صوت الدنانير، وغضبة المربي

منذ 2016-01-13

مقام العلم والتربية مقام رفيع عال سامق، لا يناله المرء بمجرد الحفظ أو الشهرة، لكن يناله بالتطبيق والتنفيذ للأوامر الربانية والتوجيهات الإيمانية، وبالتضحية والبذل والعطاء.

مقام العلم والتربية مقام رفيع عال سامق، لا يناله المرء بمجرد الحفظ أو الشهرة، لكن يناله بالتطبيق والتنفيذ للأوامر الربانية والتوجيهات الإيمانية، وبالتضحية والبذل والعطاء.

وشكوانا جميعًا من ندرة من يستحقون ذلك نابعة من ذلك التوصيف، إذ ظهرت لنا خلوف تدعي استحقاقها لتلك المقامات، وهي في ساحة العمل فارغة الجراب، ضعيفة الأثر، تبرق أعينها مع بريق الزخارف، وتضطرب مبادئها مع اضطراب الظروف ..!

نحن جميعا نبحث عن العالم الذي يسبق عمله علمه، ويسبق فعله قوله، معرض عن المتاع، مقبل نحو الآخرة، معلق قلبه بربه، معطاء في باب الفضائل يصعب إدراكه، ومسارع في باب الكرائم يتعب سباقه. ولو أردت سردًا لمواقف تعليمية ومنهجية في ذلك الباب لأعيتني الكتابة، لكن بالمثال يتضح المراد:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم إلي الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا لم تراعوا» [صحيح البخاري: 6033] 

وموقف آخر يوضح لنا الصورة: فهذا هو يوسف بن يحي البويطي، تلميذ الشافعي وخليفته أمر أصحاب فتنة خلق القرآن أن يحمل إلي بغداد في أربعين رطل حديد – يقول الربيع صاحب الشافعي – ولقد رأيته على بغل وفي عنقه غل وفي رجليه قيد وبين الغل والقيد سلسلة حديد وهو يقول – إنما خلق الله الخلق بكن فإذا كانت مخلوقة فكأن مخلوقًا خلق بمخلوق، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه – ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم.(طبقات الشافعية)

وجاء في ترجمة الخطيب البغدادي، أنه: دخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير فقال للخطيب فلان يسلم عليك ويقول لك اصرف هذا في بعض مهماتك، فقال الخطيب: "لا حاجة لي فيه، وقطب وجهه، فقال العلوي: كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها فقال: هذه ثلثمائة دينار، فقام الخطيب محمرًا وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانير على الأرض وخرج من المسجد" (طبقات الشافعية 3/14).

ويقول ميمون بن مهران: "لا يكونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حتَّى يحاسِبَ نفسَهُ محاسَبَةَ شَريكِهِ، وحتَّى يَعْلَمَ مِن أَينَ مَلْبَسُهُ ومَطْعَمُهُ ومَشْرَبُهُ.

وقال الماوردي: "أن يتَصفَّحَ الإنسانُ في لَيلِهِ ما صَدَرَ من أفعالِ نَهارِهِ، فإن كان محمودًا أمضاهُ وأَتبَعَهُ بما شَاكَلَهُ وضَاهاهُ، وإن كان مَذْمُوماً استدْرَكَهُ وانتَهَى عَن عَمَلِ مِثلِهِ" (أدب الدنيا والدين)

قال مالك بن دينار: "رَحِمَ اللهُ عَبدًا قالَ لنفسِهِ كلَّ ليلةٍ: أَلستِ صاحبةَ كَذا؟! ألستِ صاحِبةَ كذا؟! ثُمَّ ذَمَّها، ثُمَّ خَطَمَها ، ثُمَّ أَلْزَمَها كِتابَ الله وَكانَ لها قائِدًا" (محاسبة النفس لابن أبي الدنيا)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم: د. خالد رُوشه 

  • 0
  • 0
  • 3,760

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً