خطب مختارة - [02] أحكام السفر
اختلف أهل العلم فيما يُعد سفرا؛ وبه تؤخذ أحكام السفر؛ فبعضهم قدرها بما يساوي بالمقاييس المعاصرة ثمانين كيلو مترا؛ والرأي الأرجح والله أعلم هو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن قدامة، والشوكاني وغيرهم؛ وهو أن ما يتعارف الناس عليه أنه سفر فهو الذي تجري فيه أحكام السفر.
الخطبة الأولى
عباد الله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]. ومن هذا اليسر ما خفف عن المسافر في بعض الأحكام؛ وفي هذه الخطبة سنذكر -إن شاء الله- ما تيسر من أحكام السفر التي تهمنا جميعًا، كما سنتحدث عن بعض الآداب التي ينبغي للمسافر أن يتحلى بها.
أيها الإخوة المؤمنون؛ اختلف أهل العلم فيما يُعد سفرًا؛ وبه تؤخذ أحكام السفر؛ فبعضهم قدرها بما يساوي بالمقاييس المعاصرة ثمانين كيلو مترًا؛ والرأي الأرجح والله أعلم هو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن قدامة، والشوكاني وغيرهم؛ وهو أن ما يتعارف الناس عليه أنه سفر فهو الذي تجري فيه أحكام السفر.
أيها الإخوة المؤمنون؛ من أحكام السفر: أحكام تخص الطهارة والوضوء والتي جاء فيها التخفيف رحمة بالمسافر وتيسيرًا عليه.. ومن ذلك: زيادة مدة المسح على الخفين: والمسح على الخفين مشروع في الإسلام، وللمسافر أن يمسح ثلاثة أيام بلياليهن؛ روى الإمام مسلم عن علي بن أبي طالب قال: « » [276].
ومن أحكام السفر وأشهرها: أحكام القصر؛ فالله من رحمته بعباده خفف على المسافر عدد ركعات الصلاة، فجعل الرباعية ركعتين؛ وذلك في ثلاثة فروض: الظهرِ والعصر والعشاء.
وكذلك من أحكام السفر الجمع: أي جمع بعض الصلوات مع بعضها: فيحق للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وكذلك بين صلاتي المغرب والعشاء.. في آن واحد جمع تقديم أو تأخير؛ فهو رخصة للمسافر؛ ويستحب ويتأكد الجمع للمسافر إن احتاج للجمع كما لو كان في طريق السفر. ومن أحكام المسافر: صلاته بالمقيم والعكس: فإذا صلّى المسافر بالمقيم فإن المسافر يقصر الصلاة؛ لكونه مسافرًا، والمقيم يتم صلاته بعد تسليم الإمام، وإذا صلى المسافر مأمومًا مع الإمام المقيم، فإن المسافر يتم الصلاة اتباعًا لإمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «البخاري:733]. وهذا قول جمهورِ أهل العلم.
» [صحيحومن أحكام السفر: أن وقت القصر والجمع يبدءان إذا جاوز المسافر آخر بناية البلدة التي يقيم فيها، ولذلك يُنظر في شأن القصر في المطارات بالنظر إلى كونها داخل المدينة أو خارجها، فإذا وصل إلى البلدة التي سافر إليها؛ فإنه يصلي مع المسلمين في المساجد؛ ويتم كما يُتِم أئمة المساجد؛ فالمأموم يتابع إمامه في ذلك؛ أما إذا فاتته الجماعة فصلى منفردًا أو كان إمامًا فإنه يقصر؛ وبعض أهل العلم يشترط لمن علم مدة إقامته ألا تكون أكثر من أربعة أيام؛ وإلا صار كالمقيمين؛ أما من لم يعلم متى تنقضي حاجته فيعود إلى أهله فجمهور أهل العلم أنه في حكم المسافر؛ ولو طالت مدته، وبعض أهل العلم جعل الأمر مرتبطًا ببقاء المسافر في حاله كالمسافرين من عدم الاستقرار في السكن والمعيشة؛ فقالوا: إن المسافر إذا وصل بلدة ثم استقرت أموره وصار كالمقيمين في البلد فإنها تنقطع عنه أحكام السفر من القصر والجمع وغيرها. وتبقى القاعدة التي يجب العمل بها أن المسافر إذا نزل بلدة فإنه يجب عليه أن يلبي النداء ويصلي مع الجماعة في المساجد لأن المسافر لم يرخَص له في ترك الجماعة.
ومن أحكام السفر: أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السفر تركَ بعض السنن الرواتب؛ وهي سنة الظهر القبلية والبعدية وسنة المغرب وسنة العشاء. ومن أحكام السفر كذلك؛ أن المسافر لا يجب عليه الصيام في رمضان أثناء سفره؛ ويجب عليه القضاء، والأفضل للمسافر أن يفطر إذا وجد مشقة في صيامه وهو مسافر؛ أما إذا لم يجد مشقة فلا بأس أن يصوم. هذه بعض الأحكام التي تتعلق بالسفر، ونسأل الله أن يفقهنا في الدين؛ وأن يحفظنا في إقامتنا وفي أسفارنا.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، إنه لمن المناسب حينما تحدثنا حول بعض أحكام السفر أن نتحدث عن بعض آدابه الشرعية. فمن هذه الآداب: توديع المسافر بالمصافحة؛ ومما ورد أن يقول له المودع: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، فيجيب: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. ومنها: دعاء الخروج من المنـزل ودعاء ركوب وسيلة السفر: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: «
» [سنن أبي داود:5094] و ابن ماجه والنسائي وغيرهم..وهو صحيح.وإذا ركب دابته ومركبه فيقول دعاء السفر؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبّر ثلاثًا ثم قال: «صحيح مسلم:1342].
» [ومن الآداب: أن يُؤمِّر المسافرون واحدًا منهم عليهم؛ يجب عليهم طاعته في أمور سفرهم، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
» [صحيح الجامع:2605] ولذا فمن باب أولى إذا كانوا أكثر من ثلاثة، وتظهر الفائدة من ذلك: في توحيد كلمتهم بهذا القائد الأمير، حتى لا تتفرق بهم الأهواء والآراء.ومن الآداب ما أخبر عنه جابر بن عبدالله أنهم كانوا في السفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعدوا مرتفعًا كبروا وإذا انحدروا سبحوا. وكان يقول صلى الله عليه وسلم إذا نزل في مكانٍ قريةٍ أو مدينةٍ أثناء سفره: «
» [صحيح مسلم:2708].ويستحب الإكثار من الدعاء أثناء السفر لقوله صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح الجامع:3033]. فيدعو الإنسان له ولوالديه ولأهله ولمن استوصاه بالدعاء وللمسلمين.
ومما يُذكّر به المسافرون أن يتوكلوا على الله، فأمر العباد كلهم بيد الله، ومن التوكل الأخذ بأسباب السلامة ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة؛ ومن ذلك التأكد من جاهزية المركبة للسفر؛ والبعد عن السرعة؛ وتجنب القيادة مع وجود شيء من النعاس. والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين. نسأل الله تعالى أن يرزقنا التمسك بآداب ديننا، وهدي نبينا، ونسأله سبحانه أن يحفظنا في أسفارنا، وأن يجعلها أسفارًا على ما يرضيه.
- التصنيف:
- المصدر: