبِّدَ له أولادي كلهم، وهم عبد الرحمن، وعبد اللّطيف، وعبد الرزاق من زوجتي الأولى رحمها الله تعالى. وعبد المصور، وعبد الأعلى، وعبد المهيمن من زوجتي الأخرى، والاسم الرابع «عبد المصور» ما أظن أنّ احداً سبقني إليه على كثرة ما وقفت عليه من الأسماء في كتب الرجال والرواة، أسأل الله تعالى أن يزيدني توفيقاً، وأن يبارك في أهلي.
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74].
ثمّ رزقت سنة (1383هـ) وأنا في المدينة المنورة غلاماً، فسميته (محمّداً) ذكرى مدينته -صلى الله عليه وسلم-، عملاً بقوله: « » [5]
آخر وصية للعلامة المحدث
أوصي زوجتي وأولادي وأصدقائي وكل محب لي إذا بلغه وفاتي أن يدعو لي بالمغفرة والرحمة -أولاً- وألا يبكون علي نياحة أو بصوت مرتفع.
وثانياً: أن يعجلوا بدفني، ولا يخبروا من أقاربي وإخواني إلا بقدر ما يحصل بهم واجب تجهيزي، وأن يتولى غسلي (عزت خضر أبو عبد الله) جاري وصديقي المخلص، ومن يختاره -هو- لإعانته على ذلك.
وثالثاً: أختار الدفن في أقرب مكان، لكي لا يضطر من يحمل جنازتي إلى وضعها في السيارة، وبالتالي يركب المشيعون سياراتهم، وأن يكون القبر في مقبرة قديمة يغلب على الظن أنها سوف لا تنبش.
وعلى من كان في البلد الذي أموت فيه ألا يخبروا من كان خارجها من أولادي - فضلاً عن غيرهم- إلا بعد تشييعي، حتى لا تتغلب العواطف، وتعمل عملها، فيكون ذلك سبباً لتأخير جنازتي.
سائلاً المولى أن ألقاه وقد غفر لي ذنوبي ما قدمت وما أخرت.
وأوصي بمكتبتي -كلها- سواء ما كان منها مطبوعاً، أو تصويراً، أو مخطوطاً -بخطي أو بخط غيري- لمكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح -يوم كنت مدرساً فيها-.
راجياً من الله تعالى أن ينفع بها روادها، كما نفع بصاحبها -يومئذ- طلابها، وأن ينفعني بهم وبإخلاصهم ودعواتهم.
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15]
وفاته رحمه الله
أصابت الشيخ أواخر حياته أمراض مؤلمة، نزل وزنه بسببها إلى أن وصل يوم وفاته إلى أقل من 30 كيلو جرام.
وقد أكرمه الله بصفاء ذهنه وعدم تخليط عقله، وكان يعرف زواره؛ بعضهم بأسمائهم، وبعضهم بصورهم وأشكالهم.
وقد كان يبذل جهداً كبيراً في الكلام وكان أغلب وقته في الفراش.
وكان - رحمه الله - لا يهدأ في أوقات القدرة عن البحث والمطالعة وإذا لم يستطع ذلك أمر بعض أبنائه أو من عنده بأن يحضر له كتاباً معيناً ويقرأ منه.
وهكذا قضى - رحمه الله - أكثر من ستين سنة بين كتب أهل العلم دراسة وتدريساً، علماً وتعليماً، إلى آخر أيام حياته.
فما أحلاها من حياة وما أكرمها من أيام، وما أجملها من سنوات، وما أغلاها من لحظات تلك التي قضاها إمامنا وشيخنا غفر الله له، وألحقنا به على خير.
توفي العلامة الألباني قبيل غروب يوم السبت الثاني والعشرين من جُمادى الآخرة (1420هـ)، الموافق الثاني من تشرين أول (1999م)، عن عمر يناهز الثمانين عاماً، في مدينة عمَّان، العاصمة الأردنية، وصُلِّي عليه بعد صلاة العشاء ودُفن في مقبرة قديمة في حيِّ هملان. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد عجل بدفن الشيخ لأمرين اثنين:
«الأول»: تنفيذ وصيته كما أمر.
«الثاني»: الأيام التي مر بها موت الشيخ رحمه الله والتي تلت هذه الأيام كانت شديدة الحرارة، فخشي أنه لو تأخر بدفنه أن يقع بعض الأضرار أو المفاسد على الناس الذين يأتون لتشييع جنازته -رحمه الله- فلذلك أوثر أن يكون دفنه سريعاً.
بالرغم من عدم إعلام أحد عن وفاة الشيخ إلا المقربين منهم حتى يعينوا على تجهيزه ودفنه، بالإضافه إلى قصر الفترة ما بين وفاة الشيخ ودفنه، إلا أن الآف المصلين قد حضروا صلاة جنازته حيث تداعى الناس بأن يعلم كل منهم أخاه.
===============
من مصادر الترجمة
- الألباني محدث العصر وناصر السنة أحمد بن محمود الداهن
- كتاب (محمد ناصر الدِّين الألباني، محدِّث العصر وناصر السُّنَّة)، تأليف:إبراهيم محمَّد العلي، وهو الكتاب رقم (13) في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الثانية، 1424هـ - 2003م
- من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ( 19) محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر..وناصر السنة المستشار عبد الله
- وقفات في حياة العلامة محمد ناصر الدين الألبانى شيرين راشد
_______________________
جمع وترتيب: د/ خالد سعد النجار
- التصنيف:
- المصدر: