خطب مختارة - [07] الرأسمالية تترنح 2-2

منذ 2016-01-19

ليست مفاجِئةً لنا نحن المسلمين أن يترنح اقتصادٌ غربيٌ يقوم على مبدأ الحريةِ المطلقة، ويتغذى على الربا والقمار، يأكل فيه القويُ الضعيف، فلقد علمنا منذ أكثر من أربعةَ عشرَ قرنًا أنه لا تُقْبَل الحريةُ المطلقة في السوقِ العادلِ أبدًا، حتى لا يعبث الأقوياء بأموال الضعفاء، وعلمنا أن الربا كبيرة من الكبائر، وأنه لا يجر إلا الدمار وخراب الديار؛ والويلات والحسرات؛ ومحقَ المالِ والبركات {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276].

السبب الثاني: الربا في القروض

الخطبة الأولى

ليست مفاجِئةً لنا نحن المسلمين أن يترنح اقتصادٌ غربيٌ يقوم على مبدأ الحريةِ المطلقة، ويتغذى على الربا والقمار، يأكل فيه القويُ الضعيف، فلقد علمنا منذ أكثر من أربعةَ عشرَ قرنًا أنه لا تُقْبَل الحريةُ المطلقة في السوقِ العادلِ أبدًا، حتى لا يعبث الأقوياء بأموال الضعفاء، وعلمنا أن الربا كبيرة من الكبائر، وأنه لا يجر إلا الدمار وخراب الديار؛ والويلات والحسرات؛ ومحقَ المالِ والبركات {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276].

وعلم ذلك قبلنا أهل الكتاب في كتبهم المنزلة، قال الله عنهم {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:161]؛ فعلم اليهود والنصارى بذلك؛ لكنهم عصوا؛ فأكلوا السحت؛ ولا يزالون إلى اليوم وهم يتخبطون في الربا يأكلون أموال الناس بالباطل.

وحيث إن أسواق الغرب الكافر لا تدين بدين الإسلام الحق، ولا تؤمن إلا بالنظم التي تقنن تَحصيلَ المال؛ دون النظر للأخلاق بجانب ذلك، فقد تنكَّب هذا الخلقُ الضعيفُ طريقَ الحق، وخالفوا تعاليم الخالق الذي هو أعلم بخلقه وبما يصلح لهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} [الملك:14]، فوضعوا تشريعاتٍ تَنْحَنِي للغني على حساب المسكين، وتُسَبِّحُ بحمد رجل الأعمال؛ ولأن هذه المبادئَ والمثلَ الرأسُمالية لا تُراعي عامة الناس بكافة طبقاتهم؛ ولأنها من وضع البشر؛ وتركٌ ومخالفةٌ لما جاء من عند الله خالق البشر؛ فقد باءت بالفشل والإفلاس والخسارات الفادحة؛ كما سمعتم وتسمعون.

عباد الله؛ إن لهذه النكسةِ العظيمة في الاقتصاد الغربي أسبابًا؛ أعظمها الظلم والعلو في الأرض بالإفساد، ومن أعظمها أيضًا الانفتاح الكبير في كثرة القروض؛ وإغراقُ مجتمعاتهم في القروض، وتحويلُ هذه القروض إلى تجارة؛ وبيعُها مرارًا؛ حتى تتضاعف أضعافًا مضاعفة، وتكونُ نتيجةَ هذه المتاجرة بالديون المصائبُ التي تنـزل عليهم.

ولو رجعنا إلى شريعتنا الغراء لوجدناها تمنع الإقراض بالفائدة؛ لأن ذلك عين الربا - ولما يؤدي إليه من أثر سلبي وخطير على المحتاجين؛ وعلى الاقتصاد العام ككل-، ولم تجعلْنا شريعةُ ربنا في حرج؛ فقد سمحت بالدَّين بلا زيادة، وسمحت بالبيع بثمن مؤجل؛ وحرصًا على عدم إغراق المجتمع في الديون فقد جعلت ذلك في حدود الحاجة، وبضوابط شرعية تمنع من وقوع أزمات؛ أو حدوث انهيارات؛ تَضر بأصحاب الأموال؛ أو المقترضين؛ أو تُلحق الضرر بالاقتصاد العام، لتكبح جماح من يريد الاستفادة من وراء الإقراض، ولهذا نجد نصوصًا شرعيةً كثيرةً تُلْمِحُ إلى خطر الدين، كما في استعاذته صلى الله عليه وسلم من المغرم (وهو الدين)، ومن ضَلَعِ الدين (أي ثقله)؛ كما في صحيح البخاري: "كان النبي  صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن والعَجْز والكَسَل والجبن والبخل وضَلَعِ الدين وغلبة الرجال» [صحيح البخاري:6396]، وعند البخاري أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة؛ ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من المأثم؛ والمغرم، فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم، فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف» [832] وفي سنن النسائي؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الكلمات: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين؛ وغلبة العدو؛ وشماتة الأعداء» [5502]، ها نحن اليوم نرى كيف غلبت الديونُ شركاتٍ وبنوكًا كبرى؛ وأرغمتها على الإفلاس، ولفظ الغلبة في الحديث النبوي يُلْمِحُ إلى إعجاز نبوي في دقة العبارة؛ وما تحمله من بُعد؛ ممن أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.

وكما ألمح صلى الله عليه وسلم إلى خطر الدين بالاستعاذة من غلبته وغرمه وثقله؛ فقد ألمح صلى الله عليه وسلم إلى خطورته أيضًا بعدم مشاركته في الصلاة على من توفي وعليه دين، وأخبر كذلك صلى الله عليه وسلم أنه يُغفر للشهيد كلُّ ذنب إلا الدين. ولحرص الشرع على إطفاء أثر الدينِ وحسم نتائجه الـمُرَّة على الفرد والمجتمع؛ فقد تكفل بيتُ مال المسلمين بتسديد دين المعسرين.

عباد الله، لقد أمَرَنا شرعُنا بتحسين النية عند اقتراض المال للحاجة، كما جاء في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» [صحيح البخاري:2387]، وهذا فيه تحذيرٌ من تبييت المقترض للنية السيئة؛ وإضمار عدم السداد، وذلك للمحافظة على الأموال؛ وصيانتها من الأيدي العابثة، وحرصًا على عدم تعريض الأفراد والمجتمعات إلى هزات عنيفة بسبب الديون المتراكمة! ولهذا حرمت الشريعة الإسلامية على الموسر المماطلة في السداد، فقال عليه الصلاة والسلام: «مطل الغني ظلم» [صحيح البخاري:2288]، وحثنا صلى الله عليه وسلم- ثانيًا- على حسن القضاء، كما في صحيح مسلم: «إن خيار الناس أحسنهم قضاء» [1600]، وذلك ليغرس الشرع في نفوس أبنائه أهمية قضاء الدين، وضرورة مكافأة المحسن بالإحسان.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله...

الخطبة الثانية

إن الإسلام حرَّم القرض بالربا؛ لأنه ابتزاز للمحتاج الذي ألجأته الضرورةُ والحاجةُ إلى الاقتراض، وبما أن النظام الرأسُمالي يسمح بالقرض بالربا فقد أضر بأسواقه المالية ضررًا بالغا؛ وما نراه اليوم في أعنف زلزال عرفته ساحة الشركات والبنوك ما هو إلا نتيجةٌ لذلك؛ وعقوبةٌ لمن حارب الله بالربا.

لقد نظم الإسلام الحياة الاقتصادية؛ بتشريع من الخالق جل وعلا، وذلك لينعم الخلق بحياة اقتصادية آمنة، تحترم الغني والفقير، وتراعي المصلحة العامة والخاصة، وتحفظ للناس حقوقهم، ولهذا: أجازت هذه الشريعةُ البيعَ؛ وحرمت الربا والغرر والتغرير والقمار. وأذنت في التجارة، ومنعت الاحتكار؛ ومن بيع البائع ما لا يملك؛ أو ما ليس في حوزته، وغير ذلك. ولو أخذت النظمُ الحديثة بهذا التشريعات الإلهية العادلة لم تتعرض أسواقُها ومؤسساتها وبنوكها لهذه الانهيارات المذهلة.

لقد أثبتت الأزمة المالية اليوم أن الأسواقَ القائمة على البيوع"عبر التصنيع، والإنتاج، والزراعة..." لم تُمَس بأذى،  أما الأسواقُ القائمة على الربا والديون والسندات فقد أصابها ما أصابها، بمعنى أن الاقتصاد الحقيقي لا يمكن أن يتسلل إليه مصائب تلك الأزمة، أما الاقتصاد الوهمي المبني على النقود المولِّدة للنقود، فهذا الذي أُصيب بحوادث الانهيار. وهكذا يُنتظر لكل بنك أو مؤسسة أو شركة وقعت فيما وقعت فيه تلك الأسواق الغارقة في الديون؛ ولو كان بينها وبينها محيطات.

أيها المؤمنون، إن الذنب عظيم علينا نحن المسلمين إن سرنا في ركابهم. ولقد صرَّح علماؤنا المعاصرون - وصدرت بذلك قرارات المجامع الفقهية وفتاوى كبار العلماء- بتحريم كثير من صور بيع الديون المستجدة؛ والتي عليها تعتمد البنوك الغربية، وأن حقيقتها أنها قروض ربا؛ وإن كانت تُسمى بغير اسمها. ومع الأسف الشديد فقد سرى بعضُ هذه التعاملات إلى بلاد المسلمين بحكم التبعية المقيتة التي نعيشها؛ حتى إنه ربما تُلَبِّس البنوكُ على الناس بأنها تبيع سلعًا؛ وهي حبر على ورق، وقد حذَّر أهل العلم من صور التحايل على الربا؛ وأن هذا التحايل يجمع بين معصيتين عظيمتين؛ هما كبيرة الربا وجريمة التحايل على ما حرّم الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود؛ فتستحلوا ما حرّم الله بأدنى الحيل» [مجموع الفتاوى:29/29].

فعلينا يا عباد الله أن نحذر من الربا، ونحذر من التحايل على الربا؛ ببطاقات أو قروض أو غيرها، فها نحن نرى هذه العقوبات في الدنيا العاجلة، فكيف بالآخرة. وعلينا أن نتجنب طلب الدين في حياتنا إلا عند الضرورة وبقدرها؛ ونحذر من صور التمويل لدى البنوك والتي هي تحايل على الربا.  

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، واغننا اللهم بفضلك عمن سواك، اللهم جنبنا الربا والتحايل عليه، اللهم إنا نعوذ بك من غلبة الدين وغرمه وثقله. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا.

  • 20
  • 7
  • 4,564
المقال السابق
[06] الرأسمالية تترنح 1-2
المقال التالي
[08] أسباب علاجية للغضب المذموم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً