السيئات الجارية: العدو الذي لا تعرفه

منذ 2015-12-30

تجد البعض قد لا يَكتفي بذنبه، ولكن يحبُّ مشاركةَ الآخرين له في هذا الذنب، فيجاهِر به، ويساعِد على نشره

السيئات الجارية مفهومها وخطرها:

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:6-8]، والآيات العظيمة تبيِّن أنَّ المسلم عليه أن يسعى لاكتساب الخير وعملِه والدلالةِ عليه؛ لكي يَنال فضلَه، وأيضًا على المسلم اجتناب كل سبيل للشر، وما يؤدِّي إليه؛ تجنُّبًا لعواقبه، ومن الآفات الخطيرة التي قد لا يعلمها الكثيرون: جريمة التجارة بالسوء، واكتساب السيئات الجارية؛ فالسِّيئات الجارية ليسَت قاصرة على من يفعلها، فالذنوب التي تترتَّب على نشرها، والآثام التي تتولَّد من مشاركتها، يَحملها كلُّ من شارَك فيها، وأسهَم في رواجها بالقول أو الفعل أو الدَّعْم.

كلنا معرَّضون للذنوب، ولا ننسب العصمةَ لأنفسنا، ولكن مَن يكتسب ذنبًا فعليه بالتوبة وإخفاء ما كسبَت يداه، وتجد البعض قد لا يَكتفي بذنبه، ولكن يحبُّ مشاركةَ الآخرين له في هذا الذنب، فيجاهِر به، ويساعِد على نشره، وفي الحديث الشريف رادعٌ لكلِّ من تُسوِّل له نفسُه المجاهرةَ بالذنب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ أمتي معافى إلاَّ المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجلُ بالليل عملاً ثمَّ يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يَستره ربُّه، ويَكشف سترَ الله عنه» (رواه البخاري)[1].

السيئات الجارية من أخطر الأمور، لا يدركها مَن يشارك بها، فمن يروِّج للسيئات يَحمل كلَّ وِزر يترتَّب على هذا الترويج وهذا النَّشر، فهذا النوع من السيئات جاوَز مجرَّد اكتساب الشخص لذنبه فقط؛ بل تعدَّاه إلى حمله أوزارَ غيره بتعمُّده وسعيه لنشره للآخرين؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنَّ رسُول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثلُ أُجور من تَبعه لا يَنقُص ذلك من أُجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تَبعه لا يَنقُص ذلك من آثامهم شيئًا» (رواه مسلم).

السيئات الجارية لها صورٌ كثيرة، خصوصًا مع انتشار الآليات التكنولوجية التي تسهِم في سرعة نَشر المواد بأنواعها المرئيَّة والنصيَّة والصوتية، والبعض يستغل هذه الآلياتِ في نَشر الخير واكتساب مغانِمه، والبعض يروِّج للشرِّ لكي يَلقى عواقبه، والجهل بهذا الأمر العظيم يعرِّض المرء لمخاطِرَ جسامٍ، فنحن لا نستطيع تحمُّل ذنوبنا، فكيف بمن يتاجِر بالسيئات لكي يَحمل وِزرَه ووزر غيره؟! ولنتدبَّر في قول الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25]، فعلى المسلم أن يَحذر كلَّ الحذر من السيئات الجارية ونشر السوء وما يقرِّب إليه من قولٍ وعمل.

 

صور من السيئات الجارية:

- نَشر النَّغمات الموسيقيَّة الموجودة في أجهزة الجوال للغير، فعلى المسلِم أن يَعلم بحرمة المعازِف، وعند استخدامه للمحمول فيمكنه اضطرارًا استخدام الجرَس كوسيلة تنبيه، فلا يحل له استخدام النغمات ولا يحلُّ له نشرها.

- نشر الأفلام، والموسيقى وغيرها من المواد التي تخالِف النَّهج الإسلامي، ولا يَخفى على أحد مظاهر الفحش والسوء في هذه المصادر.

- نشر صفحات السوء على مواقع التواصل الاجتماعي المختلِفة؛ ومنها صفحات النُّكت، صفحات الممثلين، صفحات الموسيقيِّين، صفحات الفواحش والرَّذيلة.

- نسخ المواد المخالِفة للشريعة الإسلامية لأجهزة الكمبيوتر الشخصيَّة، أو غيرها من وسائل النقل والتخزين.

- رفع المواد المخالِفة للشريعة الإسلامية على مواقع رفع الملفَّات ومواقع مشاركة الملفات، أو نَشرها عبر الوسائل التِّقْنية والبرامج الخاصَّة بالجوال أو الحاسب الشخصي.

- نشر صور النِّساء، ومشاركة صور المتبرِّجات، أو نشر مقاطع الفيديو الترويجية لهنَّ.

- الدلالة على السوء والفواحش وتعريف الآخرين بها.

 

أخي المسلم، احرص كلَّ الحرص على تجنُّب السيئات وما قرَّب إليها، واسْعَ إلى تنبيه المسلمين لهذا الخطر الدَّاهم؛ حتى لا يجد أحدٌ في ميزانه يوم القيامة سيئات كالجبال لا قِبَل له بها، ولنتدبَّر قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19]، فعلى المسلِم أن يتجنَّب نَشر السوء والسعي إلى ترويج الفواحش والآثام حتى يَجد ما يسرُّه يوم القيامة، ولا يتحمَّل آثام الغير وهو في غنًى عن هذه العاقبة الوخيمة، وهو في غنًى عن العذاب الأليم.

نسأل اللهَ تعالى السلامةَ من كل سوء، وأن يرزقنا التوبة الصَّادقة والعفو والعافية، وأن يسلِّمنا من كلِّ شر، وأن يَرزقنا من فضله وعِلمه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

---------------------

[1] الدرر السنية.

حسين أحمد عبد القادر

  • 0
  • 2
  • 8,854

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً