خطب مختارة - [04] أخلاق يجب الحرص عليها

منذ 2016-01-12

إن الأخلاق ليست شيئًا يكتسب بالقراءة والكتابة، ولا بالمواعظ والخطابة، ولكنها درجة بل درجات لا تنال بعد توفيق الله ورحمته إلا بالتربية والتهذيب، والحزم، وقوة الإرادة والعزم ومجاهدة النفس.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة: إن من أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة هو تتميم مكارم الأخلاق، والدعوة إليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» [صحيح الجامع:2349]. والخلق الطيب هو أفضل ما يتزين به المسلم، ويتعبد الله به، فهو حلية أقواله وأعماله، وذخره في عاقبته ومآله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم» [الأداب الشرعية:2/195].

نقف أيها الإخوة الكرام مع خمسة من هذه الأخلاق النبيلة، حتى نجتهد في الاتصاف بها، لنصبح في مكان رفيع عند الله تعالى، وفي قلوب الخلق.

أول هذه الأخلاق التي نقف معها: العفو والسماحة:

عباد الله: إن خلق العفو والسماحة على سمو منـزلته، وعلو مكانته عند الله وعند الخلق، إلا أنه يعد من الخصال الغائبة بين كثير من الناس، ولو تأمل المسلم ما يفوته من الأجر والخير بفوات هذا الخلق الجميل لتحسر على نفسِهِ أسفًا!. فالعفو باب من أبواب العز والنصر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا» [صحيح مسلم:2588] وقال سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:من الآية134]، وقال سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: من الآية69]، فمعية الله سبحانه بحسب إحسان المؤمن، والعفو من أعلى درجات الإحسان، فالعفو هو أوسع أبواب العز، ولا يتصور عفو إلا بكف الغضب، وكظم الغيظ، ولقد تقرر في السنَّة أن كف الغضب باب من أبواب الستر، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته» [صحيح الجامع:176].

أخي الكريم: لا تظن أن العفو، وكف الغضب، وكظم الغيظ، سمة ضعف في الإنسان بل هو دليل الشدة والقوة، وبعد النظر، والعقل، والحكمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرُّعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [صحيح البخاري:6114]، فما أجمل أن نرى أنفسنا متصفين بهذا الخلق الرفيع، فنتعامل بالعفو، والصفح، والتجاوز عن الناس، متأسين برسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدين بصحابته رضوان الله عليهم الذين ضربوا لنا أروع المواقف، وأنصع الأمثلة في أخلاقهم الرفيعة والعالية.

الخلق الثاني: إنه النصح والتواصي بالحق:

عباد الله: إن النصيحة والتواصي بالحق من أهم الأخلاق التي غابت بين كثير من الناس؛ رغم أنها ركيزة من ركائز الفوز في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3].

وحين تغيب النصحية والتواصي بالحق، يَحُلُّ محلَّها الغيبةُ، والنميمةُ، وتتبع العورات، وتلقف الزلات، والهمز، واللمز، والطعن في الأعراض، ولو صدق المغتاب في قوله... لنصح وما فضح!.

ولو صدق واتقى من يسمعه .. لذكَّرَه بأن ينصح قبل أن يتكلم! عملًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» [صحيح ابن حبان:4575]، وفي ذلك مِن بيانِ مكانة النصيحة ما لا يخفى على مسلم عاقل.

الخلق الثالث: البشاشة والرفق:

أخي الكريم: إن البشاشة الصادقة، والرفق بالناس هما طريقان مُسيِّران للقلوب، فبهما تزول الوحشة ويحصل الأنس، وتَحُلُّ الطمأنينةُ محلَّ الشكِّ والرِّيبة، وها هو القرآن يعلمنا ثمرات الرحمة والرفق. قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:من الآية:159]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [صحيح مسلم:2626]. وقال صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة» [صحيح الترمذي:1957].

وأما خلق الرفق فهو صفة من الصفات الإلهية يحبها الله سبحانه ويحب أهلها كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» [صحيح البخاري:6927]. والرفق في الأمور من أسباب نجاحها، وتمامها، وزينتها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» [صحيح مسلم:2594]، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللين، والسهولة، والرفق، من صفات أهل الجنة، فقال في مسند أحمد: «حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس» [6/19].

اللهم حرم وجوهنا على النار، نواصل ذكر بقية الأخلاق الخمسة في الخطبة التالية، أقول ما سمعتم .....

الخطبة الثانية:

الخلق الرابع: الكلمة الطيبة:

أيها الأحبة في الله: إن الكلمة الطيبة من أجل العبادات التي ترفع مقام صاحبها عند الله، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الرجل لتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه» [السلسلة الصحيحة:888]. وما كان هذا الثواب العظيم جزاء الكلمة الطيبة إلا لما لها من وقع في النفوس، ودورٍ في حفظ العلاقات الاجتماعية بين الناس، ونشر المحبة، والوئام، والمودة بينهم، ولذلك أمر الله جل وعلا بها في آية صريحة فقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: من الآية:83].

الخلق الخامس: إفشاء السلام:

أيها الأحبة في الله: إن إفشاء السلام من الأسباب التي تبعث المحبة بين الناس فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم» [صحيح ابن ماجه:57]. وإفشاء السلام لا يختص بالمسلم المعروف لديك؛ بل هو  لكل  مسلم عرفته أولم تعرفه، وحسبك أنك تظفر من ذلك بحسنات تجدها ذخرًا لك يوم القيامة، وإن معاني السلام كلها معاني جميلة تدل على المودة، والمحبة، والوصال، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعاني التي هي  ضدّ السلام فقال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» [صحيح مسلم:2558].

أيها المسلمون: إن الأخلاق ليست شيئًا يكتسب بالقراءة والكتابة، ولا بالمواعظ والخطابة، ولكنها درجة بل درجات لا تنال بعد توفيق الله ورحمته إلا بالتربية والتهذيب، والحزم، وقوة الإرادة والعزم ومجاهدة النفس. فعلينا يا عباد الله أن نجاهد أنفسنا لنتحلى بهذه الأخلاق الرفيعة، وتصحيح ما نقص منها لدينا، لنحظى بحياة سعيدة مطمئنة ملؤها المحبة والمودة، ونظفر بمحبة الخلق، وقبل ذلك محبة الخالق والفوز بالأجور العظيمة.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت؛ واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

 

  • 129
  • 39
  • 27,275
المقال السابق
[03] أحكام اليمين
المقال التالي
[05] أذية المحتسبين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً