فضل الصدقة في الإسلام

منذ 2016-01-09

إن الصدقة والإنفاق لوجه الله ذي الجلال والإكرام من الأعمال الصالحة التي لها قدر كبير في الإسلام

فضل الصدقة في القرآن الكريم والسنة النبوية:
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن الصدقة والإنفاق لوجه الله ذي الجلال والإكرام من الأعمال الصالحة التي لها قدر كبير في الإسلام، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية أدلة وافرة، تحث المسلمين على الصدقة وملازمتها، وتعلي من شأن عاقبتها؛ قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة:270]، وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:274]، وقال الله سبحانه: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88]، وقال الله جل جلاله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245].

وعن عُقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ امرِئٍ في ظِلِّ صدقتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ» (صححه الألباني)، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تصدَّقَ أحدٌ بصدَقةٍ مِن طيِّبٍ -ولا يقبلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ- إلَّا أخذَها الرَّحمنُ بيمينِه، وإن كانَت تَمرةً في كفِّ الرَّحمن، حتَّى تَكونَ أعظمَ من الجبل؛ كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيلَه» (الترمذي وصححه الألباني).

وعن أبي مسعودٍ الأنصاري عقبةَ بنِ عمرِو بن ثعلبةَ رضي الله تعالى عنه أنَّ رجلًا تصدَّق بناقةٍ مخطومة في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتينَّ يومَ القيامةِ بسبعِمائةِ ناقةٍ مخطومة» (النسائي وصححه الألباني).

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قال: لا إله إلا الله، خُتِم له بها دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاءَ وجه الله خُتِم له به دخلَ الجنة، ومَن تصدَّق بصدقةٍ ابتغاءَ وجه الله خُتِم له بها دخل الجنة»  (صححه الألباني).


عدم تحقير شيء من الصدقة:
المسلم لا يحقر من المعروف أو فعل الخير شيئًا؛ بل يحتسب كل أعمال الخير لوجه الله الكريم؛ فلعل هذه الصدقة تكون سببًا في دخول الجنة، ولعلها تكون حصنًا للنجاة؛ فعن جَرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمَّا بعد، فإنَّ الله أنزل في كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء:1] إلى آخر الآية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] إلى قوله: {هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20]، تصدَّقوا قبل أن لا تَصَدَّقوا، تصدَّق رجلٌ من ديناره، تصدَّق رجلٌ من درهمِه، تصدَّق رجلٌ من بُرِّه، تصدَّق رجلٌ من تمرِه، من شعيرِه، لا تحقِرنَّ شيئًا من الصدقةِ، ولو بشِقِّ تمرة» (صححه الألباني).

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبقَ دِرهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ»، قالوا: وكيف؟ قال: «كان لرجلٍ درهمانِ تصدَّق بأحدِهما وانطلق رجلٌ إلى عُرضِ مالِه، فأخذَ منه مائةَ ألفِ درهمٍ فتصدَّق بها» (النسائي وحسنه الألباني).


طاعة الله تعالى مورد الصدقات:
والمسلم في سبيله لطاعة الله تعالى يكتسب الكثير من الصدقات؛ ولذا يجب الحرص على التزود من هذا النبع الصافي؛ يتلذذ بعذوبة طاعته، وينعم في الدنيا والآخرة في ظل صدقته؛ فعن أبي ذر الغِفاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصبحُ على كلِّ سُلامى من أحدِكم صدقة؛ فكلُّ تسبيحةٍ صدقة، وكلُّ تحميدةٍ صدقة، وكلُّ تهليلةٍ صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروفِ صدقة، ونهيٌ عن المنكرِ صدقة، ويجزئُ من ذلك ركعتان يركعُهما من الضحى» (مسلم).

حسن تأدية الصدقة:
لا بد للمسلم أن يؤدي الصدقة على أكمل وجه، فلا يؤذيَ مشاعر غيره، سواءٌ بالتلميح أو التصريح، أو بالإشارة أو التذكرة، والمسلم المحسِن لا يبطل صدقاته، بل يتذكر فضل الله سبحانه عليه، ويُحسِن إلى الناس كما أحسن الله تعالى إلينا جميعًا؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264].


الحرص على إخفاء الصدقة:
المسلم يَلزم الإخلاص في كل أعماله، فلا يخبر بها أحدًا، ويتجنب كل سبيل يؤدي إلى الرياء، وقد تقتضي الضرورةُ إعلان الصدقة عندما يستوجب الأمر ذلك؛ تحقيقًا لمصلحة شرعية؛ قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:271]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضلُ من إظهارها؛ لأنه أبعدُ عن الرياء، إلا أن يترتبَ على الإظهار مصلحة راجحة؛ من اقتداء الناس به، فيكون أفضلَ من هذه الحيثية".

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعةٌ يُظِلُّهمُ الله عز وجل يومَ القيامة؛ يومَ لا ظلَّ إلا ظُّلِه: إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجلٌ ذكَر اللهَ في خلاءٍ ففاضَتْ عيناه، ورجلٌ كان قلبُه معلَّقًا في المسجدِ، ورجلان تحابَّا في الله عز وجل، ورجل دعَتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها، فقال: إني أخافُ اللهَ عز وجل، ورجل تصدقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما صنعَت يمينُه» (النسائي وصححه الألباني).


التعجيل بالصدقات:
يجب علينا اغتنام الفرص للتصدق، والتعجيل بالخيرات؛ قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ الصدقةِ أعظمُ أجرًا؟ قال: أ «ن تصدَّقَ وأنت صحيحٌ حريصٌ، تأملُ البقاءَ، وتخشى الفقرَ» (صححه الألباني).

وعن عقبة بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم العصرَ، فأسرع ثم دخل البيتَ، فلم يلبَث أن خرج، فقلتُ -أو قيل له- فقال: «كنتُ خلَّفتُ في البيتِ تِبرًا من الصدقةِ، فكرهتُ أن أُبيِّته، فقسمتُه» (البخاري).

وفي الأحاديث النبوية حثٌّ للمسلمين على تعجيل الصدقة، والمبادرة بأعمال الخير على وجه العموم.


احتساب النفقة على الأهل:
من الأمور المهمة التي يجب أن يدركها المسلم: توجيه النية في الأعمال الصالحة لله تعالى؛ وذلك حتى ينال أجرها، فالنية شرط لقبول الأعمال، واحتساب الأجر عند الله تعالى هو أكبر مَورد للحسنات؛ فكل ما ينفقه المسلم على أهل بيته يحتسبه لنَيْل الثواب من الله تعالى، فلا ينفق ذاهلًا عن النية، والنية محلها القلب، لا يتلفظ بها المسلم.

ولقد علَّمَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقبة احتساب الأجر؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ خيرَ الصَّدقة ما تَرَكَ غنًى أو تُصدِّق به عن ظَهرِ غنًى، وابدَأ بمن تَعول» (أبو داود وصححه الألباني).

وعن عقبة بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أنفق الرجلُ على أهلِه نفقةً وهو يحتَسِبُها كانت له صدقةً» (صححه الألباني).
فلنُكثِر من الصدقة، ولنبحَثْ عن مواردها، ولنتعاون على الإنفاق، ولنحسن إلى الفقراء والمساكين، ولنحسن تأديتها، فلا يُصاحبْها كِبر أو أذًى أو رياء، ولنتذكر إحسان الله تعالى إلينا، ولنكن من الحامدين الشاكرين.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

 

حسين أحمد عبد القادر

  • 9
  • 0
  • 43,391

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً