أنثى ولله الحمد
كنت قد قرأت في أحد الكتب التراثية عبارة للمؤلف تدل على نظرته الدونية للمرأة بشكل صادم لكل عقل واع سليم، و مما يؤسف له أن تلك النظرة لازالت موجودة لدى البعض منهم بل ومنهن ، ولا أدري بأي الأدلة التي تتسابق في ذهني أبدأ...
كنت قد قرأت في أحد الكتب التراثية عبارة للمؤلف تدل على نظرته الدونية للمرأة بشكل صادم لكل عقل واع سليم، ومما يؤسف له أن تلك النظرة لازالت موجودة لدى البعض منهم بل ومنهن، ولا أدري بأي الأدلة التي تتسابق في ذهني أبدأ؛ تلك الأدلة التي تبين كيف فشلت كل القوانين والأعراف والأنظمة في اللحاق بالإسلام في تكريمه للمرأة؛ فالإسلام جعل للمرأة مكانة عظيمة من خلال الدور الذي شرفها به الله؛ فالمرأة هي صاحبة أجل رسالة على وجه الأرض، فإن استندنا الى العلم الحديث ولسنا بحاجة شديدة للدليل العلمي فإن شخصية الطفل تبدأ باتخاذ ملامحها منذ وجودها في رحم الأم فمن خلال تجارب عديدة قد أجريت وجدوا أن الطفل يتأثر باللمس الحاني من الأم بل بصوتها حتى قالوا أن الطفل الذي يتعود سماع القرآن من أمه جنينا يخرج للدنيا محبا للقرآن وهكذا..ثم يخرج الطفل الى الدنيا ليتأثر بما تقدمه من مشاعر الحب والحنان بل يتأثر بجيناتها التي يمتد أثرها بعد الولادة من خلال اللبن الذي ترضعه.
ثم تأتي فترة الحضانة التي يلتصق فيها الطفل بأمه والتي ترضعه أثنائها الغذاء النفسي والروحي الذي هو أشد أهمية من الغذاء المادي فتتأثر نشأته بما تزرعه فيه من قيم وبما توجهه إليه من سلوكيات، ففي هذه الفترة الدقيقة من نشأة المرء تتطغى فيه صحبة الأم على ماعداها بما فيها صحبة الأب، فدور الأب يكون دورا تكميليا. وبهذا تكون المرأة هي صانعة الرجال حتى قيل أن المرأة تهز المهد بيد وتهز العالم باليد الأخرى.
كما قيل كذلك أن المرأة تشكل نصف المجتمع وتنجب النصف الأخر؛ فهي فعليا تشكل المجتمع كله.
واذا استندنا الى أهم مرجعية في حياتنا نجد القرآن العظيم قد أمدنا بأدلة كثيرة على دور المرأة في كل موضع والأمثلة على ذلك كثيرة فيكفي المرأة فخرا أن الله سبحانه وتعالى قد ضرب مثلا للذين آمنوا - ولم يقل للائي آمن - بامرأتين هما امرأة فرعون و مريم ابنة عمران فجعلهما قدوة للرجال والنساء معا فقد قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [ا لتحريم: 11،12]
فاذا كان الله سبحانه وتعالى قد اصطفى الرجال للرسالة فقد اصطفى حولهم نساء كثيرات مثل أم موسى وأخته، وأم عيسى، وزوجة ابراهيم عليه السلام عندما بشرتهما الملائكة بغلام عليم قال تعالى:
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [ هود:73]
كذلك شرف الله النساء بجعل زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين جميعا رجالا ونساء فلا يجوز لمسلم إلا أن يوقرهن في حياتهن وبعد مماتهن قال تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ} [الأحزاب:6]
كما وردت بالقرآن الكريم آيات كثيرة على رجاحة عقل النساء حتى أن بعض أقوالهن صارت من الحكم المأثورة ومن الأمثلة على ذلك ما ورد على لسان إحدى المرأتين في سورة القصص وهو في قوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [ القصص:26]
كذلك قول امراة العزيز في قوله تعالى: { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [ يوسف:53]
وكذلك قول ملكة سبأ في قوله تعالى: { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [سبأ:٣٤]
والقرآن الكريم لم يفرق بين الرجل والمرأة في التكاليف والجزاء- وإن لم يهمل طبيعة كل منهما- بل خصصت آيات عديدة لتبرز هذه المساواة حتى أن الآية التي ذكرت أن للرجال على النساء درجة قدمت قوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن، أما هذه الدرجة التي للرجال على النساء فهي القوامة؛ فمن يعيها حق الوعي يدرك أنها تكليف أكثر منه تشريف وإنما فرضت القوامة على الرجل كواجب من أجل حماية المرأة والحفاظ عليها وصيانتها والسعي على تدبير نفقتها وتيسير سبل العيش الكريم لها لتتفرغ لرسالتها السامية الآنفة الذكر.
أما التاريخ الإسلامي فهو حافل بنماذج نسائية خالدة بدءا بالعهد النبوي والعهود التالية وإلى يومنا هذا، ولا يسعنا سوى التقاط أبرز هذه النماذج:
فهذه أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها؛ كانت معروفة في مكة قبل البعثة بما يطلق عليهن اليوم بسيدات المال والأعمال؛ ثم كانت البعثة فكانت هي خير عون للنبي صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول للبعثة وحتى وفاتها، أمدته بالدعم المعنوي والمادي مما كان له عظيم الأثر في نجاح الدعوة الإسلامية وهي لازالت وليدة وفي أمس الحاجة لمثل هذا الدعم؛ وتحملت السيدة خديجة في كبرها ما تحملت في سبيل الله دون كلل حتى أن جبريل عليه السلام يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن رب العزة يقرئها السلام؛ فأي شرف هذا؟
ثم كانت من بعدها الصديقة بنت الصديق أمنا عائشة رضي الله عنها التي كانت أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم لدرجة جعلت المنافقين يحاربونه باختراع حديث الإفك لتصيب الضربة منه ومن الإسلام مقتلا فبرأها الله من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى إلى يوم الدين، وهي التي حافظت على قدر تراثي هائل من السنة النبوية؛ فقد روت ما يزيد عن ألفي حديث، وكانت مرجعا للصحابة في كثير من الأمورحتى قيل عن سعة علمها الكثير من قبل الصحابة وممن جاء بعدهم، فمنهم على سبيل المثال فحسب عروة بن الزبير الذي قال: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولاشعر من عائشة؛ وعطاء بن رباح الذي تتلمذ على كثير من الصحابة فقال: كانت عائشة من أفقه الناس وأحسن الناس رأيا في العامة. وغيرهما الكثيرممن شهد لها بالفصاحة والذكاء وغزارة العلم.
ولا نستطيع نسيان الدور الخطير الذي لعبته أمنا أم سلمة رضي الله عنها في تاريخ المسلمين والدعوة الإسلامية يوم صلح الحديبية؛ بما قدمته من مشورة حكيمة صائبة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد ان كاد المسلمون أن يهلكوا بسبب عدم استجابتهم لأمره في البداية إذ أمرهم بالنحر ثم الحلق، فاشارت أن يقوم هو بفعل ذلك دون أن يكلم أحدا، فما كان منهم إلا أن اقتدوا به مباشرة .
أما الصحابيات الأخريات فمنهن من ضربن أروع الامثلة على الجود بالمال والنفس والولد؛ فها هي أسماء بنت أبي بكر تخاطر أثناء رحلة الهجرة لتوصيل الطعام والشراب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبيها بالغار والقيام بالدور المخابراتي عن مشركي مكة بالرغم من تعرضها لأذاهم دون أن تبالي.
وها هي نسيبة بنت كعب المقاتلة الشجاعة التي ذادت عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ذود الأبطال حيث تراجع الكثير من الرجال فجرحت جرحا بليغا فكان يسأل عنها ليطمئن عليها، ولما أخذت ابنها تحثه على القتال حتى قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ومن يطيق ماتطيقين يا أم عمارة. وقد شاركته كل غزواته كما شاركت في المعارك الإسلامية بعد وفاته.
ونموذج جديد لشخصية ذكية فطنة هي أم سليم التي تاجرت مع الله التجارة الرابحة بحق عندما شرفت وشرف ابنها حيث تركته ليكون خادما للرسول وهوصغير ابن عشر سنين فحصل من الأدب والعلم ماعجز أبناء الملوك عن تحصيله، وبدعاء الرسول له أغدق له الرزق من المال والأبناء وطول العمر، والأهم من ذلك كله رفقته في الجنة. ولأم سليم مواقف أخرى تدل على القوة والقدرة على التحمل لما لا يطيقه الكثير من الرجال؛ نذكر منها قصتها المعروفة التي تصرفت فيها بمنتهى الحكمة والتماسك في آن واحد عندما عاد إلى البيت ليسأل عن حال ابنه المريض فلم تصدمه بخبر وفاته وإنما تزينت له فكان بينهما ما يكون بين الأزواج ثم أخبرته الأمر بالتدريج، فذهب الى الرسول يشكوها إليه فقال: لقد بارك الله ليلتكما. فرزقا عبد الله بن أبي طلحة أحد كبار التابعين وكان له عشرة من الأبناء قد ختموا القرآن وحملوا منه العلم.
ونحن إذ طال بنا المقام فلن نمتد أبعد من ذلك بكثير؛ ولكن نلقي إضاءة سريعة على نموذج المرأة الأرملة التي تتحمل عبء تربية الأبناء وحدها بكل ما فيه من مشقة مادية ومعنوية لتنتج لنا العلماء الأفذاذ ولن نذكر سوى الإمام البخاري والإمام الشافعى اللذين تيتما صغيرين تماما لتعمل همة النساء وصمودهن.
وتلك كانت مجرد ومضات خاطفة عن دور المرأة وحقيقة وضعها نختمها بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب:35].
- التصنيف:
- المصدر: