قضية تحرير المرأة

منذ 2009-10-07

يوجد دائماً في كل مجتمع فتاة (جريئة) وفتىً (جريء)!!، يخرجون على تقاليد المجتمع ويتحللون منها..


يوجد دائماً في كل مجتمع فتاة (جريئة) وفتىً (جريء)!!، يخرجون على تقاليد المجتمع ويتحللون منها..

بدأت أول فتاة (جريئة) تلتفت برأسها حين يلقي إليها الفتى (الجريء) بألفاظ الغزل المستور أو المكشوف..

وتسقط الفتاة الجريئة في نظر المجتمع من أجل هذه الالتفاتة، وتعتبر فتاة فاسدة الأخلاق، ولكنها لا تردع!!

ولا يردع الفتى الجريء الذي ألقى بألفاظ الغزل على قارعة الطريق.. فيتكرر النموذج من هنا وهناك وتتبلد أعصاب الناس على المنظر المكرور.. وتصبح ظاهرة (معاكسة) (بنات المدارس) ظاهرة مألوفة في المجتمع المصري، لا يتحرك لها أحد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويفرح الشياطين!!

ورويداً رويداً تتغير ملابس بنات المدارس!!

تقصر (المريلة) قليلاً.. هل هناك مانع؟!، الجورب يغطي ما كشفته (المريلة)... فماذا يحدث؟

ويقصر الكم قليلاً.. هل هناك مانع؟!... سنتيمترات قليلة لا تقدم ولا تؤخر.. ماذا يحدث؟!... هل تخرب الدنيا إذا قصرت الأكمام قليلاً أو قصر (الذيل) لا تحبكوها أيها الملتزمون!!

وتتبلد الأعصاب على المنظر المكرور، فتقصر الأكمام بضعة سنتيمترات أخرى أو يقصر الذيل، أو يقصر الجورب.. وينكشف من المرأة ما أمر الله بستره بنفس المقدار!!

أفِ لكم أيها الملتزمون!!، تفتأون تذكرون الأخلاق وتنادون بالويل والثبور!!، ماذا حدث للأخلاق حين تراجعت الملابس بضعة سنتيمترات؟... هل تقاس الأخلاق بالسنتيمتر أيها الجامدون؟!... الأخلاق قيم (!!).. والقيم محلها القلب (!!)... (مادامت الفتاة مقتنعة) بالقيم في داخل نفسها فلن تفسد ولو سارت عارية في الطريق!!

وحين تكثر الفتيات في الشوارع، حاسرات مقصرات سواء من بنات المدارس الثانوية أو مدارس المعلمات، أو من خريجات المدارس الأخيرة اللواتي صرن معلمات، وصارت لن رواتب خاصة يستطعن الإنفاق منها على حوائجهن.. عند ذلك تبدأ (المودات) في الظهور..

وجاء دور الجامعة..

كنتم أيها الملتزمون تعارضون في تعليم المرأة حتى في المرحلة الابتدائية!!، وكنتم تقولون إنها لا تصلح إلا للبيت وليس لها القدرة على التعليم.. واليوم تتحداكم الفتاة المتعلمة!!، ها هي ذي قد تعلمت على ذات المناهج التي يتعلم عليها الفتى، ووصلت إلى المرحلة الثانوية وهي لم تلحق به فحسب بل تفوقت عليه في كثير من الأحيان!!

والآن صار من حقها أن تدخل الجامعة.. فماذا أنتم قائلون أيها الرجعيون!!... ودارت معركة طويلة بين المدافعين والمعارضين.

وطالب المدافعون عن قضية المرأة التي يسمح لها بدخول الجامعة أسوة بالرجل ومساواة له.

وقال المعارضون إن الفتاة لا تصلح للتعليم الجامعي أصلاً لأنه لا يناسب طبيعتها، وسيؤثر على أنوثتها فضلاً عن أنه سيشغلها عن الزواج ويعطلها عنه عدة سنوات، وسيصرفها عن الأسرة والبيت -مهمتها الأصلية- وفوق ذلك كله فهناك مشكلة الاختلاط الذي لا بد أن يحدث في الجامعة،ـ وهو أمر يخالف الدين والأخلاق والتقاليد.

واستغرقت المعركة ردحاً من الزمن غير قليل، وتقاذف الفريقان الاتهامات الجادة، وضاعت حقائق كثيرة في وسط المعركة كانت على الأقل تستحق دراسة مستأنية ليتخذ فيها القرار على بصيرة.

دخلت المرأة الجامعة لا (لتتعلم) ولكن ((لتتحرر))!!

لتتحرر من الدين والأخلاق والتقاليد..

فقد قيل لها - كما قيل للمرأة الأوربية من قبل - إن التعليم.. والاختلاط.. والحرية.. (والتجربة) كلها ((حقوق)) للمرأة، كان الدين والأخلاق والتقاليد تمنعها من مزاولتها.. واليوم ينبغي أن تحطم الحواجز كلها لتحصل المرأة على ما لها من حقوق..

وبطبيعة الحال لم تكن هناك طفرة.. إنما جاء كل شيء بالتدريج.. وما كان المخططون يتوقعون أن تحدث الطفرة - وإن تلهفت قلوبهم لمشاهدتها - ولا كان ذلك ممكنا في عالم الواقع.

لقد دخلت أربع فتيات كلية الآداب في ((الجامعة المصرية)) مقتحمات كل الحواجز القائمة يومئذ، والمجتمع كله - بين مؤيد ومعارض - يرقب التجربة الجديدة وما يمكن أن تسفر عنه.

وكان هناك -طبعاً- قدر من الأدب، وقدر من الحياء، وقدر من الاحتشام، سواء من جانب الفتيات الأربع أو من جانب الطلاب في مدرجات الجامعة وأفنيتها والجو كله مملوء بالحذر والترقب..

وثم بدأوا يقولون لها:

حذار أيتها الفتاة أن تنهزمي في المعركة!!، فالمجتمع كله ينظر إليك و يرقب نتيجة المعركة.

حذار أن تغضي بصرك!!، فغض البصر معناه عدم الثقة بالنفس، وهو من مخلفات القرون الوسطى المظلمة، التي كانت تنظر إليها المرأة على أنها دون الرجل.. فتغض بصرها!!، أما أنت يا حاملة الراية فارفعي رأسك عالياً، لتثبتي أنك مساوية للرجل في كل شيء، وأنك ند له في كل شيء..

شيئان ينبغي أن ((تحرر)) منهما الفتاة الجامعية.. غض البصر.. والحياء!!

وفتاة الجامعة ينبغي كذلك أن تكون رشيقة خفيفة الحركة!!

فإليك الأزياء.. انتقي منها ما يناسبك.. وما يظهر رشاقتك.. وأظهري من ((زينتك)) بقدر طاقتك!!

لا حرج عليك.. ماذا تخشين؟!

تخشين الدين؟!، والأخلاق؟!، والتقاليد؟!

تعالي معاً نحطم الدين والأخلاق والتقاليد، التي تريد أن تكبلك في حركتك فلا تكوني رشيقة كما ينبغي لك!!

وينبغي كذلك أن تكوني جذابة!!

فهكذا المرأة ((المتحررة)) من صفاتها أن تكون جذابة.. في مشيتها.. في حركتها.. في حديثها!!

ألا ترغبين أن ((ينجذب)) إليك فتى الأحلام.. شريك المستقبل؟!

إن لم ينجذب هذا، فلينجذب غيره.. المهم أن يكون هناك دائماً من يتطلع إليك.. ويعجب بك.. ويرغب فيك!!

وبدأت ((الفتاة الجامعية)) تتخلع في مشيتها وتتكسر ، وتتخلع في حديثها وتتكسر، وأصبح هذا عنوان ((المرأة الحديثة)) أو ((المرأة المتحررة)) التي تملأ الشارع، فيعج الشارع بالفتنة الهائجة التي لا تهدأ ولا تستقر.. وهو المطلوب!!

أما البيت.. فآخر ما تفكر فيه الفتاة الجامعية..

لقد نعت لها بكل نعت مقزز منفر.. حتى أصبح البقاء فيه هو المعرة التي لا تطيق فتاة جامعية أن تلصق بها

البيت هو السجن.. هو الضيق.. هو الظلام.. هو التأخر.. هو الرجعية.. هو ((عصر الحريم)).. هو التقاليد البالية.. هو القرون الوسطى المظلمة.. هو دكتاتورية الرجل.. هو شل المجتمع عن الحركة، ودفعه إلى الوراء!!

إنما تتعلم الفتاة الجامعية لتعمل.. لا لتبقى في البيت كما كانت تصنع جدتها الجاهلة المتأخرة القابعة في سجن التقاليد.. المستعبدة للرجل..

وحين تعمل تنمي شخصيتها.. تصبح إنسانة ناضجة!!

أما حين تبقى في البيت فلأي شيء تبقى؟!، لتطبخ وتغسل.. يا للعار!!، أو تحمل وتلد وترضع.. إن هذا الأمر -حتى لو حدث- لا ينبغي أن يمنعها من العمل. فالمرأة ((الحديثة)) قد تغلبت على هذه المشكلة، ونسقت بين حياتها الزوجية وبين العمل، فلم يعد شيء يعوقها عن العمل بعد الزواج.. أما قبل الزواج فالعمل، ولا شيء غير العمل!!


المصدر: كتاب "قضية تحرير المرأة" للأستاذ محمد قطب شفاه الله.



المصدر: كتاب "قضية تحرير المرأة"

محمد قطب إبراهيم

عالم معروف ، له مؤلفات قيمة ومواقف مشرفة.

  • 9
  • 0
  • 10,738

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً