قناص الخليل والبطال؛ تاريخ إبداع لا ينتهي

منذ 2016-01-13

كم ذا يمر على المسلمين من أبطال، يجندلون أعداءهم ويرعبون أكابرهم ويخلخلون صفوفهم، بجهود فردية، وبطولات رائعة. تضعف أمتنا ولا تموت، ولم تزل أرحامها في كل حين جديرة بأن تحتضن وتلد الأبطال، مهما علا نجم الأمة أو خبا.

كم ذا يمر على المسلمين من أبطال، يجندلون أعداءهم ويرعبون أكابرهم ويخلخلون صفوفهم، بجهود فردية، وبطولات رائعة. تضعف أمتنا ولا تموت، ولم تزل أرحامها في كل حين جديرة بأن تحتضن وتلد الأبطال، مهما علا نجم الأمة أو خبا.

سلمة بن الأكوع، الصحابي الجليل الذي أطار صواب المشركين في غزوة ذي قرد، حين أغار عبد الرحمن بن عيينة في جماعة معه على إبل رسول الله، فقتلوا راعيها وساقوها، فلاحقهم سلمة رضى الله عنه مستغلًا قدراته العالية في العدو والاختباء والنبل؛ فأوقع منهم مقاتل، وأصاب منهم من أصاب، وهو يهتف مفتخرًا ومتوعدًا: "أنا ابن الأكوع.. واليوم يوم الرضع".

تتوالى البطولات، ويحصل أن يأتي "رأس الشجعان والأبطال أبو محمد عبد الله البطال"، مثلما يصفه الذهبي في سِفره "سير أعلام النبلاء" أوائل العام الهجري الثاني؛ مضرب الأمثال في المناورة والإقدام والحيلة، ومرعب الأعداء حتى إنه ليحكي أنه ذات يوم عن بعض من طرائف سيرته التي كانت تسبقه إلى قرى عدوه؛ فيقول: "اتفق لي أنا أتينا قرية لنغير، فإذا بيت فيه سراج وصغير يبكي، فقالت أمه: اسكت، أو لأدفعنك إلى البطال فبكى فأخذته من سريره، وقالت: خذه يا بطال فقلت: هاته."!

البطال كان وحدة كوماندوز استخبارية متنقلة وحده، يغير؛ فيستطلع الأخبار، وينكأ في العدو ويهز معنوياته، ثم يعود ومعه معلوماته الثمينة، وأسراه يلقيهم بين يدي قائده، حتى إنه من فرط قدرته الاختراقية قد تمكن من "تجنيد" بطريقًا من بطارقة الروم بعد أن أسر ابنته؛ فنقلها له قائد جيش المسلمين فصارت أم أولاده، فجعل يكاتبه ويهاديه للحد الذي جعله يدله على تحركات جيش الروم قبل أن يدهم المسلمين في حين غفلة.

ثم لا تَعدِم الأمة الإسلامية على مدى تاريخها من قبل هذا ومن بعده أحدًا من أشاوسها الشجعان، يقومون لأمتهم بأدوار تنوء بها وحدات كاملة، نماذج فريدة رائعة يتصاغر دونها رواد الأمم الأخرى، وتتراجع قصصهم أمامها، حتى في لحظات الضعف تلك، بل في أشد اللحظات ظلمة وظلمًا تتفجر ينابيع الفداء، وتتأكد خيرية هذه الأمة في معادن أبناء الأبطال. وتتنادى مثل هذه الصور وتستدعى مع واحد من تلك النماذج التي تهز العدو وتربكه.. قناص الخليل، البطل المبدع في اقتناص الجنود الصهاينة ببراعة لا يناظرها مثيل.

وإذا كان للسابقين بطولاتهم الباهرة؛ فإن للقناص تفرده في التفافه على واحدة من أكثر الأجهزة الاستخبارية فعالية وأجدرها على تعقب منفذي هجمات ضد مصالح نظامها الاحتلالي، فلقد صارت وسائل التعقب والكشف أكثر حداثة، والتقنية وظفت لتخدم مثل هذه الأجهزة العريقة في خبراتها وتجاربها.

ففي مدينة كالخليل، غرقت في بحر كاميرات الملاحظة الأمنية التي بثها العدو في كل مكان يغدو عمل القناصة غاية في التعقيد، لحد جعل قناص الخليل الذي نفذ ثلاث عمليات دقيقة على مدى عامين ونيف يبدو معجزًا وملغزًا في آن معًا؛ فكيف له أن يتخطى - بحسب خبراء عسكريين صهاينة - "ثلاثة مراحل  بنجاح منقطع النظير لتنفيذ هجومه: جمع المعلومات المسبقة عن مكان الهجوم واختيار الهدف الملائم واللحظة الأفضل لتنفيذ الهجوم، ثم تنفيذ الهجوم، ثم الانسحاب الآمن"، ثم لا يترك من بعد أي خيط يدل عليه بحيث عكفت الاستخبارات العسكرية الصهيونية "أمان" وجهاز المخابرات "الإسرائيلية"  العامة "الشاباك" على تحليل معطيات باهتة دون جدوى، وكان القناص ضنينًا على الصهاينة أن يمنحهم فرصة تحديد نوع السلاح الذي يحمله فيختار مسرحًا للعمليات يجعل رصاصته تنفذ من جسد القتيل إلى فراغ مفتوح يخفي الرصاصة عن أعين المحققين.

فرض قناص الخليل - أرخى الله عليه ستره، وأخفاه عن عيون المجرمين - معادلة جديدة في الخليل جعلت الجنود الصهاينة فُرْقًا من أن يترصد لهم ذلك القناص البارع الأريب، مثلما دوّخ زميله نشأت ملحم الصهاينة في تل الربيع حين أطلق عليهم زخات من سلاحه ثم تركهم يعانون "حظر التجوال" الذي فرضه عليهم لأسبوع منع خلاله 50% من محتلي تل الربيع (تل أبيب) الصهاينة إرسال أبنائهم للمدارس رعبًا من عملية ديزنكوف البطولية.

إنه مهما كانت الخطوب عظيمة على هذه الأمة، ومهما علا الباطل فيها؛ فإن قائمين بالحق سيظلون يسطرون الملاحم ويضربون الأمثلة ويقدمون النماذج، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ويتمحض الحق ويستبين، ويرفع الحق رجاله أمارات مضيئة في دياجير الظلمة، وتهطل به سحائب الخير، التي قال عنها النبي صلي الله عليه وسلم: «مثل أمتي كالمطر، لا يدري أوله خير أم آخره» [المنثورات:287(ضعيف)] 

  • 0
  • 0
  • 2,500

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً