عجيبة المسجد الأقصى بالطائف!!
خالد سعد النجار
إن محاولة البعض خلخلة مكانة الأقصى في النفوس لابد أن تتصدى لها الأمة قاطبة علماء وباحثين ومختصين بالتراث ..توضيحا وإبانة، ويتصدى لها سائر الناس استنكارا ونشرا للوعي الصحيح الذي أجمعت عليه الأمة قاطبة عبر تاريخها التليد.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
التضليل الإعلامي يمكن أن يفعل أي شيء، عقلانيا وغير عقلاني، منطقيا وغير منطقي .. يمكن أن يتجاوز التاريخ، والعلماء، والخبراء، بل وحتى المستشرقين .. هكذا بلا سند، ولا دليل، ولا أثارة من علم.. واليوم تسمع كلاما عجيبا، وغدا تعتاد الآذان عليه، فما استهجنه المجتمع سلفا من مقولات (قاسم أمين) عن تحرير المرأة بزعمه، هو نفسه المجتمع خلفا الذي تخرج فيه نساء كثيرات حاسري الرؤس ومرتديات البنطال وربما أقل من ذلك، على مرأى ومسمع الناس.
وهذه الأيام نجد شخصا له اهتمام بالتراث يدعى (يوسف زيدان) خرج خلال حوار له في إحدى الفضائيات المصرية يزعم أن المسجد الأقصى الذي أسري منه بالرسول -صلى الله عليه وسلم- يوجد في منطقة الجعرانة بالطائف! وأن كلمة «بيت المقدس» استُخدمت في عصر الخليفة المأمون، وقبله بمائة عام، عندما قام عبد الله بن الزبير بثورته على الدولة الأموية، وأن عبد الملك بن مروان، قام ببناء المسجد الأقصى بفلسطين عام 73هـ، ولم يكن موجوداً من قبل.
ونفى (زيدان) أي وجود للدين في الصراع الإسلامي الصهيوني، وأن المسجد الأقصى ليست له قدسية دينية، لكنه سياسي، وأن: "الجزء الديني في الصراع العربي اليهودي سياسي مفتعل، وتم سكب الزيت على النار أيام المماليك، لتبرير وجود أشخاص غير عرب كحكام".
لكن (د. محمد عمارة) - عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقاً- كشف حقيقة أن ما قاله (زيدان) مصدره وثيقة نشرتها «رابطة الدفاع اليهودية» وكتبها مؤسسها. ونُشرت هذه الوثيقة أيضا بمجلة الأهرام العربي بتاريخ 18 إبريل سنة 1999م.
وقال (د.عمارة): "كلام يوسف زيدان أن المسجد الأقصى موجود بالسعودية وليس بالقدس. هذا الكلام قاله أستاذ يهودي اسمه (الدكتور موردخاي كيدار)، وهو أستاذ في جامعة «باريلان» الصهيونية، وقال هذا الكلام في الكنيست الإسرائيلي في يوليو عام 2009م، حيث قال: "إن القدس يهودية، وعلى المسلمين أن يحملوا أحجار قبة الصخرة إلى مكة؛ لأن المسجد الأقصى مكانه «الجعرانة» بين مكة والطائف".
وعلى نفس المنوال قال (د.سعد الدين الهلالى)، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر من قبل (يوسف زيدان) إنه "لا يجب أن ندافع عن المسجد الأقصى حتى لا ندخل فى حرب دينية مع إسرائيل"، وجاءت أقوال (د. الهلالى) فى مداخلة على قناة فضائية مصرية يقول فيها "من يتحدث عن النخوة فى الدفاع عن الأقصى يجب أن يتحدث الأول عن النخوة نحو الإنسانية، فالإنسان أهم من الكعبة ومن المسجد الأقصى".
وقال (د.الهلالى): "أريد أن نرفع اسم المسجد الأقصى، وأى شعار دينى من أى حرب بين الناس وبعضها"، ورأى أن "من يتحدث عن نصرة الدين.. هذه مصيبة.. كل شخص ينصر دينه لنفسه، لا يوجد ما يسمى انصر دين الله، ومن يقول ذلك فهو متاجر بالدين همه جمع الأموال من المتعاطفين"، بحسب تعبيره, وفى النهاية قال (د. الهلالى) الجملة الصادمة: "المسجد الأقصى لم يكن ملكا للمسلمين فى عهد الرسول، وإنما كان فى أيدى المسيحيين، فلن نحارب الناس من أجل الدين".
وفي حلقة بعنوان: «أسرار جديدة من داخل المسجد الأقصى» لقناة (الفراعين) المصرية، قامت بتصوير خاص لأسفل المسجد الأقصى على عمق 12 متراً، وعرضت المقاطع على أنها حقائق تصور وتعرض لأول مرة، وتناقلها الناس بشكل واسع في وسائل الاتصال المرئية، حيث زعم مقدم البرنامج (توفيق عكاشة) بأن المسجد الأقصى الحقيقي، ليس ذلك المسجد الذي نعرفه ونشاهده في وسائل الإعلام، بل هو أسفل المسجد الأقصى وبعمق 12 متراً.
وهو يحوي نقوش وأعمدة و «حِجر سليمان»، وزعم بأن تلك هي البقعة التي أمّ بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء قبل الصعود إلى سدرة المنتهى، وأن الصراع مع اليهود يرتكز على 100متر مربع فقط في ذلك السرداب، الذي بناه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-!.
وقد كرر مقدم البرنامج مراراً مسمى «حِجر سليمان»، وأشار إلى النقوش التي حول الأعمدة بجوار ما أسماه «حجر سليمان»، بأنها هي التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم للرد على من أنكر وكذب بحادثة الإسراء؛ وأن الصراع مع اليهود يتمحور حول تلك الأعمدة والبقعة الصغيرة التي حولها.
وتحدث عن مغارة في أسفل المسجد الأقصى والتي يصفها بأنها: «المسجد الأقصى الحقيقي»! وأن الهيكل والذي يسمى بهيكل سليمان يزعم اليهود بأنه موجود فيها، وأن الحفريات التي تتم للكشف عن ذلك الهيكل.
وأجدر بنا أن نسرد أقوال جهابذة العلماء والتاريخ حول هذه المغالطات، لأن أفضل ما تقرع به الأباطيل قول المختصين الثقات.
يقول (مجير الدين الحنبلي) في «الأنس الجليل»: "إن المتعارف عند الناس أن الأقصى من جهة القبلة, الجامع المبني في صدر المسجد الذي فيه المنبر والمحراب الكبير, وحقيقية الحال أن الأقصى اسم لجميع المسجد مما دار عليه السور .. فإن هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره, من قبة الصخرة والأروقة وغيرها محدثة, والمراد بالأقصى ما دار عليه السور".
وما اصطلح عليه بـ «الأقصى القديم» يتألف من رواقين قائمين أسفل بناء المسجد الأقصى والممتدان من الجنوب إلى الشمال، تحدهما أعمدة حجرية ضخمة تحمل سقفه الذي يقوم جزء من الجامع القِبْلي عليه. وهو يمثل جزءا من التسوية الجنوبية التي أقيمت فوق الأرضية الأصلية المنحدرة للمسجد الأقصى المبارك، حتى يتسنى البناء على سطح مستوٍ. وينتهي الرواق الغربي من الرواقين بجدار مغلق، وأما الرواق الشرقي فينتهي بالسلم الحجري الذي يتوصل من خلاله إلى ساحة المسجد الأقصى (كل ما دار عليه السور) .
وكان الهدف الأصلي من بنائه هو أن يكون ممرا للأمراء الأمويين القادمين من الباب المزدوج الذي يطل على القصور الأموية الواقعة جنوب المسجد الأقصى المبارك إلى الجامع القِبْلي مباشرة. وعليه فإن ما يعرف بـ «الأقصى القديم» يوصل ما بين دار الإمارة الأموية الواقعة إلى الجنوب من الأسوار وبين المسجد الأقصى. وهو جزء من المسجد الأقصى المبارك، ويتم الدخول إليه نزولا عبر درج حجري يوجد أمام مدخل الجامع القِبْلي.
وأكد كذلك الشيخ رائد صلاح بأن: "المبنى الواقع تحت هذا المسجد والذي نصطلح عليه باسم «الأقصى القديم» وهو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، والمصلى المرواني الواقع تحت الجهة الجنوبية الشرقية للأقصى المبارك وهو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وكل ما داخل سور المسجد الأقصى يُعد جزءا لا يتجزأ من المسجد الأقصى".
ويقول الأستاذ ساري عرابي: "لم يكن ما ذكره يوسف زيدان في محاولته البائسة لنزع القداسة عن مدينة القدس، وإنكار اعتقاد المسلمين حول المسجد الأقصى الموجود في القدس بفلسطين، أكثر من نسخ مشوه لما سبقه إليه كاتب آخر يدعى (هشام كمال عبد الحميد) في كتاب، يُعدّ واحدًا من رثاثة هذا الزمن، أسماه «مشروع تجديد المسجد الحرام لإقامة الهيكل اليهودي بمكة»، والذي لم يكن بدوره أكثر من نسخ لما سبقه إليه المستشرق الصهيوني (مردخاي كيدار)، الأستاذ في جامعة «بيار إيلان» الصهيونية.
وبهذا فإن النَزْحَ الذي استقى منه زيدان كدره، هو ذلك الباحث الصهيوني، حتى وإن لم يشر هو أو هشام عبد الحميد من قبل إلى مصدرهم الصهيوني هذا، تعمية على أهداف سياسية يقصدونها، أو اتساقًا مع طبائع نفسية مترعة بالغرور والادعاء الأجوف".
والغريب أنه في أكثر من مقال نشره (زيدان) قبل عام 2014م، نجد دفاعه عن عروبة وإسلامية مدينة القدس والمسجد الأقصى الموجود فيه، وعلى موقعه الخاص وفي مقاله «القدس» يرد على ما يصفه بـ «دياثة الصحف»، قائلاً: "ونعود للقرآن الكريم، فنجد للقدس إشارات لا تحصى. يقول المفسرون عن قوله تعالى {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين}، هي بيت المقدس. وقوله تعالى {وواعدنا كم جانب الطور الأيمن} أي بيت المقدس. وقوله تعالى {وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} يعني بيت المقدس. وقوله {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} في بيت المقدس. ولا تنتهي الإشارات القرآنية، ناهيك بالأحاديث النبوية التى استفاضت في فضل بيت المقدس، مع أن غالبية المسلمين اليوم، تفضِّل واشنطن ولندن، ناهيك بشهادات المشايخ وأعلام الرجال في تاريخ الإسلام، ناهيك أيضاً بأكثر من خمسين كتاباً في تراثنا القديم تتناول فضل الأقصى وفضائل بيت المقدس".
إن محاولة البعض خلخلة مكانة الأقصى في النفوس لابد أن تتصدى لها الأمة قاطبة علماء وباحثين ومختصين بالتراث ..توضيحا وإبانة، ويتصدى لها سائر الناس استنكارا ونشرا للوعي الصحيح الذي أجمعت عليه الأمة قاطبة عبر تاريخها التليد.
إنها والله محنة جديدة تضاف إلىى محن المسجد الأقصى المبارك .. فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: تذاكرنا - ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أَم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الألباني).
» (أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه