بعد مضايا من ينقذ بقية الشعب السوري المحاصر والمهدد بالموت جوعًا؟
"لا يوجد مجاعة في مضايا و شعبها متخمًا بأعلى درجات الرفاهية الإنسانية حيث الطعام والماء والدواء والوقود متوفر بكثرة وبكميات وفيرة كافية لجميع أهالي تلك البلدة السعيدة لسنين طويلة …!!!".
"لا يوجد مجاعة في مضايا و شعبها متخمًا بأعلى درجات الرفاهية الإنسانية حيث الطعام والماء والدواء والوقود متوفر بكثرة وبكميات وفيرة كافية لجميع أهالي تلك البلدة السعيدة لسنين طويلة …!!!".
هذا هو المشهد المزور الذي يسوق ويروج له إعلام ما يسمى بالممانعة الذي يصدق جمهوره، وبعيدًا عن أي اعتبارات أخلاقية كل هذه الأضاليل التي تحجب رؤيتهم وبصيرتهم عن مشهد تحول الشباب والنساء والشيوخ والأطفال في بلدة مضايا السورية إلى هياكل عظمية من الجوع بعد أن أكلوا الثلج المتساقط والأعشاب والقطط والكلاب، إلى أن باتت حتى تلك الأطعمة البائدة مفقودة، شأنها بذلك شأن الخبز والأرز والحليب الذي نسي سكان بلدة مضايا طعمه منذ أشهر.
فهذه البلدة المنكوبة بكل ما للكلمة من معنى، كانت قد أصبحت خلال الأسابيع الماضية مستهدفة بشكل مركز من قبل ذلك الإعلام الضال الذي لم يتوانى عن بث كل الأكاذيب والأضاليل والخزعبلات التي تغطي على الجريمة المروعة المرتكبة في بلدة مضايا وذلك في سياق يجافي كل الحقيقية.
حيث أن الوقائع والمعطيات على الأرض تؤكد استنادًا إلى التقارير الموثقة الصادرة عن أهم مؤسسات الإغاثة الدولية بمختلف مشاربها وانتماءاتها؛ بأن ما جرى ويجري في مضايا السورية هو أمر فظيع بمأساته المؤلمة وعواقبه الوخيمة، التي طالت آلاف العائلات التي شاهدت بأم العين أعز أقاربها من أبناء وأباء وإخوة يموتون جوعًا بفعل الحصار الذي فرضه شبيحة بشار الأسد وحلفائهم، الذين ارتكبوا في مضايا وغيرها من البلدات السورية مثل هذه الجريمة المروعة التي توصف وفق المعايير الحقوقية الدولية بأنها جريمة حرب وإبادة ضد الإنسانية.
وفي هذا السياق نقلت وكالت “فرانس برس” عن ممثل رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة سجاد مالك قوله في تصريح بعد زيارته مضايا أمس: "ما رأيناه مروّع، لم تكن هناك حياة. كل شيء كان هادئًا للغاية". ووصف الوضع البائس للسكان، قائلًا إن الطعام كان نادرًا حتى أن الناس "ذكروا مرارًا أن سعر كيلو الرز وصل إلى 300 دولار. وأضاف: "ما رأيناه في مضايا لا يقارن بمناطق أخرى من سوريا". وأبدى هوله لما رآه، موضحًا أن الأطفال كانوا يقتاتون من أعشاب يقتلعونها من أجل البقاء على قيد الحياة. وقال سكان لموظفي الأمم المتحدة الذين أدخلوا قافلة مساعدات إلى مضايا أول من أمس، إن المصدر الرئيسي للطعام خلال الأسابيع الماضية كان الشوربة المعدة من الأعشاب والتوابل.
ونقل منسق العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا يعقوب الحلو صورة مروعة عن المشاهدات التي عاينها في مضايا أمس وقال إن "ما نقل في وسائل التواصل الاجتماعي يعكس حقيقة معاناة سكان البلدة"، مشددًا على ضرورة إجلاء العشرات من المهددين بالموت جوعًا. وقال الحلو في اتصال من دمشق خلال مؤتمر صحافي في نيويورك إن "بعض سكان مضايا تحولوا إلى ما يشبه هياكل عظمية وهم بالكاد لا يزالون على قيد الحياة". وشدد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة بكل هيئاتها لإنهاء استخدام الحصار كتكتيك حربي على غرار ما يجري في مضايا وكفريا والفوعة ودير الزور.
وتجمع التقارير الإنسانية التي توثق انتهاكات الحرب السورية، بأنه لقد تبين لعناصر البعثات الدولية بالدليل القاطع والحسي بأن ما حصل في بلدة مضايا السورية ليس استثثناء، بل هو القاعدة التي ترتكز عليها ممارسات نظام بشار الأسد وحلفائه، التي تعتمد هذا النهج الإجرامي الفظيع -أي الحصار والتجويع- كوسيلة أساسية بحق الملايين من الشعب السوري المحاصرين والمهددين في أي وقت بالموت الجماعي جوعًا ومرضًا وعطشًا، أمام مرأى كل هذا العالم الذي يقف ساكتًا ومتفرجًا على أبشع الجرائم التي يرتكبها النظام السوري وحلفائه بحق آلاف وملايين المدنيين في سوريا.
إلى ذلك، أعلن دبلوماسيون في الأمم المتحدة أن 400 مدني محاصرين في مدينة مضايا السورية هم بحاجة ماسة للخروج منها عاجلًا لأسباب صحية وغذائية، وبأن هذا الوضع المأساوي يطال أيضًا أعداد كبيرة من السوريين المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وشباب في العديد من المناطق المحاصرة والمطوقة من كافة النواحي.
وقال رئيس قسم العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين إن “400 شخص يجب أن يخرجوا فورًا” من مضايا وذكر أن الأمم المتحدة تأمل في إخراجهم “في أقرب وقت ممكن” وربما اعتبارًا من الثلاثاء. وقدم أوبراين تقريرًا عن مضايا وعن مدن سورية أخرى محاصرة إلى سفراء الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الذي عقد جسلة مغلقة. وأوضح أن المدنيين الذين يجب إجلاؤهم “يواجهون خطر الموت” وهم يعانون من سوء التغذية ومن “مشاكل طبية أخرى”.
وأشار إلى أنه من أجل إجلائهم برًا أو جوًا، يجب الحصول على ضمانات من الحكومة السورية وكذلك من “أطراف أخرى”. وحسب منظمة أطباء بلا حدود فقد لقي 28 مدنيًا حتفهم في مضايا بسبب الجوع مطلع كانون الأول الماضي. ويعاني سكان مضايا من المجاعة بعد 6 أشهر من الحصار الذي فرضته قوات الأسد وحلفائها، حسب منظمات إنسانية.
من ناحيته، قال السفير الأسباني رومان أوزارغون مارشيسي: "من المهم القول إن محاصرة مدنيين بهدف تجويعهم هي جريمة حرب". واعتبر السفير مع ذلك أن الموافقة التي أعطتها دمشق لنقل المواد الغذائية إلى مضايا أمر “إيجابي”.
وأعرب السفير الفرنسي فرنسوا ديلاتر عن الأمل في أن يعقد المجلس اجتماعًا رسميًا وعلنيًا في أسرع وقت ممكن لبحث مصير مدن سورية محاصرة يوجد فيها 400 ألف مدني حسب الأمم المتحدة بالإضافة إلى بحث الوضع الإنساني في البلاد. ودخلت أولى الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والأدوية والبطانيات الاثنين إلى مضايا.
وقال السفير النيوزيلندي جيرارد فان بوهيمين: "يجب أن تكون بداية وليس فقط عملية محددة" مضيفًا أن "المساعدة الإنسانية هي واجب حسب القانون الدولي ولا يمكن أن تكون رهينة السياسة".
أما السفير البريطاني ماثيو ريكروفت فقط طالب بـ"رفع الحصار عن كل المدن لإنقاذ أرواح المدنيين ودفع عملية السلام في سوريا". وأشار السفير الفرنسي إلى أن تحسين الوضع الإنساني من شأنه أن يسهل عملية التسوية السياسية في سوريا، وذلك قبل أقل من ثلاثة أسابيع على استئناف محادثات السلام بين السوريين برعاية الأمم المتحدة.
- التصنيف: