العدل في الإسلام

منذ 2016-01-06

إن العدلَ من أعظم القِيمِ في الإسلام التي أمر الله تعالى بترسيخها وتطبيقها

بسمِ الله، والحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد. إن العدلَ من أعظم القِيمِ في الإسلام التي أمر الله تعالى بترسيخها وتطبيقها، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحثُّ المسلمين على العدل؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، والسيرةُ النبويَّة العَطِرة للرسول صلى الله عليه وسلم حافلةٌ بالقِيم الرفيعة، ومُثمرَةٌ بالأخلاق الحميدة، وهي ينبوعُ الخير للمسلمين، وزادٌ لكل المؤمنين، ونبراسٌ للحق المبين.

والعدل والمساواة من أعظم القِيم النبيلة التي أمر الله تعالى بها، وسعى الرسولُ صلى الله عليه وسلم لتطبيقها في المجتمع المسلم، فلا فرقَ بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.

ومن أعظم الدلائل على العدل في الإسلام العظيمِ أن امرأةً مخزوميَّة شريفة سرَقَتْ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه أن يَشفَعَ فيها، فغَضِب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «أتشفَعُ في حدٍّ من حدود الله! إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الغنيُّ تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيعُ أقاموا عليه الحدَّ، وايمُ اللهِ لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقت، لقطعت يدها» (البخاري).

قام الرسولُ صلى الله عليه وسلم بتوطيد العدل، وتطبيق المساواة؛ لكي يتبعَ المسلمون هذا المنهجَ العظيم؛ لإقرار الحق، ودحضِ الباطل، دون اعتبارٍ لنَسَب أو جنس أو لون، إنها شريعةُ الله تعالى التي يَنعَمُ في ظلِّها الجميعُ؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].

وقِيمُ العدل والمساواة عند تطبيقِها يتقدَّم المجتمع المسلم، ويسعى إلى الرخاء والنموِّ، ويستعيدُ الأمجاد القديمة، ويعودُ ليقودَ البشرية في نشر أُسُس الدين الإسلامي، وتطوير العلوم، وإعمار الأرض؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، فالكل في دولة العدل يشعر بالسكينة والأمان؛ فلا يَخشى من الظلم والعدوان.

إن أولى الناس بتطبيقِ العدل هم القُضاةُ؛ لما لوظيفتهم من أثرٍ كبير في استرداد الحقوق لأصحابها، وردِّ المظالم لأهلها، ولكي يتم تطبيقُ العدل يستوجب الأمر المعرفةَ والعلمَ، والسعيَ الحثيث لتطبيق أوامر الله تعالى، واتباع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لتفعيل قيم العدل، وإقرار الحقِّ.

وفي السيرة النبوية بيانٌ لأهمية منصبِ القضاء، والبُشرَى لمن قضى بالحقِّ، والنذير لمن أهلك حقوقَ الناس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة؛ رجلٌ قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاضٍ لا يَعلَمُ فأهلك حقوقَ الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى الحقَّ فذلك في الجنة» (الترمذي).

العدل يَتحقَّقُ في مجتمعنا المسلم بتطبيقه على الجميع، فلا توجدُ محاباةٌ للوزراء والسلاطين، ويتمُّ رد الحقوق للفقراء والمساكين، فمن أجرَم فله العقاب ولو كان من ذوي السلطة والمال، ومن أحسنَ فله الثوابُ ولو كان من البسطاء، ومن أجمل صور العدل: أن يقوم المسلمُ بتطبيق العدل على نفسه، فيقرَّ بالخطأ، ويعتذرَ لمن أساء إليه، ويسارع بالإحسان؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135].

ومن صور العدل العظيمة: أن يقوم المسلمُ بتبنِّي قيم العدل مع الأعداء، فلا يجورَ عليهم، ولا يبخسَهم حقوقَهم، فهذا الأمر من أسس التقوى في دين الإسلام العظيم؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].

لقد كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم أكثرَ الناس عدلاً، وسيرتُه الشريفة ينبوع متدفِّق لكل القيم النبيلة، وفي القصص النبوي ترسيخٌ للعدل، وإقرار بالمساواة، فما أحوجَنا إليهما!

نسأل الله تعالى من فضله الواسع أن يرزقنا العدل، وأن يعامِلَنا بإحسانه، والحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

حسين أحمد عبد القادر

  • 13
  • 9
  • 24,808

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً